وجهة نظر

في أفق تدبير مغاير لجائحة كورونا بالمغرب

إذا كانت مسؤولية الدولة، تفرض عليها القيام بما تراه مناسبا لحماية حياة مواطنيها في حال كان هناك خطر يتهددهم، كما هو الشأن مع جائحة كوفيد 19 التي دفعت عددا من الدول، ومن بينهم بلدنا المغرب – والذي يهمنا هنا مناقشة تدبيره لهذه الأزمة – الى فرض حالة الطوارئ الصحية، لتفادي تفشي فيروس كورونا وما قد يتسببه من وفيات كبيرة في صفوف المواطنين كما حدث في دول مجاورة…

اليوم ونحن نلج الشهر الثالث من الحجر الصحي، وهو الاجراء الذي باغث الجميع ولم يسعفهم ليتحضروا لمواجهة تبعاته، بات من الضرورة علينا جميعا، التفكير في صيغ بديلة، تمكن من تدبير الحياة العامة بما يضمن من جهة، اعادة دفع عجلة الاقتصاد ثم انعاشه، و من جهة ثانية إتاحة ضمان تنظيم حركية التنقل في ارجاء البلاد بشكل سلس، متحكم فيه بحيث نستطيع رصد وتتبع الحالات المصابة بفيروس كورونا.

للاشارة، عندما قامت حكومة سعد الدين العثماني في 20 مارس الماضي بفرض حالة الطوارئ الصحية، لم يكن أحد يتوقع في أول الامر اننا سنكون أمام تمديد أول ثم ثان لهذا الوضع الاستثنائي، ناهيك عن ما خلفه هذا التمديد المتكرر من انعكاسات اقتصادية، همت حجم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها مجموعة من القطاعات، لدرجة أن البعض أصبح على شفير حافة الافلاس، إن لم يكن قد افلس فعلا…. ينضاف الى ذلك ما صاحب هذا القرار من تبعات أخرى على الصعيد الاجتماعي، عندما تأثر بسببها عدد من المواطنين الذين تقطعت بهم السبل في مدن كانوا قد قصدوها قبل صدور القرار، بحثا عن لقمة العيش بعيدا عن ذويهم، ليجدوا انفسهم بين عشية وضحى بين سندان توقف القطاع الاقتصادي الذي كانوا يشتغلون به ويعيلون من خلاله أسرهم، وسندان قرار الحكومة المتمثل في منع التنقل بين المدن، ناهيك عن تنكر هذه الأخيرة لهؤلاء، بحيث لم تتحمل لا مسؤولية رجوعهم الى أسرهم، و لا حتى ما بعاتقهم من تكاليف وإلتزامات تخص عيشهم اليومي كالكراء وغيره… في الاخير، وجدت هذه الشريحة نفسها أمام خيار وحيد، تمثل في المغامرة عبر غيابات الفيافي، يقطعون مسافات بمئات الكيلومترات فيما يشبه سفر العهود الوسطى، الشيء الذي عرض حياة الكثيرين منهم لخطر الموت المحقق، في تناقض تام مع ما استند عليه منطق لجوء الحكومة لفرض حالة الطوارئ الصحية، المتمثل في حماية حياة المواطن كأولوية قصوى. فكيف إذن يستقيم الامر، عندما نريد ان نحمي من ندفع في سبيله من يتساوى معه في الحقوق والواجبات الى التهلكة، وذلك من خلال تطبيق حرفي لقرار حكومي، قد يجتهد في تفسيره أصغر عنصر سلطة، تصادفه عند حاجز امني بما قد يمليه عليه هواه، كأن يقول مثلا لوافد ما، يرتفق سيارة، بأن عليه العودة من حيث أتى بسبب عدم توفره على ترخيص، فيجيبه الوافد بأنه يملك من البنزين ما يسعفه فقط لبعض كيلومترات، ليواجه برد مكانيكي صرف من نفس عنصر السلطة ذاك، مفاده ان الامر ليس من شأنه، فهو يطبق التعليمات والسلام…

غيض من فيض معاناة كثيرين، تجاهلتهم الحكومة عندما اتخذت قرارتها السريعة – ولا أريد أن أنعتها بالمتسرعة – حيث تركتهم لمصيرهم المجهول، توقف مورد رزقهم، منع التنقل بين المدن، ولم تتحمل مسؤوليتها تجاههم – على الاقل عندما لم تكن مستعدة على مستوى بنيتها الصحية – بما قد يتيح لمن اضطر للعودة الى حضن أهله، ان يقوم بتحاليل مجانية أو على نفقته، تكون بمثابة المسوغ القانوني الامثل للحصول على ترخيص تنقل، وبالتالي تفادي ظاهرة تسلل البعض، بسبب تعقيدات الاجراءات و الخوف من التبليغ عليهم، مما يرفع من احتمال انتنقال العدوى من وافد بشكل غير قانوني مصاب بالفيروس، لعدد من المواطنين الذين خالطهم، فتتعقد بذلك مسألة تنتبعهم مما يضاعف الجهود والنفقات التي كان يمكن ترشيديها، عبر التحكم بضبط ايقاع الوافدين – حتى المصابين منهم – عبر القيام بعزلهم، لان الخوف كل الخوف في نظري، لا يتمثل في دخول مصاب للمدينة مادام اننا نتتبعه، ومادام اننا في نفس الدولة، حيث سيتلقى نفس برتوكول العلاج هنا أو هناك، بدل ان نصبح فيما يشبه سباق المدن، عندما يتعلق الامر بمؤشر وجود، او عدم وجود حالة تعالج بهذه المدينة او تلك، عكس ما قد يشكله دخوله من خطر في حال تسلله، مع ارنفاع احتمال ذلك، في ظل تمدد الازمة زمنيا، وعدم ملاءمة قرار الحكومة بخصوص حالة الطوارئ الصحية، على من قد يخالطهم بوعي او بغيره.و مع ما قد يمكننا جميعا تخيله من انعكاسات غاية في التعقيد، في مثل هذه الوضعية.

أعتقد اليوم ان الحكومة، وفي ظل ما سقناه اعلاه، مسؤولة عما قد يكون قد لحق بعدد ممن تقطعت بهم السبل، بسبب قرارها السريع بفرض حالة الطوارئ الصحية، في ظل غياب تصور واضح لديها بخصوص وضعية هؤلاء الأشخاص الذين فقدوا مصدر رزقهم، بسبب توقف القطاع الاقتصادي الذي كانوا يشتغلون به، وعدم تمكنهم من الالتحاق بأسرهم بسبب قرار منع الننقل بين المدن… في ظل هذا الوضع، و من موقعنا كمدافعين عن حرية التنقل كحق موقوف الننفيذ مؤقتا بسبب جائحة كورونا، نطالب الحكومة باعنماد آلية جديدة لتدبير عملية منح رخص التنقل بين المدن، يكون أساسها خضوع طالب الترخيص لتحليل اخترازي يخص كوفيد 19، مع ما يقتضيه ذلك من ضرورة اسراعها بتعميم نقاط القيام بهذه التحاليل كشرط اولي لابد منه، مما سيمكن من ضمان سلاسة أكبر للوافدين، سواء من داخل المغرب أو من خارجه، و ضبط أكبر لعملية رصد و تتبع الحالات المصابة، مع فتح إمكانية اختيار المريض لمكان علاجه حال قرر الاستشفاء في مدينة غير التي شخص طاقمها اصابته، شريطة مواقفة بنية الاستقبال و تحمله مصاريف التنقل.

أخيرا، ومن موقعي كمدافع عن حقوق الإنسان عامة، ادعوا كل من تضرر من قرار الحكومة القاضي بفرض حالة الطوارئ الصحية، وما صاحب ذلك من عدم تحمل هذه الاخيرة لمسوؤليتها تجاه هذا المتضرر، شريطة اثباته ذلك طبعا، ان يتوجه للقضاء من أجل المطالبة بالتعويض عما اصابه من ضرر جراء ذلك…

* عضو المكتب التنفيذي للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *