من العمق

المهرجان الوطني للفيلم والأسئلة المعلقة

لا شك أن المهرجان الوطني للفيلم أصبح تظاهرة سينمائية هامة راكمت في جوانب عدة الكثير من الخبرة، فضلا عن كونه فرصة للاتقاء أهل السينما وباكورة إنتاجاتهم خلال السنة المنصرمة، غير أن تمت العديد من الأسئلة التي تظل إلى اليوم معلقة بعضها ينتظر أجوبة والبعض الآخر يحتاج إلى مقاربات لا تقبل أنصاف الحلول.

أولى هذه الأسئلة تتعلق بالبصمة الفرنسية الحاضرة بشكل معد له مسبقا بما لا يدع مجالا للشك سواء على مستوى التواصل أو بعض الأفلام المدافعة عن لغة موليير صراحة مثل فيلم “أخطاء متعمدة” الذي تعمد صاحبه ومبرمجوه الخطأ في حق اللسان المغربي أو فيما يتعلق برئاسة لجن التحكيم، فهذه ليست المرة الأولى التي يعمد فيها المركز السينمائي إلى إغراق لجن التحكيم بالأجانب وقد يتفهم وجود بعضهم باللجنة لكن الأمر الغير المقبول هو أن يترأس لجنة التحكيم أفلام المهرجان الوطني شخص فرنسي.

السؤال الثاني، وهو قديم جديد إلى متى ستظل مدينة طنجة الجميلة تحتكر لوحدها تنظيم هذا المهرجان منذ أن تم تهريبه من الرباط فأصوات عدة لا تتوقف عن الدعوة إلى تنظيم المهرجان الوطني للفيلم بالتناوب بين مختلف المدن المغربية بدل أن تحتكره مدينة واحدة ويحتكر الاستضافة فنادق معينة ويحتكر التقديم صحفيين دون غيرهم إلى جانب أنواع أخرى من الاحتكار تهم المطبوعات وشركات الأمن الخاص والدعاية وزيد وزيد، بشكل أصبحت معه هذه الخدمات امتيازات للبعض دون الأخرى وتطرح أسئلة عديدة على هذا المستوى.

السؤال الثالث، يهم معايير اختيار لجن التحكيم ولجن انتقاء الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية ومدى حضور مبدأ التعددية في هذه اللجن وكذا حول درجة استقلاليتها، ففي مجال السينما أصبح معلوما أن لجنة التحكيم الفلانية تعطيك اختيار وتتويج الأفلام العلانية، هكذا غالبا ما تعبر تركيبة اللجن عن توجه واحد مع اختلاف حتى الدول القادمة منه مما يضعنا أمام تنوع خادع في الحقيقة على اختلاف الشخوص.

السؤال الرابع، يهم المنحى التطبيعي الذي انطلق مع أفلام سابقة آخرها فيلم الهجوم لمخرجه اللبناني المعروض بمهرجان مراكش واليوم نتابع ردود الفعل الوطنية الرافضة لفيلم “تنغيرجيروزاليم” الذي اعتبرته تطبيعيا ومشبوها ومغتصبا للذاكرة الجماعية للمغاربة ومناقضا لإجماع المغاربة على القضية الفلسطينية ومناصرتها وإدانة العدوان الصهيوني ومجازره في حق الإنسان والعمران، ضدا على كل ذلك قام المركز السينمائي ببرمجته ويبدوا أنه مُصرٌّ على عرضه. كما لا يخفى على أحد أيضا الحضور البارز والمبالغ فيه للمكون العبري في مختلف محطات المهرجان الوطني فدائما أربع إلى خمسة أفلام تتطرق إلى موضوع هجرة اليهود وطبعا لا أحد يعترض على هذا غير أن المشكل هو في ذلك الاحتكار الذي يمارسه هذا الرافد العبري أكثر من كل مكونات الهوية المغربية الأخرى أمازيغية كانت أو حسانية أو إسلامية أو غيرها وطبعا هو جانب يكشف بعض عناصر التحكم الذي ترعاه جهات نافذة وتُسَخِّر له بعض المكونات الفاسدة في فضاء السينما.

السؤال الخامس، يهم معايير اختيار الأشخاص المكرمين بالمهرجان بحيث تظل المعايير غير معلومة ويتساءل العديد من المهتمين عن السبب وراء إهمال البعض والاحتفاء بالبعض الآخر، بل وتكريم بعض من سبق تكريمهم وتجاهل من لم يسبق لهم أن كرموا بالمرة، على الرغم من طريقة التكريم التي شهد من تابعها بأنها جد تقليدية ولا توفي المكرمين حقهم.

أمام هذه الأسئلة وغيرها يُطرح سؤال بحدة حول أية سياسة تحكم المركز السينمائي المغربي وتوجه ما يقوم به، أمام المقتضيات الدستورية واختيارات الشعب المغربي الواضحة وفي التوجهات العامة للسياسة الحكومية المنبثقة من صناديق الاقتراع في 25 نونبر غير المطعون فيه كما التجارب السابقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *