سياسة

بسبب إحضار محامي للمحاكمة بالقوة .. النقيب زيان يوجه رسالة قوية للمحامين

بعد احتجاجات المحامين أمس الإثنين، بمحكمة الاستئناف بالرباط، خلال جلسة محاكمة زميلهم ميلود عبوز، المحامي بهيئة الرباط، بسبب قرار النيابة العامة إحضاره إلى الجلسة بالقوة، وجه النقيب محمد زيان رسالة إلى من أسماهم “الغيورين على كرامة الدفاع”.

وكان دفاع ميلود عبوز، المحامي بهيئة الرباط، والمحكوم بسنتين حبسا نافدا بعد متابعته بتهم تتعلق بإهانة هيئات منظمة، وإهانة موظفين عموميين بسبب قيامهم بمهامهم، والتحريض العلني على الكراهية بواسطة الوسائل الإلكترونية إضافة للسب والقذف العلنيين”، قد احتج على إحضار “عبوز” بالقوة في خرق للحجر الصحي، وبسبب إحضاره للمحاكمة دون غيره من المعتقلين القابعين في سجون المملكة.

وجاء في رسالة النقيب زيان، أنه صمت لسنوات بعد المهانة التي عرفتها مهنة المحاماة، بداية بالانتخابات المهنية، و”هيمنة النيابة العامة على قطاع العدل بكافة أجنحته”، إلا أنه لم يستطع -حسب الرسالة- الاستمرار في صمته بسبب ما أسماها “الخروقات الفاضحة، والمعاملة الانتقامية المكشوفة التي شابت محاكمة الأستاذ عبوز المحامي بهيئة الرباط، النقطة التي يفيض بها كأسنا..”.

واعتبر النقيب زيان أنه لم يكن يتوقع خلال معركة المحامين لاستقلالية القضاء “أن جهاز النيابة العامة سيقوم بالسطو على النضالات، لتحقيق مآربه باستعمال مزيد من التسلط والقمع، وترسانة قانونية تساهم في إفلاته من الرقابة والمساءلة خدمة لأجندات خفية”.

وهذا نص رسالة النقيب السابق كما توصلت بها جريدة “العمق”:

“نداء إلى الغيورين على كرامة الدفاع”

زميلاتي زملائي،

أكتب إليكم اليوم بعد صمت دام سنوات، آثرت فيه عدم الخوض في الشأن المهني ليس ارتضاء بما آلت إليه أوضاعنا بل رغبة في عدم التأثير على قناعاتكم بكون مهنتنا قد وصلت لمستوى المهانة؛ كانت بدايته عندما اختلطت طموحات الانتخابات المهنية بملفات تحديد الأتعاب والتغاضي عن عيوبنا، وهو ما نتج عنه تمثيليات محتشمة، ونيابة عامة مهيمنة على قطاع العدل بكافة أجنحته، كما أني على ثقة راسخة في أن ضمائركم الحية والمشبعة بأسمى معاني العدل والمساواة وحقوق الإنسان كافية وحدها لتقودكم نحو الصواب والانتفاضة على استمرار الظلم، وسيادة الانتقام والكراهية بدل التسامح.

زميلاتي زملائي؛

منذ أن بدأنا معركة استقلالية القضاء، لم نتوقع يوما أن جهاز النيابة العامة سيقوم بالسطو على نضالاتنا لتحقيق مآربه باستعمال مزيد من التسلط والقمع، وترسانة قانونية تساهم في إفلاته من الرقابة والمساءلة خدمة لأجندات خفية تجر مغربنا نحو مزيد من النهب واستنزاف الثروات، بل كانت إرادتنا ومازالت ترنو نحو استقلالية القضاء الجالس، والرفع من مكانته وهيبته وكفاءته حتى يضطلع بدور ريادي في منظومة العدالة من خلال التطبيق السليم للقانون بكل جرأة وحياد، دون أن تتدخل في قناعته أي اعتبار لحاجة مادية أو طموحات مهنية، بما يجعله ضامنا للمساواة وتكافئ جناحي العدالة دفاعا ونيابة عامة، وكتابة ضبط مسؤولة وشاهدة على تصرفات الجميع.

غير أن تطور الأحداث كشف سعي جهة دون أخرى نحو التغول والهيمنة، متغافلة أن رسالة العدل بكافة مؤسساته هو تحقيق العدالة لفائدة المواطن وتمتيعه بالأمن القانوني باعتباره الركيزة المحورية للعمل القضائي، وهو ما لم يتحقق البتة منذ صدور ما أطلق عليه بقوانين ومراسيم استقلالية النيابة العامة عن السلطة التنفيذية. وتوالت الصدمات تلو الأخرى ونحن نرى كيف يتقهقر منسوب الحرية والعدالة يوما بعد يوم بخطوات متسارعة، دون أدنى احترام لما راكمه وطننا بفضل أصوات وأقلام المحامين من طفرة حقوقية نوعية واجتهادات قضائية وترسانة قانونية، فلا المرافعات أصبح لها معنى، ولا القانون وفصوله أصبح لها اعتبار، ولا الاجتهاد القضائي أصبح له استقرار، فقط إشارات خفية من النيابة العامة كافية لجعل القانون مجرد أشعار يتغنى بها الغاوون لا يأخذ بها أحدا، والمرافعات عبارة عن صراخ أجوف يصم الآذان، والاجتهادات ليست سوى أطلالًا من الماضي لا تنفع سوى عشاق التاريخ وتأثيث الخزانات.

زميلاتي زملائي؛

على الرغم مما جرى ويجري داخل قطاع العدالة ظل أغلب المحامين متمسكون بصفاء رؤيتهم، ومؤمنين في أن مشروع إصلاح العدالة وبالرغم من المساحيق التجميلية التي أثثت واجهته، قد عرف انتكاسة حقيقية، وانحطاطا لم يعشه حتى في حقبة ما أطلق عليه بسنوات الرصاص، حيث كان الدفاع يصول ويجول في ردهات المحاكم في طليعة المدافعين عن المتهمين في الانقلابات على ملك البلاد، دون أن يمسسهم سوء أو يعترض عملهم عائق، بل على العكس من ذلك كانت مكانتهم ووضعيتهم الاعتبارية تزداد احترامًا وهيبة في كافة الأوساط الشعبية والرسمية نظرا لاعتبار دورهم طلائعيا وضرورة أسياسية لتكريس مبادئ دولة الحق والقانون.

زميلاتي زملائي؛

إن ما يزيد عن نصف قرن من ممارستي لمهنة الدفاع، يشفع لي في أن أقدم لكم شهادتي على ما آلت إليه أمور مهنتنا، ذلك أننا أصبحنا نحس ببرودة الحضيض، في أزمة لم يشهدها تاريخنا المهني المشرف منذ الإستقلال، وقد أضحى من الواضح أن هناك مساعي حثيثة لتحول المحامين من مدافعين عن رسالة إلى مجرد كتاب عموميين ينقلون شكايات المواطنين إلى المحاكم دون أدنى اعتبار لإثباتاتهم ومرافعاتهم، وهو ما أصبح يفرض علينا ثورة حقيقية على هذه المؤامرات المفضوحة، تنطلق أساسا من تنظيف ذواتنا وضمائرنا نحو مزيد من التآخي والتعاضد، وتفرض علينا حضورًا وازنًا في كافة محطاتنا النضالية وليس قانون مهنتنا بالبعيد، ومحاربة مكثفة لأي ثقافة معيشية، والتي لا يراد من ورائها سوى مزيدا من التشرذم والاستفراد، فالكرامة لا تقبل أية مهادنة بدواعي العقلانية وضبط النفس، والعزة لا تحتمل التجزيء، ورسالة الدفاع أصبحت تفرض أكثر من أي وقت مضى مواجهة شرسة مع قوى النكوص وأنصار التردد وعرابي الخوف.

إن مسؤوليتنا الأخلاقية والتاريخية تفرض علينا النهوض الجماعي لإنقاذ ما تبقى من كرامتنا، ولنجعل من الخروقات الفاضحة والمعاملة الانتقامية المكشوفة التي شابت محاكمة زميلنا الأستاذ عبوز المحامي بهيئة الرباط، النقطة التي يفيض بها كأسنا، وترياق استفاقتنا من السبات القاتل، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، صدق الله العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

النقيب محمد زيان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • متتبع
    منذ 4 سنوات

    المرجو تصحيح العقوبة الحبسية، سهرين وليس سنتين