وجهة نظر

المجتمع الجديد

عاين الربع الأول من القرن الحادي والعشرين تطورا وتغيرا عظيما في الحياة البشرية، وتمّثل بثورة العلوم والتكنولوجيا فائقة التطور في مختلف المجالات منها: الأدبية والعلمية والتقنية وكذا الصناعية، وكان لثورة المعلومات والاتصالات دور الريادة في هذا التحول، حيث اصبحت المعلومات العنصر الاساسي والمنتج الرئيس في عالم الاعمال، فهي مكنت الإنسان من فرض سيطرته على الطبيعة والتحكم فيها إلى حد أصبح فيه عامل التطور المعرفي أكثر تأثيرا في الحياة من بين العوامل الأخرى.

لقد صارت المعلومات موردا أساسيا من الموارد الاقتصادية لما لها من خصوصيات، بل تعد المورد الاستراتيجي الجديد في الحياة الاقتصادية والمكمل للموارد الطبيعية.

فمع التطور الهائل للأنظمة المعلوماتية تحولت تكنولوجيا المعلومات إلى أحد أهم جوانب التطور الاقتصاد العالمي. حيث ساهمت ثورة المعلومات في تحيين وتطوير مختلف جوانب الحياة الإنسانية داخل المجتمع، سواء تعلق الامر ببنيته الاقتصادية ما يشتمله من علاقات إنسانية مجتمعية أخرى.

فالمجتمع، وكذلك الإنسان الذي لا يسعى إلى مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي سرعان ما يجد نفسه عاجزا عن ولوج المجتمع الجديد والمساهمة فيه. والدولة التي لا تدرك أن المعرفة هي اليوم العامل الأكثر أهمية للانتقال من التخلف إلى التطور ومن الفقر إلى الغنى ستجد نفسها حتما على هامش مسيرة التقدم.

ومن هنا برزت الحاجة لوجود نظام معلومات جديد يتلاءم مع البيئة الحاضنة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ليكون قادرا على توفير معلومات ذات جودة عالية بالوقت المناسب، بهدف تحقيق تنمية اقتصادية جيدة تنعكس على الحياة الاقتصادية والاجتماعية بشكل ايجابي.

لقد اصبحت صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات موردا مهما لكثير من الدول، ولا يمكن تجاهل الدور المهم الذي تلعبه هذه الصناعة في تعزيز اقتصاديات الدول، والاسهام في دفع عجلة التنمية من خلال توفير بعض الفرص الوظيفية.

إن المجتمع المغربي اليوم إذا ما أراد الانضمام إلى مسيرة هذا المجتمع الذي سمي “بالمجتمع الجديد” عليه أن يتحمل مسؤولية تطوير بنية أساسية للمعلومات والاتصالات بالجامعة المغربية تتماشى مع الإرادة السياسية التعليمية التي تم التعبير عنها في العديد من المناسبات مع ما يتطلبه ذلك من تخطيط استراتيجي بعيد المدى يأخذ بعين الاعتبار التطورات التكنولوجية المتسارعة والحاجات المستقبلية بالاستفادة من تجارب البلدان التي نجحت في تخطيطها على الصعيد الإقليمي العربي أو العالمي.

ولتكون جودة هذا النجاح متينة وبعيدة المدى، لابد لنا من الوقوف على عتبة التاريخ المغربي تحليلا وتمحيصا فيما هو مرتبط بالتعليم العالي. وفيما يتعلق بمساهمة المؤسسات المغربية التقليدية في البحث العلمي، التي ترجع إلى القرن التاسع الميلادي: تاريخ تأسيس جامع القرويين الذي تخرج منه وعلى امتداد الأزمنة ثلة من كبار العلماء والذين لازالت الأعمال التي خلفوها تعتبر مصدراً لا غنى عنه في العلوم الدينية والقانونية والأدبية.

فيما يتعلق بمرحلة ما بعد الاستقلال، اقترن البحث العلمي بتأسيس أول جامعة مغربية هي جامعة محمد الخامس التي أنشئت  بالرباط عام 1957، ثم   1963 تاريخ تأسيس جامعة القرويين بكلياتها الثلاث: (كلية الشريعة بفاس وكلية أصول الدين بتطوان وكلية اللغة العربية بمراكش)، وبعد ذلك أنشئت جامعات أخرى في كل من الدار البيضاء وفاس عام 1975 و في تطوان ومكناس والجديدة وأكادير والقنيطرة عام 1982، كما أنشئت بعد ذلك في مدن أخرى كليات تابعة لإحدى هذه الجامعات مثل كليتي الآداب والعلوم الإنسانية في كل من المحمديـة وبني ملال.

يرجع السبب الرئيسي في انشاء كل هذه الجامعات والكليات الى الرفع وتجويد العلاقة القائمة بين التنمية والتعليم العالي. حيث لم تعد وظيفة التعليم العالي اليوم تأطير وتكوين الطالب المغربي وانما مواجهة التحديات المفروضة عليه والمتمثلة أساسا في الربط بين المتطلبات الوطنية وبين مسايرة التقدم العالمي في الميدان العلمي. وهو السبب الذي دفع الكثير من الباحثين والمهتمين في المجال العلمي الى اكتشاف سبل جديدة للرفع من جودة التعليم ببلادنا. حيث اتفق الجميع على ضرورة استغلال تكنولوجيا المعلومات بأبعادها المختلفة وهذه الأخيرة التي أحدثت تطورات في وظيفة المدرسة وكذا الجامعة الشيء الذي أدى الى بزوغ مفاهيم جديدة كالتعليم العالي بالمراسلة والتعلم المستمر والتعلم الذاتي والتعليم عن بعد هذا الأخير الذي ظهر نتيجة الطلب المتزايد في مختلف المراحل التعليمية والحاجة إلى مواكبة التطورات السريعة في العلوم والتكنولوجيا. فهذا ما جعل المجتمعات المعاصرة تبحث عن أنظمة رديفة أو مساعدة للأنظمة التقليدية، فبرزت مؤسسات حاولت تبني برامج التعليم عن بعد مسخرة تكنولوجيا المعلومات الحديثة قدر المستطاع وبذلك أسهمت الوسائل السمعية البصرية والحواسيب وشبكات المعلومات والأقمار الصناعية في تعليم التلاميذ والطلبة في منازلهم.

غير ان محاولة الدمج بين تكنولوجيا المعلومات والتعليم عن بعد لابد لها من ان تكون داخل إطار يضمن الاستثمار الجيد لتحقيق الأهداف المرجوة.

وبهذا لابد من الانتقال التدريجي لتوظيف تكنولوجيا المعلومات وفقا لخطة معدة بشكل محكم تلبي الاحتياجات الفعلية للمجتمع المغربي من النواحي المختلفة وتكون بتكلفة معقولة وذات مردود منتظر عال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *