أدب وفنون، رمضانيات

كتاب “نظام التفاهة”: العمل الثابت شيء هامشي لـ”المثقف” فالتفكير هو وظيفته (15)

في عمق الأزمة الإنسانية التي نكابدها، تشتد الحاجة إلى أنيس يسافر بنا بعيدا، لمعرفة كيف يمضي العالم اليوم، وكيف تمتزج السياسة بالاقتصاد والإعلام، لتولد مضامين، تعمل على تشكيل وتسيير كافة جوانب عيشنا المجتمعي. لهذا اختارت جريدة “العمق” القراءة في كتاب “نظام التفاهة”، عبر حلقات يومية طيلة الشهر الفضيل، تلخص المضمون، وتحافظ على عمق المعنى. 

قراءة ممتعة…

الحلقة الخامس عشر: 

قال آلان دونو أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامعة كيبيك في كندا، وأكاديمي ناشط، بأن “المثقف يُنظر إليه على أنه عاطل عن العمل عندما يتعذر عليه أن يجد وظيفة ثابتة تؤمن له ميزانيته، ولكن مثل هذه الوظيفة هي أمر هامشي بالنسبة إلى نشاطه البحثي، فالنشاط المتعلق بالفكر هو نشاط حر وغير مصلحي، إذ في أغلب الأوقات لا يحتاج المثقف إلى أي شيء عدا الأوراق والحبر”.

وأشار آلان دونو، صاحب كتاب “نظام التفاهة”، والمعروف بالتصدي للرأسمالية المتوحشة ومحاربتها على عدة جبهات، خاصة فيما يتعلق بصناعات التعدين والجنان الضريبية”، بأن المثقف “لن يكون عاطلا عن العمل أبدا بالمعنى الدقيق، ذلك لأنه يفكر دائما، فالتفكير هو وظيفته، وإنه واحد من القلة المحظوظين الذين أفلتوا من الوظيفة كحالة لازمة تُضعف الشخص الخاضع لها.

ويزيد آلان، بكون البطالة بالنسبة للمثقف، رغم كونها تمثل حالة من عدم الاستقرار، إلا أنها ذات أثر ضعيف على قدرته على العمل، بل على العكس، فإنه عندما يكون في حالة بطالة، فإن التزامه قد يكون أثناء بطالته أعظم منه في حال تقييده بالجدول وبالمعايير وبالأهداف المتوقعة من المهنة.

وقدم آلان، مثال للكاتب السويسري دينيس دي روجيمونت، الذي عندما فقد عمله في عام 1933، استقر في بيت استعاره على جزيرة ريه، وقال بأنه “في حالة بطالة” in unemployment ، باعتبار ذلك وضعا نشطا، ولم يقل بأنه عاطل عن العمل unemployed، إذ أنه “عندما يكون التفكير هو مهنتك، فحتى البطالة تكون عملا”.

وموضحا كيف قضى ريجيمونت، مدة سنتين من جزيرة ريه، إلى حي في باريس ثم إلى منطقة جارد في جنوب فرنسا، أعرب بأنه “كان يغوص بشيء من القلق، بمسك مضن للحسابات، محاولا ان ينفق على نفسه وعلى شريكته من خلال محاضرات زهيدة الأجر، وترجمات تقدم خلال آجال قصيرة، ومقالات مكتوبة بشكل مستقل تبدو له مع الوقت أكثر سخافة، وفي بعض الأحيان، يتدخل القدر على شكل جائزة علمية غير متوقعة”.

وأعرب، بأن دي روجيمونت، رغم أن وضعه المالي كان صعبا، إلا أنه كان شابا محفزا، إذ كان مضطرا لتحريك مركز انتباهه، معدلا فكره بحيث يتناسب مع حقائق الحياة، وأن يشن غارات ناجحة على أوساط اجتماعية ومناطق جغرافية ما فكر أحد آنذاك بالمغامرة فيها من قبل.

ويزيد، لم يكن دي روجيمونت، يتعامل مع الناس فقط باعتبارهم مجرد فكرة، وإنما كان يتعامل معهم وفق علاقاته اللازمة بهم كسكان في جزيرة ريه، أو في منطقة جارد حيث كان يقطن، وكانت الصدمة أنه وجد أن “الناس كما يوصفون في الكتابات الإنسانية، وفي البيانات التحررية، لا علاقة لهم بالناس الذين كان يقابلهم على أسس واقعية”.

في سياق مماثل، أشار آلان، كذلك، إلى الأسئلة التي طورها الفيلسوف جاك رانسيير على مر حياته العلمية، التي نشرت في كتاب “منهج المساواة” “فكطالب في الفصول التحضيرية لمسابقة الدخول للمدرسة العليا للأساتذة، لاحظ وجود “عدد مرتفع من المدرسين السيئين”، وانتهى إلى أن “ذروة تراتبية التدريس ليست لها أية علاقة بدرجة الكفاءة أو القدرة على التدريس”.

يُتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *