وجهة نظر

مشروع تقنين وسائل التواصل الاجتماعي بين الحرية والجريمة الإلكترونية

تتواصل تفاعلات المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي مع موضوع مشروع تقنين استعمال هذه الشبكات، علما أن الصيغة الرسمية والنهائية لمشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة لازالت قيد الدرس الحكومي ولم تتم إحالتها بعد على البرلمان.

ولئن كان من السابق لأوانه الإحالة على مآل مشروع القانون المذكور وما ستتضمنه مقتضياته القانونية ذات الصلة بهذا الموضوع الحساس والحيوي. فإننا نثير الملاحظات التالية المتعلقة بأهمية تقنين وسائل التواصل الاجتماعي (أولا ) ومحدداته(ثانيا ) ومسطرته التشريعية (ثالثا)

أولا: أهمية موضوع تقنين وسائل التواصل الاجتماعي

إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات المعلوماتية الإلكترونية، من زاوية عامة، تساهم في تحقيق الأداء الاجتماعي الإيجابي وتيسر عمل وأنشطة الأفراد والمؤسسات، كما تشكل فضاءات إلكترونية ملائمة في العصر الحالي لممارسة الحقوق والحريات وتعزيز الاختيار الديموقراطي، فإنها، من وجهة زاوية أخرى، تثير إشكالية التفاعل التشريعي مع تنامي الجرائم الإلكترونية، لاسيما في ظل يسر الولوج إلى المعلومات الإلكترونية وإمكانيات البحث عنها من لدن الغير وتعديلها وبكل حرية ودون حواجز جغرافية.

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى تزايد انتشار الفيروسات الإلكترونية والمعاملات المالية الإلكترونية غير المشروعة، فضلا عن القرصنة الإلكترونية واختراق صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وتوظيف الوسائل الإلكترونية لممارسة التهديد والابتزاز والتزوير.

ثانيا: محددات دستورية وقانونية واتفاقية لتقنين وسائل التواصل الاجتماعي

حيث إن أي مبادرة تشريعية لتقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي في بلادنا من المفترض، من الناحية المبدئية، أن تتم في إطار استحضار محددين أساسيين كافيين لإغناء الحوار الموضوعي حول بعض جوانب هذا الموضوع، وهما: المحدد الدستوري والقانوني والمحدد المتعلق بالملائمة مع اتفاقية الجريمة الإلكترونية.
.-المحدد الأول : الملائمة مع أحكام الدستور والمقتضيات القانونية الجاري بها العمل

ومن أهم الأحكام الدستورية التي يمكن الإحالة عليها، ضمن هذا المحدد، ما ورد في الفصل 24 من دستور المملكة، الذي ينص على أنه: ” لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة” و ” لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها. ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها. كلا او بعضا. أو باستعمالها ضد أي كان. إلا بأمر قضائي. ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون”. وما ورد في الفصل 25 الذي ينص على أن: “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها و “حرية الأبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة” وما ورد في الفصل 28 الذي ينص على أن: “للجميع الحق في التعبير. ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”.

كما أن مثل هذه الحقوق والحريات معززة بضمانة دستورية كبيرة، يجسدها السهر الملكي السامي على صيانة الاختيار الديموقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات وذلك من خلال السلطات المخولة لجلالة الملك صراحة بنص الدستور أو من خلال وظيفته التحكيمية التدخلية بشكل مباشر أو غير مباشر، باعتبار جلالته هو “الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة ” و”رمز وحدة الأمة “.

ومن جهة أخرى ، يتعين الإشارة إلى أن المنظومة التشريعية الوطنية الحالية تتضمن كذلك تجريم الاعتداء على الحياة الخاصة، وترتب عقوبات حبسية مقرونة بغرامة مالية، على بعض الأفعال الإجرامية، التي يمكن أن تتم بطريقة الكترونية. فعلى سبيل المثال: ينص الفصل 1-447 من مجموعة القانون الجنائي على أنه: ” يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها.

يعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته.”.

كما ينص الفصل 2-447 على أنه: .” يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.”.

المحدد الثاني : الملائمة مع اتفاقية الجريمة الإلكترونية

اقد اكتسبت اتفاقية الجريمة الإلكترونية التي صادق عليها المغرب في 29 يونيو 2018 سموا دستوريا في نطاق أحكام الدستور والقوانين الجاري بها العمل وهويتها الوطنية الراسخة، انسجاما مع تصدير الدستور.

ومن المعلوم أن المصادقة على هذه الاتفاقية لها علاقة بتعزيز الوضع المتقدم لبلادنا في علاقته بالاتحاد الأوربي. كما أنها كانت مسبوقة بموافقة برلمانية نهائية على قانون رقم 136.12 يوافق بموجبه على اتفاقية الجرائم المعلوماتية، الموقعة ببودابست في 23 نوفمبر 2001 وعلى البروتوكول الإضافي لهذه الاتفاقية، الموقع بستراسبورغ في 28 يناير 2003 وذلك منذ الولاية التشريعية السابقة بتاريخ 11 ابريل 2014. وتم نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية بتاريخ 29 ماي 2014 تحت عدد6260.

وتثير هذه الاتفاقية في حد ذاتها ضرورة توفير شروط وضمانات كافية لحماية حقوق الإنسان والحريات في تقنين استعمال الشبكات المعلوماتية، وبما يحقق صياغة المقتضيات التشريعية بقدر أكبر من الوضوح والخصوصية قدر المستطاع، وعدم الغلو في توسيع نطاق الفعل الجرمي إلى مجالات لم تحتملها الاتفاقية المذكورة، ومن بينها .”انتهاكات العلامات التجارية.” التي لا تخضع لها.

وقد يكون من الملائم، في إطار التدرج التشريعي الموضوعي الاقتصار في هذه المرحلة على الحد الأدنى من الأفعال الإجرامية الضرورية الواردة في فحوى الاتفاقية المذكورة والتي ركزت ، كما سبق بيانه كذلك من طرف الحكومة في فحوى مذكرتها التوضيحية بمناسبة دراسة القانون رقم 136.12 الذي تمت الموافقة بموجبه على الاتفاقية المذكورة. ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى:

1- الجرائم التي تستهدف أمن نظم المعلومات وتمس سرية المعلومات والبيانات الإلكترونية وتوظيفها بطريقة غير مشروع ؛
2- الجرائم التي تستهدف الاستغلال الجنسي الإلكتروني للأطفال في المواد الإباحية؛
3- الجرائم التي تنتهك حقوق التأليف والنشر في إطار القرصنة الإلكترونية على “نطاق تجاري”.

ثالثا: المسطرة التشريعية لتقنين وسائل التواصل الاجتماعي

حيث إن المسطرة التشريعية الجارية بشأن مشروع تقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي إن كان من الطبيعي أن تثير في مرحلتها الحكومية تساؤلات متعددة، قد لا تكون بالضرورة أثيرت بنفس الدرجة وبنفس النطاق الإلكتروني الواسع في شأن مشاريع قوانين عادية سابقة لا تقل أهمية عن مشروع القانون المذكور ولا تثير من الزاوية القانونية التقنية، وجود أي خرق قانوني أو تنظيمي مخل بشكلية المسار الجاري لاعتماده إذ تظل الصيغة الحكومية النهائية لمشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة غير تامة وغير رسمية ولازالت قيد الدرس الحكومي ، ولم تتم إحالتها بعد على البرلمان ، بل ليس هناك قيد زمني لتحقق هذه الإحالة وليس هناك ما يمنع من احتمال تعذر إحالة هذا المشروع على البرلمان في حالة تعذر تحقق توافق حكومي بشأن تجويد صياغة نسخته السابقة، كما صادق عليها مجلس الحكومة، مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه بعد دراستها من طرف اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المحدثتين لهذا الغرض.

ودون حاجة إلى إثارة أهمية وحيوية التفاعل الإلكتروني بشأن هذا الموضوع وقبله ومعه التفاعل الحكومي وبعده التفاعل البرلماني في نطاقه المؤسساتي في حالة تحقق إحالته على البرلمان، كما حصل بشأن عدة مشاريع قوانين مهمة، مما سيساهم في الغالب في تجويد النص وملائمته مع تطلعات وانتظارات المواطنات والمواطنين في نطاق استمرارية الاختيار الديموقراطي وتعزيز الحقوق والحريات بالتفاعل التشريعي الإيجابي والضروري مع التزامات المملكة لمحاربة الجريمة الإلكترونية.

ويقترن هذه الخلاصة أهمية استبعاد ضرورة اقتران تمرير تقنين وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات المعلوماتية بحالة الطوارئ الصحية التي تعرفها بلادنا، وذلك لسببين أساسيين: أولهما أن الإطار التشريعي لحالة الطوارئ الصحية تضمن ترتيب عقوبة استعمال الوسائل الالكترونية لعرقلة تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة لتطبيق مقتضياته الضرورية، وثانيهما أن موضوع تقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي لا يتعلق بتشريع لمرحلة عابرة، في كل الأحوال، بل يتعلق بتحول تشريعي كبير سيرهن مصير وثقة الأجيال الحالية والمقبلة في استعمال تكنولوجيا المعلوميات، مما يفرض استحضار نفس التعبئة الوطنية والمصلحة العامة وتغليب روح التوافق الإيجابي في سياق التفاعل الموضوعي مع معادلة حماية حرية استعمال وسائل التواصل الاجتماعي من الجرائم الإلكترونية وفق خصوصية النموذج المغربي.

* حسن أهويو، باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *