رمضانيات، مجتمع

نوابغ مغربية: الوزاني.. مفكر سياسي عارض دستور 62 وفقد ذراعه بـ”انقلاب” الصخيرات

تميز المغرب عل مدار تاريخه ببزوغ شخصيات نابغة أبدعت في مجال تخصصها وأسهمت في بناء الإدراك المعرفي للمجتمع وشحذ الهمم والارتقاء بالوعي الجمعي، كما رسخت عبقرية المغاربة بتجاوز إشعاعها حدود الوطن، ومنهم من لا تزال إنتاجاتهم العلمية والمعرفية تُعتمد في الحياة وتدُرس في جامعات عالمية.

هم رجال دين وعلماء ومفكرون وأطباء ومقاومون وباحثون ورحالة وقادة سياسيون وإعلاميون وغيرهم، منهم من يعرفهم الجميع وآخرون لم يأخذوا نصيبهم من الاهتمام اللازم، لذا ارتأت جريدة “العمق” أن تسلط الأضواء على بعضهم في سلسلة حلقات رمضانية بعنوان “نوابغ مغربية”، لنكتشف معًا عبقرية رجال مغاربة تركوا بصمتهم في التاريخ.

الحلقة الثانية: محمد بن الحسن الوزاني .. مفكِّر سياسي سابِق لزمانه

من نوابغ مغرب القرن العشرين، من أبرز رجالات الوطنية المغربية الذين ضَربوا بسهمٍ وافِر في مسارها وتطويرها وضخِّ التنوير في إنتاجاتها وإعطائها وَهجاً وتألُّقاً سياسيا وفِكريا داخل المغرب وخارِجَه، فهو سياسي وصحفي مغربي، وأحد رموز الحركة الوطنية المغربية، ومؤسس حزب الشورى والاستقلال وجريدة عمل الشعب والحركة القومية المغربية وحزب الدستور الديمقراطي.

وُلِدَ محمد بن الحسن الوزاني سنة 1910 بمدينة فاس العالِمة، وبرحاب أعرق جوامِعها “القرويين” حيث تلقّى تعليمه إلى غاية تخرُّجِهِ سنة 1927 وانتِقاله إلى باريس، حائزا من كلياتها شهادة البكالوريا، ثم الإجازة في العلوم السياسية، فأصبح بذلك أول مغربي يحصل على الإجازة في هذه العلوم.

عاد الوزاني إلى مدينة فاس سنة 1930، لبْدِء مسارِ النضال الوطني المبكِّر الذي تجرَّع من وراءه الاعتقال والتضييق، مما اضطره للعودة إلى باريس، لخَوضِ نضالٍ علمي وسياسي ضدّ الاستعمار، دشَّنه بكتابِه الأوّل “عاصفة على المغرب”، وبنشاطٍ ملحوظ في جمعية “نجم جمال إفريقيا”، و”جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين”، فسياحةٌ ميدانية وفكرية وسياسية إلى مصر، قابَل في رواد الفكر العربي الإصلاحي والليبراليين العرب، والقوميين، واستلهَم من قادة الكفاح العربي والمغارِبي فنون مواجهة الاستعمار.

حياةُ الوزاني كفاحٌ ونضال وتحصيل للعلم وإسهام وافِرٌ في تطوير الذهنية المغربية، مع قُدرة هائلة على الانفتاح الفكري والسياسي على كُبرى نظريات القرن العشرين، وتحوّلات السياسة وأنظمة الحكم، إلى جانِبٍ اهتمامهِ الكبير بالصحافة، الذي سيبرُز مع إصداره وإشرافه على أسبوعية باللغة الفرنسية تحت اسم “عَمل الشَّعب” سنة 1933 إثْرَ عودته للمغرب.

بلحسن الوزاني أحد الأعمدة الرئيسية في هرمية ومسار كتلة العمل الوطني، ومفكِّرها السياسي، وأحد المساهمين في صياغة “برنامج الإصلاحات”، قَبل أن ينفصِل عنها، مُحتَجّاً على عدم اختياره أمينها العام، ما جعله يقرر الانشقاق عن حزب الاستقلال، مُنصرِفاً إلى تأسيس حزب الحركة القومية، ثم حزب الشوى والاستقلال.

ذاق النفي إلى الصحراء مدةَ تِسعِ سنوات، انفرَد فيها مع كُتبه، ومع التّصنيف، وإثْرَ إعادته للبلاد سنة 1946، سيستأنِف النضال السياسي مُؤسِّساً حِزب جديدا حزب الشورى والاستقلال، وفاتحا به مسار تجربة سياسية متميزة ستبصُم تاريخ العمل الحزبي بالمغرب.

بعد جُهدٍ نضالي تُوِّج بالاستقلال؛ اختيرَ الوزاني وزيرا في الحكومة التي ترأسها الملك محمد الخامس، وتوجَّه إلى القاهرة للحضور في مؤتمر دول عدم الانحياز، وخلال هذه الرحلة وقَّع باسم المغرب “ميثاق الدفاع العربي”.

إلا أنه سُرعان ما قدَّم استقالته من الحكومة، ليُختارَ نائبا برلمانيا عن مدينة وزان بعد ذلك. ورغم أنه عارض باسمِه وباسمِ حِزبِه دستور 1962؛ إلا أنّه أشاد بدستور 1970 لأنه جاء بعد فترة الفراغ السياسي الذي ساد البلاد إبان حالة الاستثناء.

واصل الرجل جهاده المعرفي والسياسي كاتِباً، ومحلِّلاً الأوضاع السياسية، ومُقدِّما المذكِّرات الاستعجالية والإصلاحية للملك الحسن الثاني، لا سيما بعد أنْ دَخلت البلاد منعطفا خطيراً أثناءَ وبَعدَ انقلابين عسكريين.

يقول الوزاني أن القرآن هو “دستور الإسلام الخالد”، ويعتبر أن ذلك “لا يتنافى مطلقا مع ما يخوله الإسلام نفسه، نصا وروحا، للمسلمين من حق التفكير في تكييف نظام دولتهم وفق ما تتطلبه حياتهم في كل عصر، أي في وضع دستور يكون القانون الأساسي لأنظمة الحكم والسياسة في الدولة”.

ويشير الوزاني إلى أن “أبواب النهضة ستنفتح أمام المسلمين إن استطاعوا أن يدركوا أسرار الشريعة الإسلامية ويعملوا على التوفيق بين ما قررته من أصول وبين ما يطرأ على حياتهم من الحوادث ويعرض لهم من المشاكل (…) والشريعة لا تحرم على المسلمين اقتباس ما ينفعهم في دنياهم من الأمم الراقية”.

كانَ الوزاني ضحية انقلاب الصخيرات الذي فَقَد فيه ذِراعه اليمنى، فتعلَّم الكتابة باليد اليُسرى، وحَرّر مذكِّراته السياسية وعددا من كتاباته المتميّزة، منها: مذكرات حياة وجهاد؛ التاريخ السياسي للحركة الوطنية التحريرية – حرب القَلَم – حقيقة الحكم في الإسلام – حرية الفَرد وسُلطة الدولة – في الدّستور والبرلمان – الدعوة إلى النهضة والانبعاث – وَطنيات…

كما ألف إصدارات أخرى ضمّنها أهمّ القضايا التي شَغلت فِكره وباله وتجربته السياسية “القيم الليبرالية والتجربة التاريخية للأمة”، “الاستقلال والديمقراطية”، “نظام الحكم”، “مفهوم الدولة”، “الحرية”، التعددية السياسية”، “المرأة المغربية”، “العدالة الاجتماعية”.

توفي النابغة السياسي والمفكّر محمد بن الحسن الوزاني سنة 1978 بعد معاناة طويلة مع مرض القلب، ودُفِن بمدينة فاس.

مصادر ومراجع:

* (الوزاني) عزّ العرب: “حدّثني والدي؛ المعركة من أجل الشورى والاستقلال“، منشورات مؤسسة محمد بلحسن الوزاني، الطبعة الأولى 1990.
* (الوزّاني) عزّ العرب: “الدِّيمقراطية في المغرب العربي“: منشورات موسسة محمد بلحسن الوزاني، أعمال ندوة دولية نُظِّمَت بفاس، أيام 9-12 شتنبر 1998، مطبعة النجاح الجديدة – المغرب.
* (موريين) بيين فير: “تاريخ المغرب منذ الاستقلال“، ترجمة: عبد الرحيم حزل، منشورات إفريقيا الشّرق، طُبِع بِدعم من مصلحة التعاون الثقافي التابعة لسفارة فرنسا في المغرب، الطبعة الأولى 2009.
* (القبلي) محمد: “المغرب والزمن الراهن؛ معطيات ومقاربات“، تنسيق: عبد الرحمن المودّن، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الطبعة الأولى 2013، مطبعة المعارف الجديدة.

الحلقة الثانية من إعداد: عـدنان بـن صـالح/ باحث بسلك الدكتوراه، مختبر “شمال المغرب وعلاقاته بحضارات الحوض المتوسِّطي”، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي – تطوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *