الأسرة، مجتمع، منوعات

“العادات الغذائية”15: المطبخ بين الشمال والجنوب ودور التغذية في التلاحم الأسري

سلسلة “أنتروبولوجيا العادات الغذائية”، نتناول فيها مواضيع تتعلق بالعادات الغذائية المغربية في ارتباطها بمجموعة من الأبعاد البيولوجية والسيكولوجية، والثقافية، والذوق، والدين، والتراث، والهوية… وكذلك في علاقتها بالجانب الاقتصادي والاجتماعي للأفراد في اختياراتهم الغذائية. وسيتم التطرق لها بالتفصيل انطلاقا من كتاب “تحول العادات الغذائية بالمغرب القروي -دراسة أنثروبولوجية-“، منشورات دار الأمان 2015، لأستاذة علم الاجتماع والانثروبولوجيا بجامعة القاضي عياض نعيمة المدني، عبر حلقات يومية طيلة أيام رمضان، في جريدة “العمق”. 

الحلقة 15

العادات الغذائية والفئات الاجتماعية

سنحاول في هذا الفصل المخصص لدور الفئات الاجتماعية في تحديد العادات الغذائية  التطرق إلى فئات اجتماعية  دالة  لها علاقة بالجانب الاقتصادي، الاجتماعي وبالنوع أيضا، ونرمي من خلال ذلك إلى إظهار مدى قوة المحدد الاقتصادي والاجتماعي في صياغة العادات الغذائية ، ودور المرأة كذلك في تشكيل هذه العادات.

مطبخ الشمال ومطبخ الجنوب

سوف يثري جاك جودي (Jacques Goody) مساهمة ريفل بتعميقه الحديث عن المقارنة بين المطبخ الأوروبي و المطبخ الإفريقي، ففي هذا الإطار سوف يعرض لمجموعة من الملاحظات :

■ تختلف العلاقة بين المطبخ والطبقات حسب الجماعات ونمط عيشها.

■ تواجه دراسة علاقة المطبخ بالطبقات مجموعة من التعارضات، بين إيديولوجيا المساواة الدينية وإيديولوجيا التراتب والطبقية، بين الفردي والجماعي، بين ما هو صحي وما هو ممتع، بين المحلي والخارجي .

■ يتزايد التفاعل بين المطبخ “الراقي” والمطبخ القروي من خلال التبادل والتجارة التي تجعل المطبخ القروي يصير رافد ا من روافد المطبخ “الراقي”.

■ تشجع طبيعة المطبخ المتعالم على تداول الطبخ عبر الكتب.

■ تبقي طبيعة تقسيم العمل المتعلق بالطبخ على التمايز بين وضعية المرأة والرجل .

■ تتشكل التمثلات من خلال ربط الأكل والصحة، في إطار تصنيف الأغذية إلى ضارة وسامة، صحية وترياق للتسمم،  إضافة إلى بعض الأغذية المثيرة للشهوة الجنسية. 

  في هذا الفصل المخصص للعادات الغذائية في علاقتها بالفئات الاجتماعية، لا يسعنا، ونحن نروم تناول الغذاء في العالم القروي إلا التأكيد على أن مفهوم الفئة والمستوى الاجتماعي يتخذ معنى خاصا في العالم القروي، لهذا  يبدو المستوى الاجتماعي في مظاهر متعددة قد تبتعد عما هوا اقتصادي صرف.

التغذية وعلاقتها بالمرأة والأسرة

التغذية والأسرة 

قلما أعارت الدراسات المنصبة على الأسرة اهتماما للبعد الأسري للتغذية، لقد كان يتم التعرض إليه بشكل غير مباشر في معرض الحديث عن الزواج مثلا أو تقسيم العمل، في حين أن بنية ونظام الوجبات يمكن أن يحكي الكثير عن سير الحياة اليومية داخل الأسرة.

تظهر أهمية البعد الأسري للتغذية في بعض التجارب التي أكدت ما تلعبه العادات الغذائية  ووقت تناول الوجبات في إنجاح تجربة الزواج، بل وفي إعادة بعض العلاقات الزواجية المنهارة إلى أوجها ونجاحها، ذلك أن مائدة الطعام تشكل المكان والظرف الأمثل لمناقشة الخلافات أو لتفاقمها.

 في ذات السياق، يمكن القول أن توقيت تناول الوجبات يعد مؤشرا هاما عن مدى التلاحم السائد داخل الأسرة، ناهيك عن دور المعتقدات والتمثلات التي تنسج حول الأغذية وانعكاسها على الممارسات الغذائية في التمييز بين الأسر، بل وبين الأفراد داخل ذات الأسرة . وإذا كنا سنعرض للتغذية حسب فئات السن في البحث الميداني، فقد اخترنا هنا التركيز على المرأة و علاقتها بالظاهرة الغذائية.

(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *