وجهة نظر

دور الباحثين المغاربة في النقاش الدولي حول أزمة “كوفيد19”

طرح د.عبد الرحيم العلام سؤالا غاية في الأهمية، حول تدريس علم العلاقات الدولية في الدراسات الجامعية، وهل سيعرف تغيرا في المنهج وفي المحتوى على ضوء جائحة “كوفيد19″

هذا السؤال الذي طرح في ندوة مركز ” تكامل” حول (مستقبل العلاقات الدولية بعد الأزمة الوبائية) والتي شارك فيها نخبة من ألمع الباحثين المتخصصين المغاربة مثل د.سعيد الصديقي و د.ادريس لكريني، والمؤرخ والكاتب الملتزم ذ.علي الإدريسي.

أجده سؤالا ينطوي على نوع من الاستفزاز لدور الجامعة المغربية، والمتخصصين المغاربة، في النقاش الدولي حول المواضيع الكبرى التي تهم المجتمع الدولي، وحول تكريس آراء وتصورات النخب العلمية لدول الجنوب عموما.

ففي غالب الأحيان نجد أنفسنا أمام إطارات نظرية مستوردة، من مدارس تحليلية غربية أو أوروبية ونميز في الغالب بين مدرستين أساسيتين، المدرسة الأنجلوساكسونية، والمدرسة الفرنسية “الأوروبية”، وكلاهما تضع الدراسات الدولية في توجهات بيداغوجية مختلفة.

هذا التمييز وإن كان مسألة “توجيهية” إلا أنه ينطوي على صعوبات في تصنيف الباحثين المغاربة في التفاعل مع مختلف الجامعات الدولية، خصوصا تلك التي تتبنى النظرة الانجلوساكسونية، وهي الرائدة في واقع البحث العلمي على المستوى العالمي.

أعود إلى موضوع السؤال حول مناهج تدريس العلاقات الدولية، والذي لقي إجابات مستفيضة، طرح فيها كل من الزميلين لكريني والصديقي رأيهما، وخلاصاتهما التي أفضت إلى أنه لن يشهد تغييرا كبيرا على مستوى المنهج، وبالمقابل لابد وأن يتعرض في المرحلة الراهنة إلى تغيرات على مستوى المحتوى، والمحاور المرتبطة به.

وعموما، فالمعرفة الدولية في تطور مستمر، تفرضه وظيفة العلم، ووظيفة القانون، في تحليل الظواهر والتنظير بشأنها، وضبطها والسيطرة عليها وعلى تداعياتها، والعلاقات الدولية كعلم، كما المادة القانونية على المستوى الدولي تظل مستمرة في التطور، مادام مفهوم الدولة قائما، ومادام أشخاص القانون الدولي قائمون.

وأمام أهمية الأفكار الواردة في الندوة، يمكن أن نتساءل عن أهمية وقيمة الخبرة الوطنية المتراكمة للخبراء المغاربة، سواء العاملين في الجامعة المغربية، أو المتواجدين في إطارات جامعية دولية. هل تستفيد منهم الدولة في محاولة قراءة استشراف مستقبل التفاعل الدولي للمملكة.

وهو ما يحيل إلى تساؤل أكبر، حول الحصيلة التي يمكن أن نتحدث عنها بالنسبة لبلادنا في النقاش الدولي المحتدم حول العلاقات الدولية، وتطوير وتنمية القانون الدولي، خصوصا في هذه المرحلة، في زمن هذه الجائحة التي يتألق فيها المتخصصون في دول الشمال، ويبسطون أفكارهم وتصوراتهم، وهم على يقين أن الجهات المعنية بصنع القرار، والجهات الحكومية المعنية تهتم بها وبما تخلص إليه، ومن ورائهم آلة إعلامية متخصصة تقوم بنشرها على أوسع نطاق، وتعطيها المكانة اللآئقة بها، شأنها شأن المجالات العلمية والمعرفية الأخرى، ما يمكنها من أن تشكل مصدرا لبناء سياسات جديدة داخل دولها ولمصلحتها.

فإذا كانت هيئة الأمم المتحدة من خلال ميثاقها والأنظمة الأساسية لمختلف أجهزتها تتحدث عن مشاركة دولية واسعة في مخراجاتها القانونية المؤطرة للعمل الدولي، أي أنها تعتمد وتستوعب آراء الكتاب المتخصصين من مختلف الدول ومختلف الثقافات والحضارات، والخلفيات الفكرية، والمدارس الفقهية على المستوى الدولي عند وضع المبادئ الضابطة للعمل والممارسة الدوليتين، أو عند صنع وإنتاج القاعدة القانونية الدولية.

وهو أمر غير صحيح من الناحية العملية، فجل الدول التي تشبهنا لم تكن مثلا جزء من وضع ميثاق هيئة الأمم المتحدة، أو الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، أو غيرهما من الوثائق والقوانين المؤسسة، بحيث أن جل هذه الدول كانت تحت هيمنة الاستعمار أو الحماية التي مثلتها الحركة الإمبريالية حينئذ. وبالتالي فهي معنية بإطار قانوني ومبدئي عام لم تشارك في صناعته.

مما سبق، يبدو أن الفرصة اليوم أكثر ملائمة لدول الجنوب، وباحثي دول الجنوب، لفرض نوع من التدافع الفكري حول مستقبل العلاقات الدولية، وطرح أفكارهم التي لا تقل أهمية من أفكار نظرائهم في دول الشمال “المهيمنة” على صنع المعرفة، وصنع القرار في هذا المجال.

على الأقل، فما نعاينه من الأفكار التي يطرحها الباحثون المغاربة، والعرب، والأفارقة وغيرهم من المنتمين لدول الجنوب، تنطوي على كثير من المصداقية والواقعية، وعلى نوع من الموضوعية القابلة للتنزيل، والساعية إلى عالم أكثر عدلا وإنصافا..

والخلاصة، أن عالم اليوم لا يجب أن يدبر بأساليب الأمس، فطرح الأفكار والخلاصات التحليلية والاستشرافية للمستقبل، لم يعد يحتمل إقصاء مصالح دول الجنوب، وتنقصه جبهة علمية وأكاديمية وطنية، تنخرط في رؤية مبدعة تنتمي لدول الجنوب، وتعبر عن طموحات وآمال شعوبها، في مجال الدراسات الدولية، والاستثمار فيها، لملإ هامش جديد داخل النقاش الدولي الراهن، بدعم من دولها ولمصلحتها، فقد أثبتت أزمة “كورونا” أن الحاجة لهذا الهامش أصبحت ضرورة ملحة في ظل التوازنات الجديدة والمفترضة لما بعد الأزمة الراهنة.

د. عبد الفتاح البلعمشي
أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش
رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • مطرب الحي، ...
    منذ 4 سنوات

    مقال شافي، مهووس بتثمين الكفاءات المتخصصة في القانون، وليس فقط، مؤخرا محاولات الابداع الصناعي مثال عملي لقدرة المغربي إن تأتت الفرص للمساهمة في تقوية قدرات بلاده، بإشراكه لإيجاد مخرج للأزمات، وليس فقط تحمل الإكراهات (كل واسكت)، مساهمة فاعلة وفعالة وان لم تكن عمليا بالضرورة، تكون على الاقل استشارية حقيقية لا صورية، لا تهدر الطاقات، بانتاجات غير عملية، لا تساهم في  القرار وطنيا ودوليا، بل مجرد أطر تؤثث الحوارات والنقاشات فقط، دون أخذ ما يصدر عنها، وتمرر من خلالها املاءات الدول التي اشار اليها المقال بالمهيمنة على صنع القرار، المقال فيه غيرة وطنية، ونداء لإعلاء مقام الكفاءات الوطنية إعلاء لأمة المغرب بين الامم، في أعلامنا (شكرا للقناة الاولى لاعادة بث الدروس الحسنية للثمانينات وما بعدها، رأينا من خلالها أساتذة أجلاء رحمهم الله أغلبهم توفوا، لكن علموا)، خير مثال، ملؤوا الدنيا بشتى انواع المعرفة، وكذلك المهنية والرياضية ملأت عصر الازدهار العالمي وأعلت الدول التي وثقت بها. فكيف تسخر طاقاتنا وراء حدودنا ولا يعتمد عليها بالمغرب بما يكفي ليكفله ما يليق به من مجد، وبهم بما يليق باسهاماتهم ؟

  • حي بن يقضان
    منذ 4 سنوات

    مقال شافي، وينم على حس مفعم ومليء بتراكم معرفي وهوس بتثمين الرصيد الوطني من الكفاءات المتخصصة في ميدان القانون، وليس فقط ولنا في المحاولات والارهاصات للابداع الصناعي خير مثال عملي على امكانات المغربي إن تأتت له الفرصة من أجل المساهمة في البناء، والدفع الى تقوية امكانيات بلاده، عن طريق اشراكه في ومبادلته ايجاد مخرجات للمعيقات التي تقف امامها، ليس فقط بتحمل تلك الاكراهات دون المساهمة الفاعلة والفعالة ان لم يكن في شقها العملي، ان يكون على الاقل من الشق الاستشاري الحقيقي متوفرا وليس صوريا، بذلك لا تذهب طاقات البلاد في مهب الريح، وتنتج لنا أطرا لا تؤطر فعليا، ولا تساهم في التأثير على مصادر القرار وطنيا ودوليا، بل تصبح مجرد أطر صورية تؤثث مجالات التدافع من أجل إنتاج المعرفة مشكلة منظومة تمرر من خلالها، املاءات صناعي القرار خصوصا من تلك الدول الكبرى والتي اشار اليها المقال بالمهيمنة على صنع القرار، صيغة المقال فيه نبرة يبدو غيرة وطنية، وربما نداء من بين السطور من أجل تجميع الخبراء والكفاءات من أجل هدف موحد وإن تعددت مشاربها، الا وهو اعلاء مقام تلك الكفاءات لاجل اعلاء مقام المغرب الامة، بين الامم، فلنا في أعلام المغرب، من علمائنا، واساتذتنا السابقين (بالمناسبة كل الشكر للقناة الاولى على اعادة الدروس الحسنية لسنوات الثمانينات وبعدها، رأينا من خلالها أساتذة أجلاء رحمهم الله أغلبهم توفوا، لكن علموا)، خير مثال، فقد ملؤوا الدنيا في مشارقها ومغاربها شماله و جنوبها بالمعرفة كأساتذة وملقنين، كعلماء تكنولوجيا، وطب، وغيرها من المعارف، وكذلك من الكفاءات المهنية والتجارية والرياضية ملأت عصر الازدهار العالمي باسهامات قيمة أعلت من شأن من استفاد منها ورقته الى أعلى المراتب. فكيف يمكن أن تسخر كل هذه الإمكانيات وراء حدودنا ولا يعتمد عليها بما يكفي ليكفل للبلاد ما يليق بها من مجد وبهم بما يليق باسهاماتهم ؟