وجهة نظر

نظرات فيما بعد كورونا (ج1)

حيرت جائحة كورونا العالم كله، واعتبر المتتبعون أن العالم لم يعرف مثل هذه الآفة منذ سنوات، لذلك فالدول الكبرى هي الأكثر تأثرا في العالم. نحو الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا. إذن هل بإمكان الصين أن تحول الطريق الحرير إلى مشروع اقتصادي في المستقبل مستغلة الوضع العالمي المضطرب؟

الكل اليوم يقر بأن العالم سيعرف تغيرا كبيرا، وسؤال التغيير مرتبط بالسياسة والعلاقات الدولية. ومن التجليات التي ستميز العالم ما بعد هذه الجائحة تعزيز الدولة القومية والوطنية، وتراجع العولمة بالشكل الذي هي عليه اليوم، كما سيطرح سؤال الأقطاب، والاستمرارية في الصراع الدولي الخفي. وضعف التكامل الأوربي، وانتشار القلاقل الأمنية نتيجة تأزم الوضع الاجتماعي.

سيعرف الاقتصاد العالمي اضطرابا، بحيث عرفت البورصات العالمية نزيفا لم تعرفه منذ الأزمة العالمية 2008. وعرفت صناديق التقاعد العامة خسائر ملحوظة. ومن أجل تحصيل انتعاشة مالية موقتة تحتاج الدول تكاليف تحفيزية باهضة. مما أثر على الإنتاج العالمي. وعرفت السياحة أدنى المستويات، ويبقى قطاع الطيران المتضرر الأكبر. أما الأمن الغذائي فهو مهدد. وعرفت أسعار النفط انخفاضا لم يعرفه العالم منذ 1991. إذن كيف نوظف السياسة المالية في تنمية الاقتصاد؟ وكيف نقوي دور الدولة؟ كيف نجنب عدم التخلي الدولي لصالح الأسواق؟

لذلك هناك اتفاق على أن العالم يسير نحو ولادة نظام مالي جديد. لأنه حسب المفكر «جاك تالي” ولادة سلطة شرعية جديدة. ليس على الإيمان أو القوة أو العقل، وإنما على التعاطف. لأن هناك رغبة في الحياة مع وجود تسونامي اقتصادي، وصحي.

أما العالم العربي فقد دمر جزء كبير منه نتيجة التصرفات الحمقاء، وعملية الإعمار بيده لأنه يتوفر على الموارد القادرة على ذلك خاصة العامل البشري. لأن العمارة قد تستغل من قبل دول أخرى من أجل تقوية مكانتها الدولية كما هو الشأن للولايات المتحدة الأمريكية في علاقتها بأوربا بعد الحرب العالمية الثانية. كما يتحدثون اليوم على محاولة أمريكا لخلق حرب صورية استعراضية ضد الصين من أجل التحكم في القوة العالمية، والتخفيف من الأزمة السياسية الداخلية.

كما ستمس الملكية الفكرية في شرعيتها. والعالم اليوم يعرف تدافعا كبيرا وتسابقا واضحا حول اختراع كل ما من شأنه أن يقضي أو يقلص من الأوبئة الفيروسية المستقبلية والتي انطلقت من وباء كرونا في عصرنا من حيث شراسته وعنفوانه.

ومن خلال تحليل الوضع العالمي اليوم نستنبط أن هناك تشويشا بين التوازن والاختلال، وبين توازن القوة والقطبية الثنائية، وتعدد مراكز اتخاذ القرارات. لأن التوازن العالمي متوقف على الواقعية، والدينامية ، والاستقرار. كل هذا يؤشر على عدم مراعاة العوامل والمؤثرات أثناء اتخاذ قرارات في السياسة الخارجية. أنذاك يتداخل الوهمي بالحقيقي. ويدخل العالم في المساومة أو الردع العسكري، أو تخمينات أخرى. ويساهم في هذا الدول ذات السيادة، وحركات التحرر والقوة السياسية، والمنظمات الدولية والإقليمية.

إن العلاقات الدولية ستخضع لتغييرات انطلاقا من تاثير النظام العالمي الجديد الذي سيتشكل بعد مرحلة كورونا. انطلاقا من: نظرية القوة، وتوازنها، ومنسوب الأمن الجماعي، وطبيعة الصراع الدولي.

وفي تقديري أن المعرفة سيكون لها الدور الاستراتيجي فيما يحدث عالميا. معرفة السياسة الخارجية، وقضية السلاح والإرهاب، والبيئة والفقر، ودور القوة الكبرى، وتاثير المنظمات الكبرى، نحو الأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، والحركات العرقية والدينية. مع استحضار نظريتين في هذا الباب النظرية الواقعية، والنظرية التفكيكية.

ولا يمكن فصل ميزان القوة بالمعضلة الأمنية. كل هذا يتطلب منا بالمملكة المغربية أن نجتهد في تعزيز الدبلوماسية الحكيمة والصبورة. –يتبع-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *