وجهة نظر

الصانع التقليدي في مثلث برمودة

تعتبر الصناعة التقليدية قطاعا حيويا مهما في الاقتصاد الوطني ،كما تعتبر إحدى العلامات التجارية المشكلة لهويتنا الخارجية ،لكن جنود هذا القطاع يعيشون هشاشة متعددة الأبعاد، وضعتهم في مواجهة تحديات جمة أدت بهم إلى حافة الإفلاس، لكن بعض ما يمكن أن نسميهم أبطالا لازالوا يقاومون على اعتاب الحافة مواجهين تحديات تلو الأخرى:

معاناة القطاع في غياب أي دعم مادي ومعنوي بتهميش سواء في السياسة القطاعية التي تؤطره ،أو في بنياته المهترئة والتي توحي بازدراء مقصود هي المسؤولة طبعا عن تراجع الشباب للانخراط فيه كحرفة مستقبل ،مما عجل بانقراض جزئي لبعض الحرف ،أو اختفائها كليا من لائحة الحرف المزاولة حاليا .

لاشك أن الانتعاش الموسمي للقطاع، أصبح متربط فقط بفترة الدروة السياحية، لكون نسبة لا يستهان بها من المواطنين يعتبرون أنفسهم غير معنيين بتشجيعه والإقبال عليه ، كونها تحف تجاوزها الزمن حسب منظورهم ، أو موجهة للسياح الأجانب ، مما عرض القطاع إلى التشويه والاختراق والمنافسة الشديدة والتقليد اللاقانوني من طرف دول اجنبية كالصين مثلا.

كما ساهمت أزمة البحوث والدراسات العلمية التي تمس القطاع ،والتي تشير إلى اختلالاته الحقيقية ،في تزييف حقائقه وتقديم بعض الحلول التي لا تخدمه البتة، مما جعله ضحية للمزايدات السياسوية الموسمية والسياسات الإصلاحية المؤجلة كالكتاب الابيض ، أو المبتورة من الأصل والمتعاقبة أو المنزلة بالمضلات والتي لم تزد إلا الطين بلة ولم تزده الا علة على علة .

غياب سياسة واضحة تؤطر القطاع فتح الباب لتطفل أصحاب الشكارة أو الرأسمال الغريب المسؤول عن الزيادة في منسوب أزمة وضعية الصانع التقليدي الحرفي ،والذي نعتبره ذاكرة القطاع بحث ان هذه العوامل كلها حولته إلى أرجوحة تتقادفها الأزمات من حين لأخر.

كل هذه الضغوطات تأتي الجائحة لتعلن عن احتضار القطاع بشكل رسمي بعد توقف الورشات، إذا علمنا أن الكتلة العاملة بالصناعة التقليدية تعتمد اقتصاد الكفاف ،فاجمل حلم بالنسبة لها هو الادخار ،كونها مستغلة في فترات الدروة و مستعبدة من طرف أصحاب الشكارة.

ليس من الصعب على أي إنسان عاقل أن يتصور توقف حركية الأسواق بشكل كامل نتيجة قرار الحجر الصحي ،فهذا الوقف المفاجئ لسلسلة الإنتاج انعكس على أسر كثيرة تقتات بشكل مباشر أو غير مباشر من هامش هذه السلسلة الانتاجية: كنساء الخياطة والفصالة و الطرز ،السفيفة، العقاد ،البرشمان ،والحرير الصناعي( الصابرة) ،والحياكة الطاقيات (الدرازة)،بل حتى النقالة ،…. حيث استنزف ذلك الرأسمال المحدود للصانع التقليدي والصانعات التقليديات، مما جعلهم يسيرو الاختراق من طرف وباء كوفيد 19 نتيجة الارتباك والقلق وسوء التغذية.

لقد عبر الصانع التقليدي عن وطينته بالانصياع للنداء الوطني بالالتزام الكلي بالحجر الصحي ،وبتنفيذ حرفي للتدابير الاحترازية لكن الثمن كان غاليا فأزمة القطاع أزمة هيكلية لم يكن أغلب المسؤولين ليعيروها تلك الأهمية الاستراتيجية المنتظرة منهم ، رغم كونه يشكل قوة اقتصادية وكنزا يعتبر مفخرة لواجهة المغرب الخارجية والسياحية على وجه الخصوص.

لم يكن اختار الجائحة لهذه لفترة بالهين على هذا القطاع ، وخصوصا فترة رمضان ،نظرا لمتطلباته وتكاليفه المادية الاستثنائية ، ونظرا لكونه يعتبر خزانا تمهيديا للفترات الدينية ،حيث ينتعش فيها الإقبال على المنتوجات التقليدية كالجلابيب والأحدية وأثواب الزينة …

لقد تكرست معاناة صانعنا التقليدي كثيرا فتعددت وتكالبت عليه كل هذه الأزمات في صمت خافت، لكن في حقيقته معلن ،إذ أصبح جل الحرفيين التقليدين يبحثون عن تدبر قوتهم اليومي يوميا في فترة الحجر الصحي ، فهذه الوقفة لم تعفيهم من أداء مصاريفهم الثابتة : كالكراء والفواتير وإعالة أسرهم ، أو مصاريف المتحركة والتي اصبحت في خبر كان ،مما جعل هذا الصانع معرض للضياع و للتشرد ،لكن عزيمته وعزة النفس تعفيه من السؤال .

صحيح أن الحكومة قد خصصت مساعدات اجتماعية لفئة كثيرة من هؤلاء الصناع التقليدين المصنفين ضمن الاقتصاد الغير مهيكل ، لكن المبالغ نعتبرها هزيلة بالمقارنة مع حجم هذه الاسر الكثيفة العدة والعد.

إلى متى سيطال التهميش قطاعات أساسية في اقتصادنا الوطني ؟
وهل سيتم استحضار الأوليات في مقترحات نموذجنا المنشود ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • متابع
    منذ 4 سنوات

    مقال رصين يسلط الضوء على قطاع الصناعة التقليدية الذي كان في يوم من الايام العمود الفقري للاقتصاد الاجتماعي في المغرب وتراث لامادي وجب الاعتناء به،لكن مع الاسف الشديد والحزن العميق اصبح اليوم يعيش مرحلة الاحتضار بفعل عوامل داخلية واخرى خارجية.