وجهة نظر

في زمن كورونا: اللامركزية واللاتمركز.. علاج ووقاية من الحجر التربوي

1- التعليم عن بعد والحجر التربوي …الى متى؟

يعيش العالم اليوم في حالة طوارئ وحجر صحي شامل على وقع اجتياح وباء كورونا المستجد ” كوفيد 19″ وهو اجتياح بل اعصار وبائي يهدد وجود الانسان ، يفتك بجسمه وعقله واحساسه كما انه يهدد حاضره ومستقبله … فقد اسقط عشرات الالاف من الضحايا ومئات الملايين من المحتجزين في بيوتهم او في المشافي ، وشل الحياة وحركة المجتمعات ، وحاصر الافراد والجماعات وحال بين تواصل الدول والامم ، كما انه صاحبه زلزال عالمي من الهلع والخوف ضرب كل ارجاء الارض مما حول هذا العالم الى كرة تاجية موبوءة تصيب كل شبر وكل منطقة بالموت والجمود والعطالة والحجر.. من قبيل تعطيل المدارس والجامعات والمطارات والمراكز الرياضية والحدائق والمطاعم وأماكن العبادة وغيرها من المرافق الحيوية في محاولة للحد من انتشار الوباء والتحكم فيه ومواجهته .

وعملت كل دول العالم باستنفار كامل لطواقمها البشرية وطاقاتها المادية لحماية مواطنيها ، وفي نفس الآن عملت على تفادى الشلل الاقتصادي والاجتماعي والتربوي ومحاولة التنفس – ولو اصطناعيا – تحت وطأ الفيروس للإبقاء على روح المقاومة والبقاء واستمرارية الحياة ، وتلافيا للشلل التام الذي قد يصيب بعض المرافق الحيوية وبموازاة مع مواجهة الفيروس قامت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني والبحث العلمي بإطلاق منصات الكترونية و استغلال وتوظيف القنوات التلفزيونية لاستئناف الدروس عن بعد ،في محاولة منها لإكمال الموسم الدراسي رغم ظروف الجائحة .

اذا كانت الوزارة قد وظفت كل ما لديها من موارد سمعية وبصرية ومنصات الكترونية وشاركها الالاف من المدرسين في هذه العملية باستعمال الوسائط التقنية الحديثة(مقاطع الفيديو- التسجيلات الصوتية- الاقسام الافتراضية عبر Microsoft Teams…) فتحول التعليم عن بعد من اسلوب ” التلقين ” الى اسلوب ” تفاعلي ” مصحوب بمؤثرات بصرية وسمعية تجعل من العملية التعليمية ” الجامدة ” عملية اكثر جذبا تساعد التلاميذ على الدخول الى المحتوى دون التوقف عند تحريك صفحات الاوراق .

اذا كانت هذه الاستراتيجية القائمة على التعلم عبر الانترنيت تستنزف الكثير من الجهد والتحديات والامكانات التي تواجه المدرسين والاباء واولياء الامور ، لكنها لا تحقق الانصاف حيث انعدام تكافؤ الفرص يبلغ حدا غير مقبول ، ويزداد تفاقما في المناطق النائية حيث وسائل التواصل غير موجودة او ضعيفة ، وكذا لذى الشرائح الاجتماعية الفقيرة اذ العديد من هؤلاء الاطفال لا يملكون مقومات الدراسة فضلا عن صعوبة اتصالهم بالأنترنيت او عدم امتلاكهم للحواسيب المحمولة او الثابتة بل منهم من لا يجد اي مساندة من وسطهم الاجتماعي والعائلي ولا من الجهات الوصية على النحو المأمول في حين يحظى الاخرون بكل ما سبق لذا يتعين تفادي اتساع هذه الفوارق او تقليلها .

ان امام نظامنا التعليمي مهمة واحدة وهي التغلب على ازمة التعليم والتعلم التي اصابتها الجائحة بسكتة تربوية – توقف نبض الدروس الحضورية – مما يتطلب منا جميعا التصدي اولا للجائحة حماية لحياة اطفالنا وشبابنا ومواطنينا , ثم الحد من الاثار السلبية لهذه الجائحة على التعلم والتعليم المدرسي ما امكن ، وبعدها الاستفادة من هذه التجربة للعودة الى مسار تحسين التعلم بوتيرة اسرع .

يجب على نظامنا التعليمي مثلما يفكر في التصدي لهذه الازمة ان يفكر ايضا في كيفية الخروج منها وهي اقوى من ذي قبل وبشعور متجدد للمسؤولية من جانب جميع الاطراف الفاعلة فيها وبادراك واضح لمدى الحاجة الى سد الفجوات في فرص التعليم وضمان حصول جميع التلاميذ على فرص تعليم جيدة ومتساوية .

ان التعليم عن بعد الذي فرضته الجائحة هو نسق اعقد من التعليم التقليدي ، فهو يحتاج الى نظام تعليمي اكثر كفاءة وادارة تربوية ومدرسية متحررة ومستقلة بقراراتها . والمعروف ان الادارة المدرسية التقليدية في نظامنا التعليمي تميل الى المركزية والجمود بينما يكمن نجاح التعليم عن بعد في اللامركزية واللاتمركز والمرونة والاستقلالية اللازمين لتكامل عديد من المكونات المتباينة في نسق متكامل يسعى الى بلوغ غاية مشتركة . فعند تبني التعليم عن بعد يصبح مطلوبا مرونة القيادات التعليمية وهي في العادة اكثر جمودا وتمسكا بالسلطة واغترابا عن التعليم عن بعد ومحتواه التقني .

ومن باب استخلاص النتائج الاولية للتعليم عن بعد ، بعد اكثر من شهرين ،لاحظنا عدة صعوبات ونقائص في التعليم عن بعد من قبيل :

• حاجة المدرسين الى التدريب على استخدام الانترنيت والبرمجيات.
• حاجة المؤسسات الى توفير بنية تكنولوجية تحتية ملائمة .
• حاجة مستخدمي الانترنيت الى التوفر على سرعة عالية لنقل وتوصيل المعلومات –(التواصل مع الاقسام الافتراضية يحتاج الى مستخدم الانترنيت بسرعة عالية دون تقطع في الصوت او الصورة )
• الحاجة الى البرمجيات والتقنيات الخاصة بالأمن لأنه – على سبيل المثال لا الحصر – خلال اداء الامتحانات الالكترونية Line quizzes لا يضمن الاستاذ ان من يقوم بأداء الامتحان هو التلميذ نفسه وليس شخصا غيره .
• التكلفة المالية الباهظة للأجهزة والادوات المستخدمة في نظام التعليم عن بعد.

ان اثار التعليم عن بعد اكثر تشتتا من اثار التعليم التقليدي، ومن تم فهي اصعب في التقويم وتزداد هذه الصعوبة في البلدان التي يضعف فيها موضوع التقويم والامتحانات وتقل فيها مصداقية جهود التقويم. فالتقويم في هذا الصنف من التعليم امر صعب ومركب لذلك يجب ان يتم التقويم من خلال فرق متكاملة تضم تربويين وخبراء في الموضوعات وفي التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة والقياس وهو امر مكلف ماديا وتقنيا وبشريا .

ان تعدد القنوات في التعليم عن بعد ليس كالتعليم العادي ، فبدلا من مجرد ” الثنائي ” المدرس والتلميذ يقوم التعليم عن بعد على ” الثالوث ” مدرس عن بعد – مدرس الاستوديو- ومتعلم عن بعد وميسر الموقع الذي يتعامل فيه المتعلم عن بعد بجوانب العملية التعليمية عن بعد . فهل نمتلك في منظومتنا التعليمية كل هذه الموارد والتجهيزات والامكانات والطواقم التقنية وهل نقدر على تحسين شروط التعليم عن بعد ؟

اذا كان هناك من درس نستفيده من دروس كورونا المستجد هو انه أن الاوان لتحقيق اصلاح تربوي تعليمي شامل عبر اعادة هيكلة الادارة على اساس اللامركزية واللاتركيز او اللاتمركز وذلك من خلال نقل جل الاختصاصات من المركز الى الاكاديميات والمديريات الاقليمية والمؤسسات التعليمية مما قد يساعد على السرعة في التقرير والبث والتقييم والتنفيذ المطلوبة في كل العمليات الاصلاحية وهذاما سيرفع الادارة التربوية لتكتسب صفات العقلانية والحداثة .

كم من الوقت انتظرنا للبحث عن سيناريوهات لإنهاء الموسم الدراسي بسبب قانون الطوارئ والحجر المنزلي وتوقيف الدروس الحضورية ؟
اليس هناك من يقدر على ابداع صيغ بديلة في جهات واقاليم المملكة وبالذات في المناطق التي لم تتعرض لانتشار الوباء او قل فيها انتشار الوباء ؟
اليس بإمكان جهات مثل الداخلة والعيون وكلميم وسوس ماسة وتادلة بني ملال …ان تبرمج دروسا حضورية او تنظم امتحانات بكيفية من الكيفيات ؟

ان جائحة الوباء قد حكمت علينا اليوم بان نتأهب لمواجهة تحديات ما بعد كورونا وتحديات العولمة ” الوبائية ” والعولة الاقتصادية وهذا التحدي المزدوج لا يرحم كل من تهاون او تخاذل في الاعداد لاستراتيجية بديلة تواجه كل هذه التحديات ، ولقد صار لزاما علينا نحن ابناء مجتمعات العالم الثالث ان نعي بعمق بان مواجهة كل الاخطار البيئية والوبائية والاجتماعية والاقتصادية تتأسس في المقام الاول على ارساء منظومة تربوية وتكوينية تنشد لدى افرادها الكفايات الاساسية التي تفرضها متطلبات التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية مع ضرورة ارساء النموذج التنظيمي اللامركزي الذي باستطاعته ان يحدث التغييرات النوعية المنشودة .
2- الحاجة الى التحرر من ارث التسيير المركزي الى نظام اللامركزية واللاتركيز
طبقا لمقتضيات الدستور والقوانين المنظمة للجهات واعتبارا لضرورة ملاءمة التربية والتكوين للحاجات والظروف الجهوية والمحلية قامت سلطات التربية والتكوين بإقرار اللامركزية و اللا تركيز في قطاع التربية والتكوين، كما ورد ذلك في (الدعامة الخامسة عشرة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين ) وتكرر ورودها في الفقرة 132 من الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030 هذه الاخيرة أكدت على (توطيد اللامركزية و اللا تركيز والتدبير بالنتائج وعلى أساس التكامل والتجاوب مع الدور الفعال للسلطات المركزية في بلورة الاستراتيجيات والتوجهات الوطنية الكبرى ..)
هذا التوجه نحو اللامركزية و اللا تركيز الإداري هو سعي من المشرع الإداري والتربوي لتأصيل ثقافة الإشراك في التسيير والتنفيذ وتوسيع دائرتهما محليا وإقليميا و جهويا رغم انه تم إبقاء الصلة قائمة ومستمرة وقوية مع الإدارة المركزية في جوانب تتعلق بالسياسة العامة للمسالة التعليمية , وهذا ما يكرس ممارسة غير متجانسة وسليمة مع الشأن التربوي سواء تعلق الأمر بالجانب المعرفي والديداكتيكي أو الجانب القانوني والتنظيمي.
وإذا كنا نرى جهودا قد بدلت من اجل تحديث المنظومة التعليمية وجهودا متواصلة لتكريس اللامركزية و اللاتمركز فانه على مستوى الإدارة التربوية والإدارة المدرسية لم يبدل جهد كبير على المستوى التشريعي والتنظيمي رغم أن هيئة الإدارة التربوية تشكل الركيزة الأساس لتنفيذ السياسات التعليمية بخططها وبرامجها ، فبقيت الإدارة المدرسية و الإدارة التربوية عموما على هامش المبادرات الإصلاحية وهامش التحفيز المادي والمعنوي سواء فيما يتعلق بإيجاد إطار ملائم للعاملين في الإدارة التربوية شانهم في ذلك شان نظرائهم في القطاعات الإدارية الأخرى آو الإنصاف في التعويض عن الأتعاب والأشغال الإدارية والتربوية ، كما أن هناك غياب في وضع سياسة محددة للتكوين المستمر, وهو الشيء الذي يؤثر سلبا على وضعية العاملين في الإدارة المدرسية ويحدث عطبا إنسانيا و تقنيا وإداريا و بيداغوجيا داخل الآلة المحركة للجسم التربوي العام , فبقيت إدارتنا التعليمية تعاني من أعراض تمنعها من المساهمة الفعالة في تطوير التعليم . ومن ابرز هذه الأعراض المزمنة التي ما تزال تنهكك الجسم الإداري والتربوي :
1- المركزية المطلقة حيث القرارات الكبيرة والصغيرة تؤخذ على مستوى الإدارة المركزية مما ساهم في ترسيخ نزعة تقديس النصوص وشخصنة السلطة وطاعة الموظفين للأوامر وتنفيذ التعليمات , فنجم عن ذلك تنامي الانحرافات في التسيير مما يثير الشك حول وجود ارادة سياسية وتربوية حقيقية لإصلاح الادارة كتوطئة ومدخل لأجل اصلاح التعليم.
2- عدم حصر او تحديد المهام الجديدة للإدارة المركزية بعد صدور قانون إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وتحديد مهامها واختصاصاتها وهو ما لم يرد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين (وان كانت الإشارة فيها أن الأكاديميات تمارس ما يزيد عن 12 اختصاصا حسب المادة 162 ، مع اختصاصات أخرى إضافية جديدة ….) مما يتطلب الكشف عن المهام الجديدة للإدارة المركزية في إطار التحول المتجه إلى تطبيق اللامركزية .
3- تطبيق اللامركزية على المستوى الجهوي ظل معاقا بالبنيات القائمة التي لم يتم تشخيصها بالكامل وخاصة تقويم خبرات الفاعلين ، علاوة على القطائع المكرسة بين الفاعلين في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية مما يجعل التنسيق بين هذه المجالات والقطاعات عملية صعبة . (-محمد فاوبار-)
4- انعزالية القرارات حيث التواصل يكاد ينعدم بين المصالح الإدارية إن عموديا أو أفقيا وبين الإدارة والمعنيين المباشرين بالقرار:
فعموديا يتخذ القرار بدون استشارة القاعدة أو الحلقات الإدارية الوسيطة ولا يهتم قط بمشاركة المعنيين بالقرار خارج الإدارة الشيء الذي يترتب عنه عدم الاهتمام والسلبية والاتكالية.
ان اصلاح الادارة التربوية في نفس مستوى اصلاح المناهج والبرامج الدراسية ( فجهاز الادارة هو المصفاة الكبرى التي تقوم بعمليات تقطيع وتنظيم انتقال المعلومات والمقررات التربوية من الاعلى الى الادنى ضمن اطر محددة تمر عبر سلسلة من المستويات الادارية ) – محمد فاوبار.
وانطلاقا من اهمية دور الفاعلين في الادارة التربوية في انجاح اي مشروع اصلاحي اكد الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومشروع الرؤية الاستراتيجية 15/30 على اختيار اللامركزية واللاتمركز كنهج اداري استراتيجي لإصلاح الادارة التربوية ذلك لان :
• اللاتمركز اصبح يفرض نفسه كأسلوب ناجع في الادارة التربوية وليس مجرد رغبة في التخفيف من اعباء الادارة المركزية ، وهذه الاخيرة تعمل من سنة الى اخرى في تفويض بعض الاختصاصات للمديرين الجهويين والاقليميين لتخفيف العبء عن موظفيها ومستخدميها او ربما بسبب تقلص الموارد البشرية في الادارة المركزية بعد ” الهجرة الجماعية ” نحو التقاعد والمعاش التي فتحتها المغادرة الطوعية فأفرغت المكاتب الادارية والفصول الدراسية من الاطر الادارية والتربوية مما يوحي ان عملية تفويض بعض الاختصاصات ماهي الا تنازل وعطاء لتخفيف العبء على الادارة المركزية وليس وفق استراتيجية وتنظيم اداري مقصود لذاته مما يجعلنا امام وجه اخر للمركزية التي تحتفظ بالمهام الاساسية وتفوض ما هو شكلي وتنفيذي .
• ان مبدا اللاتمركز يقتضي تفويض الصلاحيات والسماح باتخاذ المبادرات المسؤولة وفي مجالات معينة ومحددة حتى لا يسود التخبط والاضطراب في المسؤولية وفي المهام وحتى لا يحدث الانقسام بين المصالح المركزية من جهة والادارات والمؤسسات والمصالح والمديريات الجهوية والاقليمية من جهة اخرى
• ان مبدا اللاتمركز يقتضي تخويل مهام ذات الشأن المصيري الى المصالح الخارجية الجهوية والاقليمية حتى لا تبقى هذه الاخيرة مجرد اداة منفذة للتعليمات او للقرارات الصادرة من المركز خصوصا وان هذه الادارات الاقليمية او الجهوية اصبحت تراكم الخبرات والتجارب سنة بعد اخرى وتتابع وتعايش باستمرار كل الاوضاع والمستجدات التعليمية وهي دائما تواكب هذه الاوضاع وتبحث لها عن حلول مرضية او مؤقتة اما بتنسيق مع الادارة المدرسية او مع السلطات المحلية او مع المؤسسات التمثيلية المحلية او مع الفروع النقابية وجمعيات الاباء وجمعيات المجتمع المدني وهذا ما اكسبها من الخبرة والنضج والدراية ما يعينها لتجاوز كل الصعاب والتحديات ويسمح لها بتحمل اختصاصات جديدة في مستوى التفكير والتخطيط والتنفيذ
• ان من مبادئ اللاتمركز تسهيل العمل وتبسيط المساطر واعطاء الصلاحيات الضرورية لمن تناط بهم مهمة تنفيذ السياسة التعليمية من مديرين جهويين واقليميين ورؤساء المؤسسات ورؤساء المصالح والمكاتب مع توفير الوسائل والموارد والامكانات للتنفيذ وضمان النجاح لكل القرارات والمخططات والمشاريع .
• ان اللاتمركز يفرض تفهما اوسع وتصورا اشمل لمفهوم التخطيط الاستراتيجي والسياسة التربوية عامة اذ من شان هذا الفهم الجديد في تدبير الشأن التربوي ان يساعد على توزيع عادل للمهام مع تحمل المسؤولية والقيام بتنفيذها كما يفرضها اسلوب اللاتمركز
وانه وان حاولت الادارة المركزية نقل الكثير من المهام او تفويضها للمديرين الاقليميين والجهويين الا انه يلاحظ اعتماد اشكال وسلوكات متباينة او متناقضة في التسيير والتدبير والاشراف تبعا “لاجتهادات” وانطباعات تغلب عليها الذاتية والخصوصية تارة او تقوم بتدخلات ادارية عشوائية و قد تنبطح او تنحني وتستسلم امام قوة هذا اللون النقابي او ذاك وامام هذا المسؤول او ذاك ، اضافة الى نوعية الموظفين الذين يعينون او يكلفون بتسيير المكاتب والمصالح وفي غياب التجهيزات والوسائل والموارد اللازمة … لذا لا بد لإنجاح وانطلاق اللاتمركز القيام اولا بتقويم الاساليب المتبعة في التسيير الاداري والتربوي ومدى صلاحية الكفاءات المعتمدة والموجودة.
• ان اللاتمركز الاداري يتطلب وضع استراتيجية شاملة محصنة بقوانين ومساطر تساعد المسؤولين الجهويين والإقليميين ورؤساء المؤسسات وتدعمهم مركزيا من كل المؤثرات الخارجية التي قد تحد من مبادراتهم وصلاحياتهم وتجاوز الاجراءات والقوانين المعتمدة مركزيا .
واجمالا يمكن القول ان الاطار التشريعي والتنظيمي في مجال التسيير والتدبير اللاممركز قطع اشواطا لا باس بها ، لكن هذا المجهود التشريعي والتنظيمي يحتاج الى تأهيل متعدد المستويات للإدارة العمومية كلها ، والى اصلاح بنية المؤسسات العمومية ذاتها ـ الامر الذي يقتضي حربا ثقافية على النزعة التسلطية في الاساليب الادارية وتغييرا مستمرا في اساليب القيادة في التنظيمات الادارية … واللامركزية هي الالية والاداة السياسية الكفيلة بتفكيك تمركز السلطة التربوية وتوزيعها على الجهات والاقليم وكل الوحدات الاجتماعية والتربوية المحلية والصغرى …فهل زمن ما بعد كورنا كفيل بتسريع وبلورة نهج اللامركزية واللاتركيز في قطاع التربية والتكوين ؟
ذ: محمد بادرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *