وجهة نظر

ماذا لو كان فيروس كورونا تسرب من مختبر ووهان بالصين؟‎

من بين جميع التساؤلات و الألغاز التي رافقت تفشي فيروس كورونا المستجد، يثير أصل نشأة هذا الفيروس جدلا واسعا و ذلك منذ بداية انتشار الفيروس، و لقد طرحت في البداية بعض نظريات المؤامرة منها أن الفيروس مرتبط بأبحاث تتعلق بالأسلحة البيولوجية ، لكن سرعان ما تم استبعاد هذا الاحتمال ،و يجري الآن البحث في إمكانية أن يكون مصدر الفيروس طبيعي لكنه تسرَّب عن طريق الخطأ من أحد مختبرات ووهان ، و هناك من الخبراء و الباحثين من يعتبر بأنه توجد بعض الأدلة التي تدعم هذه النظرية على اعتبار أن مختبر الفيروسات بووهان الصيني أجرى بالفعل أبحاثاً على الفيروسات التاجية في الخفافيش دون أخذ الاحتياطات الضرورية ، وهو ما اعتبر مخاطرة غير محسوبة العواقب دفعت بوزارة الخارجية الأمريكية الى مراسلة الحكومة الصينية أكثر من مرة معربة عن قلقها بشأن معايير السلامة في معمل ووهان.

مساء الأربعاء 15 أبريل قال الرئيس الامريكي  ان إدارته تجري أبحاثا بخصوص إمكانية تسرب فيروس كورونا من مختبر مدينة ووهان الصينية ليس كسلاح بيولوجي ولكن بطريق الخطأ ، مرددا ما جاء في تقرير قناة “فوكس نيوز” وتقارير أخرى أشارت إلى أن ضعف معايير السلامة في المعمل الذي تتم فيه التجارب المتعلقة بالفيروسات في ووهان تسبب في إصابة شخص ما بالعدوى ثم ظهرت بعد ذلك في سوق للمأكولات الشعبية حيث بدأ الفيروس في الانتشار .

فلقد كشفت قناة فوكس نيوز عن عدد من مصادرها الخاصة ان نشأة الفيروس بدأت من الخفافيش و انتقلت الى الإنسان ، و ان باحثة في مختبر ووهان أصيبت بهذا الفيروس عن طريق الخطأ و هي تقوم ببعض الاختبارات و نقلته الى خارج المختبر، و عندما علمت الحكومة الصينية بالخبر ، و حتى يتسنى لها إبعاد الشكوك عن هذا المختبر صرحت ان الفيروس انتشر في سوق المأكولات ، كما قامت إدارة المختبر من جهتها بإخفاء عينات التجارب وحذف تقارير فحص عينات فيروس كورونا ، هذه القناة الداعمة لترامب اتهمت منظمة الصحة العالمية بمعرفتها بأمر الفيروس منذ البداية و أنها ساعدت الصين على تغطية الأمر وهو ما يبرر رفض الرئيس الأمريكي تمويل منظمة الصحة العالمية ، كما نشرت صحيفة واشنطن بوست برقيات الخارجية الأمريكية سنة 2018 تشير إلى انعدام معايير السلامة العامة في مختبرات ووهان.

فالموقف الأمريكي الجديد يستبعد فكرة تعمد الصين تصنيع سلاح بيولوجي، وهو السيناريو الأكثر قبولاً لدى الرأي العام العالمي ويمكن ترويجه بكل سهولة ، وهو عامل حاسم في المعركة السياسية و القانونية التي يتم الإعداد لها حاليا ، إذ أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت قرار تحميل الصين مسؤولية كارثة وباء كورونا وتحضر للمطالبة بتعويض المتضررين من هذا الفيروس ، و قد تم بالفعل في كثير من الولايات الأمريكية رفع قضايا تعويض بواسطة مكاتب قانونية حصلت على تفويض من مواطنين أصيبوا بالفيروس أو فقدوا أقاربهم ، في حين نجد أن الخارجية الصينية تنفي أية مسؤولية عن تسرب الفيروس و تستشهد بمنظمة الصحة العالمية التي كانت قد أعلنت أنها لم تجد لحد الساعة أي دليل ملموس على أن فيروس كورونا تم إنتاجه في أحد المعامل الصينية .

و بالرغم من عدم وجود أدلة قاطعة تؤكد تسرب الفيروس من مختبر ووهان ، إلا أن الملاحظ أنَّ الصين تكتمت عن المعلومات في الأيام الأولى من تفشي المرض ، كما أنَّ المسؤولين الصينيين حجبوا جميع البيانات المتعلق بالوباء لمدة اسبوع كامل في فترة حاسمة من انتشار الفيروس ، ثم إن بعض الصحافيين الصينيين صرحوا بأن أعداد الوفيات في ووهان و التي أدلت بها الحكومة الصينية أقل من العدد الحقيقي ، وحُذِف أيضا البحث العلمي الذي أشار إلى أنَّ الصين هي مصدر تفشي المرض ، في حين طرح بعض المسؤولين الصينيين نظريات بعيدة عن الواقع تقول إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية هي سبب انتشار الفيروس ، و ذلك للتغطية عن فشل الحكومة الصينية في التعامل مع الفيروس خلال المراحل الأولى لانتشاره في محاولة مكشوفة لتضليل الرأي العام الدولي .

و منذ تفشيه لا يزال فيروس كورونا يوجه للاقتصاد العالمي ضربات متتالية و متسارعة حتى أصابه بالشلل التام ، فقد عرقل الإنتاج والتجارة والنقل الجوي عبر العالم، وعزل الدول و المجتمعات عن بعضها بسبب الحجر الصحي و حظر التجول، وأصاب جميع القطاعات : المال ، الخدمات ،الطيران، النقل، السياحة بخسائر فادحة في أزمة عالمية لم يسبق لها مثيل قد يحتاج الأمر للتعافي منها إلى سنوات من الجهود و العمل المضني لإعادة بناء الإقتصاد من جديد ، فهل من المعقول أن يتم التغاضي بكل بساطة عن الخطا الذي ترتب عنه انتشار هذا الوباء في العالم سواء كان خطا مقصود أو غير مقصود ؟ و ما ذنب الآلاف من البشر الذين عانون من ويلات المرض و أولئك الذين توفوا ، و الملايين الذي توقفوا عن العمل و اصبحوا بين ليلة و ضحاها في عداد العاطلين و الفقراء دون ذكر ما تسببه فيه من أضرار معنوية بفعل الخوف و الهلع ؟ من إذن يتحمل تداعيات هذا الوباء ؟ فإذا كان من حق الصين أو غيرها أن تنشا معامل ومختبرات و معاهد لدراسة الفيروسات ، فليس من حقها أن تتنصل من مسؤولية انتشار فيروس شديد و سريع العدوى بل أكثر من ذلك فيروس قاتل وفتاك خصوصا إذا تبين ان هذا الانتشار كان بفعل الإهمال و التقصير و عدم اتخاذ اجراءت و تدابير السلامة المطلوبة .

الأمر لا يتعلق فقط بدولتين تتصارعان على زعامة و قيادة العالم ، بل جميع دول العالم معنية بهذه الكارثة و تداعياتها، و يتعين على المنتظم الدولي التدخل العاجل للبحث في منشأ و سبب انتشار الفيروس بواسطة لجنة محايدة من العلماء و الخبراء والمختصين تحت إشراف رعاية هيئة الأمم المتحدة ، ودراسة كيفية ترتيب الآثار القانونية عن المسؤولية في تفشي هذا الوباء اذا كان بفعل تقصير بشري خصوصا الجانب المتعلق بتعويض الدول المتضررة ، كما أن اعداد اتفاقية أو معاهدة دولية جديدة تتعلق بالأبحاث و الدراسات في مجال علم الفيروسات أصبحت ضرورة ملحة و لا تحتمل أي تأخير .

و إذا كان اللجوء إلى القانون الدولي و المنظمات الدولية بخصوص إدانة المتسبب في انتشار فيروس كورونا ليس بالأمر الهين لعدة أسباب نذكر منها أن منظمة الصحة العالمية التي تعد ركيزة أي تدخل بشأن مسؤولية تفشي الوباء ، تتهمها الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تحابي دولة الصين ، ومن جهة اخرى فان الصين المتهمة بنشر الفيروس لها حضور قوي في أجهزة الأمم المتحدة خصوصا مجلس الأمن الذي تمتلك فيه حق الفيتو، وكلها أمور تجعل من أي معركة سياسية أو قانونية على المستوى الدولي معركة صعبة و طويلة ، و لكن لا مناص منها من أجل وضع حد لاستهتار بعض الدول العظمى التي تمتلك ناصية العلوم و التكنولوجية المتقدمة بحق باقي الشعوب في العيش في أمن وسلام ، و ثانيا لعدم إفساح المجال للولايات المتحدة الأمريكية لاستغلال هذا الوباء في تصفية حساباتها مع الصين ، فأغلب دول العالم متضررة من الوباء و عليها أن تتحد لتدافع عن نفسها فيما يخص معرفة المتسبب فيه ومطالبة المسؤول عن تفشيه بالتعويض عما لحقها من أضرار ، و قد لا تكون بالضرورة تعويضات ماديا و لكن على شكل اتفاقيات في المجال التجاري أو الصناعي أو التكنولوجي و غيره من المجالات ، لكن إفساح المجال للولايات المتحدة الأمريكية لاتخاذ هذا الوباء كوسيلة للابتزاز ، سيعيدنا الى أجواء الاستقطاب و الحرب الباردة التي قد لا تفيد البشرية في شي .

*باحث مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *