وجهة نظر

جائحة كورونا كموضوع للتفكير السوسيولوجي

1- السوسيولوجيا، بين الحذر المنهجي والخبرة الاجتماعية.

يعتقد العديد من الباحثين في حقل علم الاجتماع أن لحظة إخضاع جائحة كرورنا لمجهر التحليل السوسيولوجي لم تحن بعد، و بالتالي فإن أية قراءة لتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والقيمية و تمثلاتها على صعيد الفرد والجماعة ومختلف التفاعلات الاجتماعية المرتبطة بها وما بعدها، تبقي من باب فرضيات وأفكار أولية، ويرجع هذا الاعتقاد الى كون أن هاته الجائحة رغم الهزات القوية التي أحدثتها عالميا ومحليا ، فإن الوقائع الجارية غير كافية لبلورة مقاربة علمية تمتح من مناهج البحث السوسيولوجي والنظريات السوسيولوجية لتفكيك أبعادها وتأثيراتها حاضرا ومستقبلا، وبالتالي تشكيل براديغمات تسعف على تفسيرها و تجعل نتائج البحوث والدراسات قابلة للتعميم الى هذا الحد أوذاك، والمقاربة النظرية أو المقاربات النظرية ذات مصداقية.

إن توخي الموضوعية و “الحقيقة العلمية ” يستلزمان ضرورة إعمال المسافة الزمنية والابستيمولوجية .

لا شك أن هذا الاعتقاد لا يخلو من صوابية في سياق نوع من الحذر المنهجي الذي يستدعي التروي ومراقبة تحولات الظاهرة المدروسة قبل إحاطتها بالقراءة العلمية.

لكن هذا لا يمنع الباحثين السوسيولوجين أو غيرهم في حقل العلوم الإنسانية من ” التدخل ” وإنتاج القول السوسيولوجي حول الجائحة طالما أن مفعول هذا المخلوق المجهري والعدو غير المرئي ، قوي وبادي للناس في حياتهم اليومية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وعلى جميع المستويات الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والنفسية، وبالتالي فاليقظة المنهجية والمسافة الزمنية والمعرفية لا تعطي الحق للباحث السوسيولوجي الانتظار أو ترقب اكتمال ذروة الجائحة ثم اختفائها ليدلو بدلوه، أو ينتظر المناداة عليه للانخراط في مخطط “الحرب ” ضد الجائحة من موقع الخبرة الاجتماعية كما كان الحال بفرنسا، حيث لما صرح الرئيس الفرنسي ” ماكرون ” بأن التصدي لفيروس كورونا هو بمثابة حرب، كانت اللجنة العلمية المشكلة من طرف وزير الصحة والمكلفة بتدبير الجائحة بتاريخ 11 مارس 2020 تضم عالم الاجتماع  Daniel Benamouzigوعالمة الانتروبولوجيا Laëtitia Atlani-Duault ، وذلك بطلب من الرئيس الفرنسي قصد تسليط الضوء من وجهة علمية على قضايا عدة منها تنظيم الانتخابات البلدية ومستوى الحجر الصحي المطلوب تطبيقه في المجتمع الفرنسي بالإضافة الى إطلاق عدة مشاريع علمية متعددة يرتبط بعضها بحقل العلوم الإنسانية والاجتماعية تشتغل على جائحة كورونا من حيث تأثير تدفق المعلومات العلمية والطبية على الساكنة ومنصات التواصل الاجتماعي والتدبير المؤسساتي للجائحة (1).

إننا أمام التدخل السوسيولوجي كخبرة اجتماعية تحت الطلب ، عذا النوع من التدخل هو محط خلاف كبير بين علماء الاجتماع، ف ” السوسيولوجيا لا تستحق العناء إذا كان مطلوب منها أن تصبح خبرة معرفية موجهة للخبراء” (2)، وبالتالي من الصعب الحديث عن استقلالية الفعل السوسيولوجي الذي يتجاوز مواكبة ومصاحبة السياسات العمومية الى ممارسة السؤال والتشريح السوسيولوجيين على الفعل الاجتماعي على مستوى الدولة والمجتمع. ولو أن العديد من الباحثين ينظرون الى عدم إشراك علماء الاجتماع في خطط مواجهة الجائحة خاصة في بلدان العالم الثالث هو استمرا للتجاهل المؤسسساتي لدور السوسيولوجيا باعتبارها علم مزعج على حد تعبير عالم الاجتماع الفرنسي “بيير بورديو” من خلال قوله أنه إذا كنا نتوخى الدقة حول علمية السوسيولوجيا، فلأنها علم مزعج ” (3)

سنحاول في هذا المقال طرح بعض الأفكار الأولية والأسئلة المفتوحة على الاجتهاد النظري والبحث الميداني والتي قد تجعل من القراءة أو القراءات السوسيولوجية ممكنة وقابلة للتطوير والتجاوز.

2- كورونا و” رأسمالية الكوارث “.

في مواجهة جائحة كورونا ، يتحدث العديد من الفلاسفة عن أن جائحة كوفيد 19 المعروفة بكورونا قد فتحت للبشرية أفقا آخر للبحث عن نماذج سياسية وأنماط عيش جديدة تصالح الإنسان بالطبيعة وتبعده عن سلطة المال والاستهلاك والمراقبة المؤسساتية والرقمية وكل مخلفات رأسمالية الكوارث كما صاغت هذا المفهوم” الصحافية الكندية نعومي كلاين “في كتابها الأفضل مبيعا في العام 2007، والذي حمل عنوان ” عقيدة الصدمة : صعود رأسمالية الكوارث”،…ففي هذا الكتاب ترى كلاين أن برامج الخصصة وتخفيف الرقابة الحكومية أو إلغائها، والاستقطاعات العميقة في الإنفاق الاجتماعي غالبا ما تفرض بعد وقوع كوارث ضخمة، سواء كانت هذه الكوارث طبيعية أو من صنع الإنسان، حيث يحدث هذا كله قبل أن يتمكن ضحايا الحرب أو الكارثة الطبيعية من تجميع أنفسهم والمطالبة بما هو لهم ” (4)، ويعزز هذه الأطروحة أنصار الإيكولوجية باعتبار الجائحة جزء من استراتيجية مدروسة لتدمير البيئة ، فقد أعلنت أمريكا في مطلع فيفري/شباط 2020 عن عزمها التخفيض من مساهمتها في ميزانيّة المنظّمة العالميّة للصّحّة بنسبة%53.” (5) وها نحن نشهد قرار الرئيس الأمريكي” ترامب ” القاضي بتوقيف الدعم المالي لمنظمة الصحة العالمية بدعوى  إجراء مراجعة لتقييم دورها في سوء الإدارة الشديد والتعتيم على تفشي فيروس كورونا.

على ضوء ما سبق، يمكن الجزم أن الجائحة المزعجة ، قد تمكنت على المستوى الابستيمولوجي من خلخلة العديد من المفاهيم والبراديغمات التي ارتبطت بنظام العولمة والليبرالية المتوحشة وتقديس قوانين السوق وتسليع الخدمات وتكريس دمقراطية تمثيلية وصلت الى نهايتها والدفاع عن الحداثة في ظل النظام الرأسمالي باعتباره أرقى درجات تطور البشرية والمجتمعات الإنسانية وعند بابه تتوقف عجلة التاريخ أو نهاية التاريخ على حد قول فرانسيس فوكوياما، لكن ” خبرنا فيروس كورونا بقوة أن البشرية كلها يجب أن تبحث عن مسار جديد يتخلى عن العقيدة النيوليبرالية من أجل سياسة مضادة للأزمة، اجتماعية وبيئية. إن المسار الجديد سيحمي ويعزز الخدمات العامة مثل المستشفيات التي عانت من تخفيضات مجنونة في أوروبا لسنوات. سوف يصحح المسار الجديد لآثار العولمة من خلال إنشاء مناطق متحررة من العولمة (démondialisées) من شأنها حماية استقلالات ذاتية أساسية” (6) ، لكن سرعان ما انهارت هذه البراديغمات كالخدمة العمومية، الحكامة، العدالة الاجتماعية و تكافؤ الفرص…الخ، على مستوى إحدى أهم القطاعات الحيوية لحماية صحة ووجود الإنسان ألا وهي المنظومة الصحية باعتبارها مجال حقيقي وحيوي لصراع طبقي محتد أصبحت فيه الخدمة الصحية متاحة لمن يؤدي أكثر في ظل رفع الدولة ليدها عن هذا المرفق وتحويله الى سوق حقيقية لخواص هاجسهم الأول هو الربح، أصبح نصف العالم محجورا حماية لحياته في ظل العجز المهول للمستشفيات على مستوى الطاقة الاستيعابية والموارد البشرية الطبية والشبه الطبية، وتحولت السياسة العلاجية الى سياسة انتقائية في سياق ما يعرف بمناعة الجميع. ” في الحقيقة، هناك غياب الفاعلين، وغياب المعنى، وغياب الأفكار، بل حتى الاهتمام؛ ما يبدو واضحا الآن هو تفضيل الفيروس (كورونا) استهداف كبار السن. كما ليس لدينا إلى حدود الساعة علاج ولا لقاح، ليس لدينا أي سلاح، أيادينا فارغة، نحن محبوسون ومنعزلون.. مهجورون يجب علينا ألا نتصل ببعضنا البعض، وفوق هذا وذاك يجب أن نلزم البيت (7).

إن حالة الحجر الصحي لما تتحول الى جواب على أزمة المنظومة الصحية في العالم ” المتقدم ” والتي أصبحت محكومة بمنطق التسليع والربح، قد تمتد مفاعيلها الى مستويات أعمق مرتبطة بقيم وسلوكات وردود أفعال المجتمع وعلاقة أفراده ببعضهم البعض وبذواتهم وبالزمن حيث غريزة البقاء والتعلق بالحياة يسموان على كل المعتقدات الأخرى و يصبح الرهان أولا على العلم ، وثانيا على التعاضد الجماعي والتضامن خاصة وأن الشيئي المزعج الذي أوضحه الوباء، هو أن حالة الطوارئ، التي اعتادت عليها الحكومات لبعض الوقت، أصبحت بالفعل الحالة الطبيعية. في الماضي كانت هناك أوبئة أكثر خطورة، ولكن لم يخطر ببال أحد أن تعلن حالة الطوارئ لهذا السبب مثل الحالة الراهنة، والتي تمنعنا حتى من التحرك. ” (8) نصف الكرة الأرضية معزول عن أقربائه، عن محيطه، بقدر ما تغيرات تقاليد وطقوس الحياة اليومية حيث عودة مفهوم الأسرة، مواكبة الأبناء قيد التمدرس عن بعد، تصالح الرجل مع المطبخ، مع الغسيل، البستنة، الرياضة المنزلية، القراءة بالنسبة للطبقة المتوسطة…تغيرت أيضا طقوس الموت حيث يرحل أحبائنا دون توديعهم في مراسيم جنائزية مهيبة، ودون أن تكون لنا القدرة على نقل الجثث من مكان الوفاة الى المقبرة، من مدينة الى أخرى داخل نفس البلد، من بلد الى آخر كما كان يحصل قبل المرحلة الوبائية…الموت مع جائحة كورونا أصبح طقسا يوميا ليس له الوقت الكافي للترحم والتوديع…

إن العلاقة بالزمن لم تعد كما كانت سابقا، الحديث عن الزمن الاجتماعي الذي يحلق عاليا هنا وهناك، الزمن السياسي المرتبط بأجندات معينة يقع فيها الاستقطاب والاستقطاب المضاد وصراع المشاريع السياسية، الزمن الاقتصادي الذي تأثثه السياسات العمومية وقوانين المالية ومشاريع الاستثمار والتشغيل وتدبير الموارد والصراع حول عدالة توزيع الثروة اجتماعيا ومجاليا، الزمن الثقافي الذي كان يعج بالحياة من خلال المهرجانات والأمسيات السينمائية والمسرحية والشعرية والتشكيلية وتوقيع الكتب وعقد الندوات ومسائلة حضور المثقف واستقلاليته وعلاقته بسلطة التمويل المادي والرمزي…كل الأزمنة توقفت إلا زمن كورونا…لازمن يعلو فوق زمن كورونا…كل الأزمنة أصبحت افتراضية ارتباطا بتحول الفضاء العمومي الى فضاء افتراضي..” لقد تسبب وقوع الوباء في توقف الأزمنة العادية: الزمن المدرسي، زمن العمل، زمن التسلية…الحجر الصحي فرض العيش في الزمن الحاضر الذي يجب تنظيمه وتملكه…حيث نصائح كثيرة صادرة عن القنوات الإعلامية من أجل تنظيم استعمال الزمن، تنويع الأنشطة، باختصار إعادة بناء الزمن الاجتماعي. هذا الشكل من الحضور مفروض علينا طالما أن الأغلب منا مرتبط بشبكة الانترنيت عن طريق اللوحات الالكترونية، الهواتف وأدوات أخرى مما يتيح لنا أن ” نلتقي ” بالآخرين و” الذهاب الى كل مكان”. لكن كل هذا الحضور يتمحور حول مستقبل المرض ” (9)
لم تتضح رأسمالية الكوارث كرأسمالية مفترسة فقط على مستوى علاقة المركز بالمحيط أو الهامش كما يقول سمير أمين حيث استمرار الحصار الأمريكي على إيران وهي في أوج المواجهة مع جائحة كورونا، بل أيضا على صعيد علاقة المركز بالمركز والتي جسدتها بعض المشاهد المؤلمة في إيطاليا مهد الحضارة والفن والثقافة والرياضة والعشق الصوفي للحياة، تحولت الى بؤرة وبائية وسط أوربا، فوجدت نفسها يتيمة أمام الجيران وأصدقاء الحضارة والتاريخ، فلم يجد الشعب الإيطالي كعادته غير الانتصار للحياة ” العارية ” كما يسميها الفيلسوف الإيطالي “جورجيو أغامبين ” بقوله أن ” الخوف هو مستشار سيء، لكنه يجلب الكثير من الأشياء التي لا ترغب برؤيتها. المشكلة ليست في إبداء الرأي حول خطورة المرض، بل في التشكيك في العواقب الأخلاقية والسياسية للوباء. أول شيء تظهره موجة الذعر التي شلت البلد بوضوح هو أن مجتمعنا يؤمن فقط بالحياة العارية. (La vie nue) من الواضح أن الإيطاليين على استعداد للتضحية عمليًا بكل شيء -ظروف المعيشة الطبيعية والعلاقات الاجتماعية والعمل وحتى الصداقات والأمراض والمعتقدات الدينية والسياسية – على أن يقعوا في خطر الإصابة بالمرض.” (10). وهكذا كان التعبير الشعبي الأنسب عن الانتصار للحياة العارية هو إنشاد النساء الإيطاليات من شرفات منازلهن أغنية الأخوة والتضامن (إخوة إيطاليا Fratelli d’Italia ) كشكل من أشكال التشبث بالأمل والحياة واستنكار أنانية ولامبالاة ذوي القربى على حد قول الشاعر طرفة بن العبد في معلقته : وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند .

يعلمنا تاريخ الأوبئة أن هاته الأخيرة بقدرما كانت وبالا على البشرية أدت ثمنه غاليا، بقدرما كانت من الشروط الموضوعية لإحداث القطيعة مع النماذج القديمة وولادة أنظمة جديدة. وفي هذا الإطار يتحدث العديد من المفكرين عن الارتباط الجدلي والعضوي بين الوباء الفتاك والقطيعة التاريخية ومن ضمنهم المؤرخ النمساوي ” Walter Scheidel الذي يقول ” أن أكبر التغييرات الكبرى كانت محصلة لصدمات قاسية جدا ، أربعة أنماط من القطائع العنيفة قادرة على الحد من أوجه اللامساواة : الحرب لما تقترن بالتعبئة الجماهيرية، الثورات، إفلاس الدول والأوبئة القاتلة ” (11)

ألا يعني هذا أن جائحة كوفيد 19 مرشحة لزعزعة المنطق الذي سيتحكم مستقبلا في التحالفات والتكتلات الدولية خاصة مع الحضور الوازن للصين من خلال تدبيرها “الناجح ” للجائحة والانهيار المحتمل للاتحاد الأوروبي الذي بدأت معالمه في التخلي عن إيطاليا وهي تواجه الحصاد القاتل للفيروس فلجأت الى طلب الدعم من الصين وكوبا وكوريا ثم القرصنة الدولية للمعدات والمستلزمات الطبية كأن الأنظمة السياسية الكبرى وفي مقدمتها أمريكا، تحمي نفسها تحت شعار ” أنا ومن بعدي الطوفان “.؟. فهل سوف تشهد الجائحة على ولادة علاقة غير متكافئة بين المركز والأطراف في قلب المركز الرأسمالي وبالتالي نجد أنفسنا وجه لوجه مع جنوب أوربي ” ثالث” وآخر متقدم في الشمال خاصة بعد التجربة المتفوقة لألمانيا في مواجهة كورونا؟ الى أي حد سيكون عالم مابعد الجائحة قائما على تحالفات وتكتلات تحكمها قيم التضامن والتعاون التي ضربتها ” رأسمالية الكوارث ” والعولمة الليبرالية المتوحشة عرض الحائط؟ أم أن هذه الأخيرة قادرة على تجاوز أزمتها من خلال أسلحتها الاستراتيجية على المستوى الاقتصادي والنقدي والحرب البكتيرية وصياغة تحالفت جديدة يحكمها منطق توازن القوة والمصلحة وإغراق دول “العالم الثالث ” في أزمة التبعية والمديونية طالما أن دول الجنوب ستؤدي فاتورة الجائحة بتكلفة أكثر في ظل موقعها الضعيف على المستوى الدولي وهشاشة منظوماتها الصحية والتربوية وقلة مواردها وفي ظل أيضا هامشية الحركات المناهضة للرأسمالية وانخراط جزء كبير منها في الدفاع عن القيم الليبرالية والتخلي عن الأفق الاشتراكي باعتباره “أفقا ميثولويجيا” غير قابل للتحقق خاصة بعد سقوط جدار برلين خلال بداية التسعينات؟.

3- جائحة كورونا في المغرب ، بين الدولة والمجتمع :

إن دخول الحالة الاولى لفيروس كورونا الى المغرب مند 2 مارس 2020 والقادمة من إيطاليا لم يكن مثيرا للقلق والاستنفار سواء من قبل الدولة أو المجتمع . ظل هذا الموقف غير المكترث سائدا مع البوادر الأولى لانتشار الجائحة حيث اعتبرها رئيس الحكومة مجرد أنفلونزا، وانقسم المجتمع بين اللامبالاة أو السخرية أو تتبع ما يجري خارج البلد خاصة في مدينة ووهان بالصين. لكن بعد تسجيل تطور خريطة المصابين تسارعت الإجراءات الاحترازية من قبل الدولة من قبيل إغلاق المجال الجوي والبحري، إجراء المباريات الرياضية بدون جمهور ثم توقيفها كلية، توقيف الدراسة، إلغاء الملتقيات الفنية والمنتديات والمؤتمرات، منع التجمعات، إغلاق المساجد والمقاهي والمطاعم، خلق صندوق تدبير الجائحة وتمويله عن طريق مساهمات المؤسسات العمومية والمنتخبة والخواص والأشخاص الذاتيين، فرض حالة الطوارئ الصحية ميدانيا قبل التنصيص عليها تشريعيا وتشكيل لجنة اليقظة الاقتصادية وسن تدابير المساعدة الاجتماعية للفئات المتوقفة عن العمل في القطاع المهيكل وغير المهيكل وللمقاولات الصغرى والمتوسطة، ثم فرض ارتداء الكمامات الواقية وتسريع إنتاجها محليا وكذلك بناء مستشفيات ميدانية بالاستعانة بالجيش والطب العسكري وتوسيع خريطة المراكز الاستشفائية بالجهات لإجراء الاختبارات..

فماهي الملاحظات التي يمكن تسجيلها حول تنزيل هذه الاستراتيجية في ” الحرب ” ضد كورونا و التي تم تدبيرها مؤسساتيا بشكل مزدوج من طرف وزارة الصحة عبر المخطط الوطني لمواجهة الجائحة ، ووزارة المالية من خلال لجنة اليقظة الاقتصادية، وظل الفاعل الميداني المركزي والمرئي هو وزراة الداخلية وزارة الصحة؟
تثمين الاستراتيجية الوقائية والإقرار الرسمي بعجز المنظومة الصحية

لقد حصل شبه إجماع وسط أغلب الفئات و النخب حتى المعارضة منها على أن استراتيجية الدولة في مواجهة كوفيد 19 المعروف بكورورنا، بمختلف مكوناتها ومراحلها كانت استباقية وناجعة وتتماشى مع إمكانيات البلد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وبشكل خاص على المستوى الصحي الذي كانت أزمته قائمة فقط أن الجائحة كانت بمثابة الشرارة التي أماطت اللثام عن تلك الأزمة، وبالتالي لم يعد خافيا أو مزعجا أن تعلو الأصوات الداعية الى محاكمة النماذج التنموية والسياسات العمومية السابقة في مجالات الصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ككل، حيث عملت السياسات العمومية السابقة على إفراغ المدرسة العمومية من مضامينها العقلانية وعدم تشجيع البحث العلمي وتدمير المستشفى العمومي الذي انتقل من مؤسسة عمومية الى مستشفى مقاولة (Hôpital entreprise) في ظل زحف المصحات الخاصة وتحول المواطن من كونه له الحق في العلاج الى زبون يتلقى العلاجات حسب قدراته المالية وحظوته الرمزية وذلك من خلال خوصصة الخدمات الصحية وتردي ظروف اشتغال الأطقم الصحية وتواضع الحوافز المادية والمعنوية، وهذا ما يفسر حقيقة اسباب الهجرة الجماعية للأطر والكفاءات من أطباء ومهندسين نحو الخارج والذين أصبح عدد منهم ضمن نساء ورجال الصحة من يتصدر معركة التصدي للفيروس في العديد من البلدان الغربية. كما أن سنة 2019 بالمغرب كانت سنة الاحتجاجات القوية للفئات الصحية من أطباء وممرضين وطلبة كليات الطب وكذلك استقالة العديد من الأطباء من القطاع العام…وفي ظل كشف الجائحة لمحدودية المنظومة الصحية والضرورة القصوى لمباشرة إجراءات استعجالية من طرف الدولة لاستدراك الخصاص، تذكر الكثيرون على مستوى منصات التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي المرافعات القوية داخل البرلمان الداعية الى تمويل أكثر للمنظومة الصحية وتجويد خدماتها وخاصة من طرف برلماني فدرالية اليسار الديمقراطي في سياق دفاعهم عن الزيادة في ميزانية وزارة الصحة، و ضرورة إقرار ضريبة على الثروة لدعم التعليم والصحة وترسيخ العدالة الضريبية وتجريم الإثراء غير المشروع. وهي مقترحات لقيت الرفض والتصدي من طرف أغلبية البرلمانيين والبرلمانيات.

من هنا، وفي ظل الرهان المجتمعي على التدبير الناجح لمعركة التصدي للجائحة، وحديث النخب الرسمية والمعارضة على أن مستقبل المغرب ما بعد الجائحة، ينبغي صناعته الآن في قلب المعركة ضدها، يظل السؤال المؤرق هو : الى أي حد قد تشكل تداعيات الجائحة مؤشرا على الاعتراف الرسمي بفشل الاختيارات السابقة، وبالتالي درسا بليغا للقطع مع السياسات الليبرالية المتوحشة القائمة على خوصصة القطاعات الاستراتيجية وتسليع الخدمات الاجتماعية خاصة الصحة والتعليم؟ .

الجائحة بين العلم والدين

كيف كانت طبيعة القبول الاجتماعي للجائحة؟ كيف تمثلها الفرد ككائن اجتماعي؟، كيف تأرجح هذا القبول والتمثل بين منطق علمي يبحث عن تفسير منطقي ومعقول لها من حيث الأسباب وطريقة المواجهة، ومنطق ديني لجأ الى “التجنيد الإجباري ” للجائحة واعتبارها جند من جنود الله كما جاء على لسان الامين العام لجماعة العدل والاحسان بقوله أن الجائحة ” سلطها الله على عباده لعقابهم على أعمالهم وكي يرجعوا عن غيهم فهي جند من جنود الله يسخرها الله سبحانه تعالى عز وجل ليؤدب بها الإنسان ليرجع إلى مولاه ” (12)؟، وكذلك مسيرات جماعية للتهليل والتكبير والدعاء الجماعي من أجل إبعاد فيروس كورونا؟، وهي مسيرات ليلية نظمتها بعض الجماعات السلفية في بعض المدن المغربية التي تنتعش فيها خاصة فاس وطنجة، مرددين أدعية دينية سيما بعد إغلاق المساجد وإعلان حالة الطوارئ الصحية معتقدين أنها مؤامرة ضد الدين. وقد أثارت هذه المسيرات استنكارا واسعا حتى من داخل أوساط رجال الدين أنفسهم. ويؤكد الدكتور ” في علم الاجتماع ” إدريس الصنهاجي ” أن الفئات التي نزلت الى الشوارع في بعض المدن بخلفية دينية هي ضحية للسياسات الرسمية للدولة المغربية التي استثمرت في الجهل والفقر منذ أزيد من خمسين سنة، لكن هذا لا يبرر سلوكها باعتباره سلوك مدان يعرض حياة الناس للخطر “(13)، وفي نفس النازلة يقول الباحث السوسيولوجي الدكتور “نورالدين الزاهي ”  التكبير والتهليل والصلوات والأدعية حق فردي، لكن التحريض بها على الموت الفردي والجماعي جرم أخلاقي.(14)

إن النظام المغربي كان في مراحل سابقة ولازال، يستثمر في الدين كمصدر من مصادر الشرعية ويوظف تيارات “الإسلام السياسي ” في ضرب اليسار ورموزه بدء من توريط الشبيبة الإسلامية في اغتيال القائد النقابي والسياسي عمر بن جلون سنة 1975 والهجوم على الجامعة المغربية التي شكلت مصدرا حقيقيا لإزعاج النظام، وذلك لاستئصال الفصائل التقدمية واليسارية من الحرم الجامعي، ثم الاستعانة بحزب العدالة والتنمية لتجاوز لحظة “الربيع الديمقراطي ” بأقل تكلفة. والآن نشهد على تصديه لجزء من حركة الإسلام السياسي خاصة بعض الجماعات السلفية التي كانت وراء مسيرات التهليل والتكبير حيث تمت محاكمة أحد الدعاة السلفيين المتطرفين المسمى ” ابو النعيم ” الذي قال في شريط فيدويو أنه يشكك في وجود الوباء أصلا معتبرا إغلاق المساجد فضيحة وأن المغرب ارتد عن الإسلام. ولا بد هنا من استحضار أنه الى تاريخ قريب كانت هذه الجماعات تقود حملات التكفير ضد مثقفين متنورين وقادة سياسيين ” علمانيين” وكذلك تم توظيفها و تعبئتها بشكل قوي لإجهاض حراك 20 فبراير سنة 2011.

على ضوء التدافع الملحوظ بين المنطق العلمي والمنطق الديني في العلاقة بالجائحة، هل ستشكل الجائحة التي بينت ” تواري رجال الدين لصالح العلم ” ( 15 ) محفزا على التأسيس لعلاقة مغايرة بالدين تتأسس على أولوية العلم في التفسير والتحليل والتخطيط من خلال الرفع من ميزانية البحث العلمي وتشجيع مختبرات البحث وعلمنة المدرسة العمومية، وبالتالي دفع الدين نحو الفضاء الخاص كحرية شخصية مرتبطة بالحق في المعتقد والتفكير والضمير من الواجب ضمانها؟ ألا تشكل واقعة إغلاق المساجد والتي أثارت فقط امتعاض واحتجاج البعض من النخب والجماعات الدينية الأيدولوجية والمتمذهبة والتي فشل رهانها على خلق فتنة مجتمعية، مؤشرا دالا على عدم مصداقية النظرة الى المجتمع المغربي باعتباره تخترقه النزعة المحافظة بشكل عميق وشامل؟ أو ما عبر ” محمد الناجي ” عن الشعور العلماني الكامن قائلا : ” من الأشياء التي أثرت في مثلا إغلاق المساجد، رغم أنه كان للضرورة ، ولكنه كان شيئا أساسي بحكم أن المجتمع المغربي منفتح وفيه نوع من ما أسميه ” بالشعور العلماني الكامن “، فهو موجود في العيش اليومي حتى وإن لم يتحدث عنه أحد، فهو لا يقول “أنا علماني ” ولكنه في واقعه يفعل أشياء تسير في هذا الاتجاه” (16)

الحجر الصحي، بين الهامش الممانع والمقاربة الاجتماعية والأمنية للدولة

منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية من 20 مارس الى 20 أبريل 2020 ثم تمديدها الى 20 ماي، شكلت سياسة الحجر الصحي اللحظة المركزية في الخطة الرسمية لمواجهة جائحة كرورنا…كيف تعامل المغاربة مع سياسة الحجر الصحي؟ ؟ الى أي حد مارسوها؟ ماهي طبيعة تدبير الدولة لحالة الطوارئ الصحية؟ كيف تحول ” الهامش ” الى مصدر قلق للدولة والطبقة البورجوازية والشرائح العليا من الطبقة المتوسطة؟”

من الواضح أن الأغلبية الساحقة من المجتمع تفاعلت بشكل إيجابي مع مخطط الدولة لمواجهة الجائحة، فقد أبانت نتائج بحث مشترك بين يومية “ليكونوميست” و”سونيرجيا” أنجز بواسطة الأنترنيت، أن 88 في المائة من المغاربة، في المتوسط، يؤيدون تدابير الحجر الصحي، ويعتبرون أنها اتخذت في الوقت المناسب ” (17)، ومن تجليات هذا التأييد، تدفق قيم التضامن والتعاضد وحملات واسعة لحث الناس على التزام التدابير الوقائية ومنها العزلة الصحية بالمنازل تحت شعار ” بقا في دارك….كعد في دارك…تحمي نفسك وعائلتك وبلدك.”، ” بقا في دارك وحس بغيرك..”. وهي حملات نشطها بشكل مشترك وبدون تنسيق كل من رواد منصات التواصل الاجتماعي من خلال التدوينات والفيديوهات و”الهاشتاغ ” (Le Hashtag )، والقنوات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية وجمعيات غير حكومية ورجال ونساء السلطة المحلية عبر الجولان بين الدروب والازقة والأسواق حيث نزلت قوات الأمن ومدرعات الجيش والسلطات العمومية إلى الشارع من أجل بث الاطمئنان وإبراز القوة. وقد استخدمت السلطات أبواق المساجد ومكبرات الصوت في الشارع واستعانت حتى بالـ “برّاح” (المُنادي)، أملا منهم في إقناع من لم يقتنع بعد بالتزام منزله، مع تكييف الخطاب بحسب المناطق واللهجات المتكلمة.

إن التعبير الرسمي الأبرز عن استثنائية اللحظة وأخطارها المحدقة، هو ما قاله وزير الداخلية خلال اجتماع للجنة الداخلية بمجلس النواب يوم الاثنين 23 مارس 2020 : “نحن في مركب واحد، إما أن ننجو جميعا أو نغرق جميعا، ولكن بفضل جهود الجميع سننجو”. :داعيا المغاربة الى وضع الثقة في إجراءات السلطة والتعاون معها، على الأقل بالجلوس في منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة..

لكن رغم التعبئة الشاملة لتدبير كل ما من شأنه الإخلال بحالة الطوارئ الصحية، إلا أنه وقعت انفلاتات عديدة ظلت تتوسع يوم بعد يوم وتكثفت المقاربة الأمنية والملاحقات القضائية تفعيلا للمقتضيات الزجرية التي جاء بها المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، حيث ذكر بلاغ لرئاسة النيابة العامة ” أن عدد الأشخاص موضوع متابعات قضائية الى حدود يوم الخميس 23 أبريل 2020 ، بلغ حوالي 35 ألفا و561 شخصا قاموا بخرق حالة الطوارئ الصحية، من بينهم 1994 شخصا من أجل عدم ارتداء الكمامة الواقية بنسبة 15% ، ويمكن تفسير هذه النسبة الأخيرة المرشحة للارتفاع، من جهة أولى بصعوبة التطبيع الاجتماعي مع تكميم الوجه كشكل من أشكال مقاومة إكراهات حالة الطوارئ الصحية والتدابير الوقائية كالمسافة الاجتماعية الآمنة والتباعد الجسدي، ومن جهة ثانية نظرا لمفارقات الخطاب الرسمي الذي ظل يتحدث عن إنتاج كمية هائلة من الكمامات بشكل يتجاوز طلب السوق الاجتماعية ، لكن احتجاجات قوية وسط المجتمع عبر عنها المواطنون في منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام جراء افتقادها بمحلات البيع مما أثار الاستغراب حول فرضية احتكارها واختفائها واصبح الحديث رائجا حول “الكمامة الشبح ” و أن “الكمامة موجودة بوفرة في التلفزة المغربية ” وذلك تعبيرا عن السخرية من حديث الإعلام الرسمي والكلام المتكرر لوزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي حول قدرة المغرب على إنتاج ستة مليون كمامة يوميا، وقد اعترف هذا الاخير بسوء التدبير الذي اعترى عملية توزيع الكمامات حول نقط بيعها في البلاد.”

حقيقة أن الإحاطة بدلالات هذه المعطيات ومعاني هذه التصرفات المتمردة تستوجب بالدرجة الأولى استقراء المعنى الذي يضفيه الموقوفين على “عدم انضباطهم “، ذلك لأنه كما يقول “ماكس فيبر ” ” الفاعل الاجتماعي هو وحده القادر على إعطاء معنى لتصرفاته وسلوكاته التي يصدرها اتجاه الآخرين، ثم جعل هذه العلاقة مفهومة وواضحة ” (18)، لكن هذا لا يمنع من افتراض أن إحصائيات الموقوفين قضائيا بتهمة خرق الطوارئ الصحية، لا تحتاج الى قراءة تفكيكية للكشف عن الطبيعة السوسيولوجية للفئات الموقوفة. إنها الهامش المبعد، ” غير المرئي ” في السياسات العمومية للدولة، إنها الفئات الاجتماعية ضحية الاستبعاد الاجتماعي على مستوى المدرسة، الشغل، الصحة، السكن، الترفيه…وقد تتداخل في تفسير تمثلات هذا الهامش للعدوى وإدراكه للتدابير الوقائية كالحجر الصحي ومنع التجوال في الفضاء العمومي والتباعد الاجتماعي، جدلية الهشاشة و الإقصاء الاجتماعي والتأطير الديني المطمئن ” قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ” التوبة (51)، كما يد يكون ضحية تمثلات سلبية إزاءه كواقع سوسيولوجي وإزاء سلوكياته وردود أفعاله من طرف الكتلة الطبقية المهيمنة و التي تتمتع بالرأسمال الاجتماعي والرمزي الواسع من حيث الثروة، التعليم، السكن الواسع أو الفاخر، السياحة داخليا وخارجيا، وبالتالي ففي زمن الأوبئة غاليا ما يعاد إنتاج تهميش الهامش الذي يكون هو الضحية المؤهل لاستقبال ضربات القنبلة الوبائية.

من هنا، فمن الراجح أن بعض أشكال الممانعة المعلنة اجتماعيا ضد الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، هي بطريقة أو بأخرى، تعبير عن الغضب، عن فقدان الثقة في المؤسسات الرسمية محليا ومركزيا طالما أن ” مواطن الهامش ” عازف سياسيا وانتخابيا أو أنه يمارس لعبة التصويت والتعبئة كلما استدعي لذلك بمنطق المنفعة وتتحول علاقته بالسلطة المحلية الى علاقة زبون يقدم خدمات في مناسبات معينة، وبالتالي رغم “جاهزيته الانتخابية و البلطجية ” خلال فترات الانتخابات أو الحراكات الاجتماعية، فهو يعي جيدا أنه غير حاضر في البرامج الاقتصادية والاجتماعية لدولة تطلب منه الآن أن يمكث في منزله حماية لصحته وصحة أسرته وبلاده وهو المحروم من الحماية الاجتماعية؟ كيف يمكنه أن ينعزل في بيت يتطلع دوما الى الانفكاك من عقاله وعقال أفواه جائعة، بحثا عن لقمة العيش؟ بيت تأويه أسرة ممتدة ظلت تتوالد لعل وعسى يكون النسل مصدرا للرزق والنجاة من براثن الفقر والحاجة؟…تتحدث الإحصائيات الرسمية في المغرب عن حوالي أربعة ملايين يقطنون في سكن غير لائق وحاط بالكرامة، وحوالي مليون مغربي ومغربية يتقاسمون غرفة واحدة. هذا ناهيك عن اتساع خريطة الفقر والفقراء حيث تشير تقارير المندوبية السامية للتخطيط عن وجود أزيد من أربع ملايين فقير في المغرب والتي كان من المنتظر تحيينها وضبطها في إطار استعداد الحكومة لإنجاز مشروع أطلق عليه “السجل الاجتماعي” من أجل تفعيل برنامج الدعم والحماية الاجتماعية.

أمام تأخر إنجاز هذا “السجل الاجتماعي ” الموجه للفئات الهشة أو الفقيرة، اصطدمت أليات الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة بمعايير وطرق تدبيرها حيث فطنت الدولة المغربية الى أنه لا يمكن ضمان تدبير أمثل لحالة الطوارئ الصحية وسياسة الحجر الصحي دون تقديم إعانات مالية للفئات ضحايا الاقصاء الاجتماعي، العاطلون، العاملون في القطاع المهيكل و غير المهيكل، المزاولون للمهن الهشة أو ما يسمى بالعالم الرابع، لكن رغم محاولات توسيع خريطة المستفيدين اعتمادا على معيار التسجيل في نظام المساعدة الطبية (RAMED) والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والعاملين في القطاع غير المهيكل، ظل الدعم محدودا من حيث قيمته المالية بالنظر الى حدة التفاوتات الطبقية وقوة الطلب الاجتماعي وهيمنة الأسرة الممتدة داخل أوساط الهامش. وقد كان التخفيف من ضغوطات هذا الخصاص الاجتماعي المهول يتم عن طريق ثقافة التضامن الاسري خاصة من طرف الأقارب المقيمين بالخارج، لكن إغلاق قنوات السفر ودخول الجميع في العزلة الصحية ، حالا دون هذه الوسيلة التضامنية الهامة.

إن المقاومة الاجتماعية لسياسة الحجر الصحي ،هي بشكل من الأشكال تعبير عن دفاع الهامش عن نفسه وحماية لحقه في الوجود الاجتماعي، وهي ميكانيزمات لا تعني رفض الدولة أو القانون، بل إنها ذات أبعاد سوسيوثقافية وقيمية تعكس التشبث بالهوية الاجتماعية كهوية جماعية تضمن ” مرئية أفقية ” عبر تضامن تحتي في مقابل ” إبعاد عمودي ” يسعى الى إعادة بناء سريعة لفردانية لا تليق بمجتمع ما قبل رأسمالي على مستوى البنى الذهنية، ورأسمالي جدا على صعيد الاستهلاك والبحث عن الكماليات والانخراط في التكنولوجيات الحديثة.

أمام هذه الوقائع التي لا ترتفع، يبقى السؤال العريض هو : هل ” التسونامي ” الصحي والسوسيواقتصادي والقيمي لجائحة كورونا، سيحمل معه بوادر العدالة الاجتماعية بطريقة تقطع مع سياسات ” إغناء الغني وإفقار الفقير “؟

إن الجائحة لا تختار ضحاياها حسب الأصل الاجتماعي، لكن السياسة الاقتصادية الليبرالية المأزومة في مجال التنمية تجعل من العدد الأكبر من الضحايا هم ضحايا سابقون للتفاوتات الاجتماعية والمجالية وبالتالي تزداد معاناتهم في حالات الأوبئة والطوارئ.

أنشطة ” المابعد ” وسؤال الريع والعدالة الرقمية في المدرسة المغربية من تداعيات الجائحة، وفي إطار الاستراتيجية الوقائية منها، صدر قرار وقف الدراسة بشكل مؤقت وإفراغ المؤسسات التعليمية من المتمدرسين واعتماد التعليم عن بعد.

لا شك أنه من الصعب الحكم على النجاعة التربوية والمردودية التعلمية لهذه الآلية، لكن في ظل ضعف المواكبة الأسرية وغياب العدالة الرقمية كإحدى أوجه غياب العدالة الاجتماعية، لا يمكن تصور تحقيق الاستمرارية البيداغوجية و مبدأ تكافؤ الفرص التربوية بين من يملك موارد رقمية كالهاتف والحاسوب والقدرة على ولوج الانترنيت ومن يملك فقط هاتف من الطراز القديم أو ليس في متناوله صبيب الانترنيت أو لا يملك الحاسوب؟. إن لا تكافؤ الفرص التربوية هو انعكاس للاتكافؤ الفرص الاجتماعية.

إن الاختلالات التي كشفت عنها جائحة كورونا في المنظومة التعليمة لم تكن مفاجئة أو جديدة، فقط أنها أماطت اللثام عن عجز حقيقي في تدبير التعليم عن بعد بالنسبة للمتمدرسين المنحدرين من الأسر الفقيرة ومن الأوساط القروية، كما وضعت موضع مساءلة حقيقية مؤسسات التعليم الخاص حيث لجأت “رابطة أرباب مدارس التعليم الخاص” إلى مراسلة رئيس الحكومة فور إحداث صندوق تدبير ومواجهة تداعيات الجائحة الصحية والاجتماعية والاقتصادية للاستفادة من الصندوق مما أثار استياء عارما وانتقادات واسعة وسط المجتمع وعلى صعيد شبكات التواصل الاجتماعي، والأدهى من ذلك هو اتجاه غالبية تلك المؤسسات الى استخلاص الواجبات من الآباء خلال شهر مارس، وفي نفس الوقت دفع العاملين فيها الى ادعاء الطرد والتوجه الى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للاستفادة من الدعم الذي برمجته الدولة من خلال صندوق تدبير ومواجهة جائحة كورون..(19). ورغم إثارة هذه النازلة لغضب وزير الشغل والإدماج المهني خلال جلسة منعقدة بمجلس المستشارين، حيث استنكر بشدة ما أقدمت عليه عدة مقاولات خاصة وضمنها مؤسسات التعليم، من تحايل على القانون في الإدلاء للجهات المسؤولة بمعطيات كاذبة ومضللة في سبيل الحصول على دعم غير مستحق، مستعرضا أرقاما مروعة عن أعداد طلبات المستخدمين المنخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي، إلا أن مطلب “لوبي” التعليم الخاص لقي دعم حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، وقد فسر الكثيرون هذا الدعم باعتبار التعليم الخاص خزانا استثماريا وقاعدة سوسيولوجية خلفية للحزب.

أن المشاكل التي ظلت تعتري النظام التعليمي في المغرب على مستوى شروطه البيداغوجية ومردوديته التربوية ظلت مصدر قلق للأسر خاصة الفقيرة منها والمتوسطة رغم تعاقب الإصلاحات والمواثيق ورؤى الإصلاح، حيث ظلت المدرسة العمومية حقلا لاختبار مشاريع إصلاحية لم تعمل إلا فرز “جيش ” هائل من المعطلين وتكريس الطبقية و إذكاء الاحتجاجات الفئوية ضد نظام التعاقد وقانون الإطار الذي استهدف مجانية التعليم، فتوجهت معظم الاسر نحو التعليم الخاص، وتضاعف هذا القلق في زمن كورونا في ظل توجس نساء ورجال التعليم وخبراء التربية والتكوين من أن يكون التعليم عن بعد مصدرا حقيقيا لإعادة إنتاج طبقية التعليم ونخبويته.

ومن جانب آخر، فالمثير للانتباه هو في كيفية تفجير الجائحة لمغرب رقمي كامن حيث أصبحنا أمام شبه تعميم للرقمنة شمل علاقة الناس بالفضاء العمومي الخارجي، بالمدرسة، بالعمل، بحالة الحجر الصحي، بالتسوق، بل أعلنت وزارة الداخلية مؤخرا انها على تشتغل على مشروع للتدبير الرقمي للوباء والذي اعتمدته دول سابقة ونجحت فيه وعلى رأسها كوريا الجنوبية ثم الصين، سنغافورة وبريطانيا، ويقوم هذا المشروع على حل ” الديجيتال ” وبيانات الهواتف الذكية لأجل عزل المصابين بفيروس كورونا المستجد وتحقيق التباعد الاجتماعي استعدادا للمراحل الوبائية المقبلة التي سيعرفها المغرب (20).

المقاولة كبؤرة وبائية والنساء ضحايا حجر ثلاثي الأبعاد.

من الأكيد أن التدابير الاحترازية في مواجهة جائحة كورونا، كان لها تأثير قوي على الاقتصاد المغربي والنسيج المقاولاتي بشكل خاص، إذ لجأ جزء منه الى تقليص اليد العاملة وخاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة ولجأ الجزء الآخر الى العمل عن بعد (Téletravai) وخاصة المقاولات المهيكلة، فأصبحنا أمام 70000 مطرود من العمل ، وهنا من الضروري استحضار أن الاستراتيجية الوقائية التي تبنتها الدولة المغربية قد تكون ناجعة من الناحية الصحية في حماية الحياة تحت شعار ” الحياة ثم الاقتصاد ” أو ” الأرواح أولى من الاقتصاد “، لكن انعكاساتها السلبية حاضرا ومستقبلا ستظل قوية وممتدة حيث من المتوقع أن تنزل نسبة النمو في ظل” الحرب” على كورونا الى %1 في ظل تراجع الاقتصاد العالمي وتعرض القطاعات الاستراتيجية في البلاد لأضرارملحوظة وخاصة الاستثمارات الخارجية، السياحة وعائدات المغاربة المقيمين بالخارج سيما مع تداعيات الجائحة الطبيعة، أي الجفاف.

لكن المثير للملاحظة ونحن نتحدث عن الاقتصاد والمقاولة في زمن كورونا، هو الانتقال المجالي للجائحة حيث تحولت كوباء مستورد من خارج المغرب ثم الى حالة وبائية داخلية يتسارع انتشارها عن طريق وحدتين : الأسرة والمقاولة، فالعديد من الوقائع والمعطيات توضح انتشار العدوى وسط البؤر المهنية أي المراكز التجارية وبالأخص المقاولات كما حصل بالدار البيضاء، طنجة، العرائش وفاس…، مما طرح جملة من التساؤلات من قبيل : ماهي درجة احترام المقاولات في المغرب لمعايير السلامة الصحية قبل الجائحة وفي زمنها؟ الى أي حد تلتزم الوحدات الإنتاجية بقواعد الصحة والسلامة المنصوص عليها في مدونة الشغل من خلا لجنة الصحة والسلامة المهنية وطب الشغل وتفعيل مراقبة مفتشي الشغل؟ وهل إجراء الإغلاق هو الجواب الأنسب على هذا الواقع؟ ماهي انعكاسات الإغلاق على حياة المقاولة والعاملين والعاملات؟ وماهي طبيعة المساعدات التي يقدمها صندوق تدبير ومواجهة كورونا للمقاولات التي توقفت؟ والى أي حد بمقدور هذه الإعانات إنقاذ المقاولات من الكساد واليد العاملة من شبح العطالة ؟

إن ما ينبغي استحضاره في الحديث عن البؤر المهنية، هو أن أغلب ضحاياها نساء، تشكل النساء في زمن عولمة الليبرالية المتوحشة وعولمة الأوبئة ،أغلب الضحايا وفي نفس الوقت في مقدمة المواجهة مع كورونا كما يحصل في قطاع الصحة والتمريض والنظافة ،وكذلك ضحايا العنف الذكوري داخل الحجر الصحي الذي هن المسؤولات عن تدبيره وتوفير شروط آمنة للمقيمين فيه ومنهم الرجال المضطهدين (بكسر الطاء ) الذين ينتقمون من ظروف القهر الاجتماعي في الخارج على حساب نساء مناضلات داخل بيوت العزل فيتحول الحجر الى حجر مزدوج : حجر كورونا وحجر السلطة الذكورية، وقد عكست هذا الواقع المستجد الناتج عن الوباء المستجد كوفيد 19 ، العديد من تقارير المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية والتي دعت الدول الى اتخاذ اجراءات عاجلة لحماية هؤلاء النساء من مختلف أشكال وممارسات الاضطهاد المادي والمعنوي والجنسي طيلة مرحلة الحجر الصحي، وتسطير برامج استعجالية للمواكبة النفسية والاجتماعية للنساء ضحايا هذا العنف واللائي ينحدر معظمهن من أوساط اجتماعية هشة ، وعدد كبير منهم يشتغلن لإعالة أسرهم وبالتالي يجمعن بين العنف الاقتصادي والعنف الزوجي وعنف الجائحة.

4- جائحة كورونا كموضوع للتفكير السوسيولوجي

إن الدينامية المفتوحة لتأثيرات جائحة كورونا تحبل بالكثير من المؤشرات التي تجعل من الباحث في مجال العلوم الإنسانية وفي السوسيولوجيا بشكل خاص، قادرا الاشتغال على كورونا كموضوع للمقاربة السوسيولوجية، وبالنتيجة استشراف بعض الفرضيات المتعلقة بلحظة حدوث الوباء وانتشاره وكذلك لحظة بما بعد التغلب عليه وحيثيات تجاوز مخلفاته على المستوى السياسي والاقتصادي والسوسيوثقافي والقيمي، وهي فرضيات تحتاج الى مختبر الميدان للتحقق من صدقيتها، وذلك انطلاقا من العديد من الأسئلة المفتوحة التي قد تكون بمثابة الأرضية الإشكالية التي تقف فوقها، من قبيل :

كيف عاش المغاربة واقع الحجر الصحي؟ كيف كانت العلاقات الاجتماعية بين الأسر ككل، بين الأزواج والزوجات داخل البيوت؟ لماذا ازداد العنف القائم على النوع في هذه الفترة،؟ كيف أثرت طبيعة السكن وجودة الحياة بالمحاجر الصحية على العلاقة بين مكونات الأسرة، بين ساكنة الاحياء “العشوائية “، بين المجتمع والسلطة؟ كيف انعكست الفوارق الطبقية والمجالية على نوعية الحجر الصحي الدي تحول هو أيضا الى حجر طبقي في ظل جائحة لا تميز ضمن مستهدفيها بين البورجوازي والبروليتاري ولكن شروط مواجهتها تتحدد أساسا بالموقع الطبقي ودرجة الاستفادة من الخيرات المادية والرمزية ؟ كيف سيكون سلوك المغاربة بعد انتهاء فترة حالة الطوارئ والحجر الصحي؟ أية تغيرات يمكن أن تطال الروابط الاجتماعية القائمة على الحس الجماعي و الاحتكاك الجسدي عن طريق المصافحة والعناق وتبادل الزيارات وتنظيم الطقوس الجماعية في الأفراح والأتراح؟ أية ملامح جديدة قد تطرأ على علاقة المواطن بالفضاء العمومي الذي أصبح متخيلا رقميا وظل شبه مهجور طيلة فترة تفشي الفيروس، إلا من رجالات السلطة و”خوارج ” حالة الطوارئ الصحية ؟ لماذا يشكل زمن الأوبئة زمنا حيويا لعودة الخطاب الديني وإنتاج شيوخه وجماعاته لوصفات علاجية تتراوح بين إنكار الجائحة واعتبارها فقط عقابا إلهيا، وبين انتعاش ” الطب الشعبي ” المؤطر دينيا؟، كيف يمكن تفسير التدافع القوي بين الدين والعلم في تمثل وإدراك الجائحة وطرق التعامل معها ؟، أية علاقة يمكن صياغتها بين الدولة والمجتمع والنخب في مغرب ما بعد كورونا؟ من فقدان الثقة والحذر الى استعادة مفهوم الدولة لمشروعيته التي سترتبط بشكل أساسي بقدرة الدولة نفسها على قيادة البلاد الى بر الأمان بتكلفة أقل على المستوى الخسائر البشرية ولاقتصادية والاجتماعية وتوزيع الخدمات الاجتماعية بشكل عادل خاصة في الصحة والسكن والتعليم والشغل؟ وبالتالي هل ستقابل الدولة الانخراط الشبه مجتمعي في استراتيجيتها الوقائية على صعيد التدابير الصحية والإجراءات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية، بتدشين مرحلة أخرى من التدبير السياسي قوامه إرادة سياسية واضحة في القطع مع البنية المركزية للقرار السياسي في اتجاه استئناف حلقات الانتقال الديمقراطي التي كانت تتعطل في كل مرة وحين نتيجة تناقضات داخل الدولة والمجتمع وبينهما؟ أم أن هذه البنية المركزية والتي في حالة نجاعة تدبيرها لمرحلة الجائحة، ستكون بمثابة الدافع القوي لإعادة إنتاجها مستقبلا أي ما بعد كورونا وبالتالي استمرا ر” منطق حالة الطوارئ ” من حيث تعزيز آليات المراقبة واقعيا ورقميا والتي شكلت عنوانا للمرحلة السابقة الأمر الذي سوف يشكل تهديدا حقيقيا للحقوق والحريات وتكريس الطابع المخزني للدولة؟ …فهل ستكون جائحة عام 2020 شبيهة بالأحداث الإرهابية بتاريخ 16 ماي 2003 بالدار البيضاء؟، طبعا المقارنة غير جائزة نظرا لاختلاف السياق وطبيعة الخطر، لكن المنعطفين يشتركان في كونهما خطرا على الدولة والمجتمع ومواجهتهما استدعت التفافا شبه مجتمعي ونوعا من الإجماع الوطني كانت من نتائجه المفارقة أن تراجعت الحقوق والحريات في معمعان “الحرب ” من أجل جفيف منابع التهديد والخطر ؟
أخيرا وفي سياق ” البصيرة الابستيمولوجية ” لجائحة كورونا، أي الإحاطة المعرفية بأليات اشتغالها الداخلية والخارجية وديناميتها حاضرا ومستقبلا ، هل بإمكان هذه الإحاطة أن تؤدي الى تحولات ابستيموجية مدوية داخل حقل العلوم الإنسانية في المغرب بشكل عام وعلم الاجتماع خاصة، تجعل من حقل السوسيولوجيا ينفتح أكثر على قطاع الصحة لتعزيز بعض المساهمات الفردية القليلة والهامة ككتاب ” محمد عبابو” “سوسيولوجيا الصحة (مقاربات نظرية)” (21)، لتحقيق نوع من التراكم المعرفي والتجريبي ومن ثمة توسيع وتنويع أفق التفكير وإعادة بناء حقل البحث السوسيولوجي من سوسيولوجيا الطب الى سوسيولوجيا الصحة، فنشهد على الولادة المبكرة لسوسيولوجا الأوبئة؟ (Sociologie des pandémies) ؟.وتتصالح مرة أخرى السوسيولوجيا والتاريخ، على اعتبار أنه لا يمكن للسوسيولوجيا إلا أن تكون تاريخية….كل أسئلتها أسئلة تاريخية…وتاريخنا غني بالأوبئة التي تتشكل كبؤر قائمة الذات تنتظر بشغف التشخيص والتشريح السوسيوتاريخيين.

* باحث من المغرب

الهوامش :
(1) Coronavirus : qui sont les deux chercheurs en sciences sociales qui éclairent le gouverneme nt ? https://www.telerama.fr/ le 19 Mars 2020
(2) Pierre Bourdieu .Questions de Socilogie. Les éditions de minui. 1984. P : 7
(3) Pierre Bourdieu .Questions de Socilogie. Les éditions de minui. 1984. P : 19
(4) ” رأسمالية الكوارث. كيف تجني الحكومات والشركات العالمية أرباحا طائلة من ويلات الحروب ومصائب البشرية “. تأليف أنتوني لوينشتاين. ترجمة أحمد عبد الحميد. عالم المعرفة العدد 478. نونبر 2019. ص : 18

(5) ضــــــــدّ الأوبـــئـــــــــــة، الدفــــــاع على البيئــــــة. ســـونـــيــــــــا شـــــــــاه، لوموند ديبلوماتيك. مَارْس/آذار 2020

(6) حوار مع الفيلسوف الفرنسي “أدغار موران”. https://dabapress.com/ 21 Mars 2020

(7) حوار مع عالم الاجتماع الفرنسي الان تورين ترجمه الى العربية توفيق السليماني. العدد الأسبوعي السبت 4/ الأحد 5 أبريل 2020 لجريدة أخبار اليوم الورقية

(8) كورونا: حوارات الفلاسفة وأشياء أخرى. موقع www.cowwa.com

(9) Troubles dans le présentisme Entretien avec François Hartog. https://www.scienceshumaines.com/ LE 07/04/2020

(10) كورونا: حوارات الفلاسفة وأشياء أخرى. موقع www.cowwa.com

(11) PAR RENAUD LAMBERT ET PIERRE RIMBERT. « Jusqu’à la prochaine fin du monde ». Le monde diplomatique. N° 793- 67eannée. Avril 2020
(12) موقع لكم. 14 مترس 2020. https://lakome2.com/covid19/165022

(13) “كورونا والرابط الاجتماعي ” ندوة رقمية من تنظيم ماستر” سوسيولوجيا التحولات القروية والتنمية ” بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. الأربعاء 1 أبريل 2020.
(14)و(15) حوار مع جريدة الاتحاد الاشتراكي الرقمية. الخميس 9 أبريل 2020)
(16) تيلكيل عربي. عدد 47 من 10 إلى 16 ابريل 2020. Ar.telquel.ma/
(17) https://assabah.ma. Le 14 Avril 2020/
(18) ماكس فيبر. سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر. د. إكرام عدنني. منتدى المعارف. الطبعة الأولى 2013. ص: 32.
(19) يومية الصباح الرقمية. عدد الخميس 16 أبريل 2020.
(20) أنظر أخبار اليوم العدد 3166. الثلاثاء 14 أبريل 2020-
(21) “سوسيولوجيا الصحة (مقاربات نظرية)”. محمد عبابو . التاريخ والمطبعة….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *