منتدى العمق

أية حماية للمكتري في ظل انتشار وباء كورونا “كوفيد 19”

لا مراء فيه أن عقد الكراء يعتبرمن أقدم العقود وأكثرها تداولا في المجتمع بالنظر لحاجة الناس للسكنى والاستقرار في آن واحد، الأمر الذي دفع مختلف التشريعات على اختلاف مشاربها إلى تنظيم علاقة المكري والمكتري أو بين المؤجر و المستأجر على ضوء النظام الاقتصادي و الاجتماعي السائد في كل دولة على حدى، وباعتباره من العقود القديمة فإن ظهوره يرجع إلى عهد الرومان بعد المقايضة و البيع، أما في المغرب كما هو معلوم نجد أن المشرع قد نظمه كعقد مسمى في الكتاب الثاني من قانون الالتزامات و العقود ،المعنون في مختلف العقود المسماة وفي أشباه العقود التي تربط بها و خاصة في القسم الثالث ، وتحديدا في الباب الأول وذلك في الفصول 627 إلى 699 منه، حيث عرفه في الفصل 627 “رغم أن التعريف ليس من اختصاص المشرع” بأنه :” عقد بمقتضاه يمنح أحد طرفيه لأخر منفعة منقول أو عقار، خلال مدة معينة في مقابل أجرة محددة، يلتزم الطرف الأخر بدفعها له”.

غير أن هذا التنظيم العام المضمن في قانون الالتزامات و العقود و الذي لم يكن القانون المغربي يعرف سواه، سرعان ما وضعت إلى جانبه تنظيمات خاصة التي فرضها تطور المجتمع على المستويين الاجتماعي و الاقتصادي، ومن هذه التنظيمات نجد كراء المحلات المعدة للسكنى و للاستعمال المهني الخاضع لقانون 67.12 الصادر بتاريخ 19 نونبر 2013 والأخر المنصب على المحلات المعدة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي الخاضع لقانون 49.16 الصادر في 18 يوليو 2016، غير أن ما يهمنا و الذي سنسلط الضوء عليه هو التنظيم الأول أي المتعلق بقانون (67.12) وخاصة على إحدى أهم التزامات الأساسية التي تقع على المكتري، باعتباره طرفا ضعيفا في بعضن الأحيان إن لم نقل كلها، وكذلك هشاشة الحماية التي توفرها له القواعد العامة من جهة ثانية التي تقوم معظمها على مبدأ سلطان الإرادة .

وحري بالذكر أن هذا الكراء الذي يقع على المحلات المعدة للسكنى و الاستعمال المهني يقوم بوظيفتين أساسيتين اقتصادية و اجتماعية، فالأولى تتمثل في كونه وسيلة بيد الطبقة المالكة من أجل استثمار أموالها في شكل مساكن مواجهة للكراء، والثانية تتمحور في كونه سبيل الطبقة المتوسطة و الفقيرة الغير القادرة على التملك من خلال الانتفاع بما لا تملك لضمان استقرارها الذي يتخذ السكن أحد أبرز تجلياته، وعليه يمكن بسط إشكالية محورية تنجلي في كون هل استطاعت فعلا هذه التنظيمات سواء العامة (ق.ل.ع) أو الخاصة (قانون 67.12) توفير الحماية اللازمة خلال هذه الظروف الاستثنائية المعروفة بكوفيد 19 ؟.

ففي ظل الأوضاع التي يشهدها العالم حاليا و المغرب على وجه الخصوص أقل ما يمكن أن يقال عنها عصيبة بسبب انتشار وباء كورونا المستجد الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية بمثابة مأساة و حالة طوارئ ذات نطاق واسع، فهل لهذه الأوضاع و التحولات أي أثر على التزامات المكتري؟

فلا يخفى على الجميع أن من أهم الالتزامات التي يرتبها عقد الكراء في ذمة المكتري التزامه بدفع الوجيبة الكرائية حسب الفصل 663 من قانون ل.ع في الأجل ووفق الشروط المتفق عليها و ذلك مقابل تسلمه و انتفاعه بالمحل المكترى، غير أنه قد يحدث أحيانا تماطل من جانب المكتري في الأداء مما يخول للمكري حق إنهاء العلاقة الكرائية بعد توجيه إنذار بالأداء وعدم استجابة المكتري لذلك، فالتماطل في الأداء يعتبر من الأسباب الجدية و المشروعة المبررة لإنهاء عقد الكراء كما تم النص عليه في المادتين 45 و 56 من قانون 67.12 ، غير أن الإشكال الذي يطرح نفسه هنا متى يتحقق التماطل في ذمة المكتري ؟

استنادا على قاعدة أن “الدين مطلوب لا محمول”، فإن المكري ملزم بطلب واجبات الكراء من المكتري عند حلول أجله فإذا امتنع هذا الأخير عن الأداء كان على المكري توجيه إندار إليه يخبره فيه بضرورة الأداء داخل أجل معين، فإذا استجاب المكتري للإنذار وأدى ما بذمته لفائدة المكري يكون قد نفذ التزامه بالأداء تنفيذا عينيا، أما إذا امتنع عن الأداء أصبح في حالة مطل تعطي للمكري الحق في اللجوء إلى المحكمة ورفع دعوى المصادقة على الإشعار بالإفراغ أو دعوى فسخ عقد الكراء.

و تجدر الإشارة إلى أن الإشعار بالإفراغ يختلف عن الإنذار بالأداء، فهذا الأخير هو الإنذار الذي يوجهه المكري للمكتري في حالة عدم أدائه للوجيبة الكرائية، وأبرز صورة له هو الإنذار بالأداء الموجه بعد الإذن به من طرف رئيس المحكمة طبقا للمادة 23 من قانون 67.12، و هو إندار يكون من أجل الأداء و إثبات حالة المطل في جانب المكتري (الفصل 255 ق.ل.ع)، إذ يجب على المكري أن يمنح المكتري أجلا لا يقل عن 15 يوما يبتدأ من تاريخ تبليغ الإنذار بالأداء حسب المادة 25 من قانون 67.12، أما الإشعار بالإفراغ فالغرض منه هو إنهاء العقد ووضع حد للعلاقة الكرائية بين المكري و المكتري، و الذي حددت مدته في أجل شهرين تمنح للمكتري كما هو مبين في المادة 46 من نفس القانون.

غير أن الوضع الاستثنائي للبلاد حتم على الجميع التقيد بالأوامر والتدابير الاحترازية لمواجهة هذا الوضع، وذلك بتقييد حرية التنقل و عدم الخروج إلا للضرورة، وهو ما ساهم في توقف أو الانقطاع عن العمل باعتباره مورد رزق للغالبية، مما سيؤدي معه لا محال إلى إثقال كاهل المكتري الذي يكون مطالبا بأداء واجبات الكراء في كل شهر، بحيث يجد نفسه أمام تماطل إن لم نقل استحالة تسديد هذه الأقساط، زد على ذلك تسلط و عدم رحمة المكري الذي همه الأول و الأخير هو الحصول على السومة الكرائية و لو في هذه الظروف، ومعه يمكن التساؤل حول ما إذا كانت هذه القوانين تتسم بالمرونة الكافية و بالتالي توفير الحماية اللازمة أم أن للاجتهاد القضائي رأي الأخر؟

في هذا المنحى نجد اجتهادا قضائيا قد قضى في أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالخميسات، المتضمن في حيثياته ما يلي: “بناء على الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية وبناء على الطلب الذي تقدمة به السيدة ….. عنوانها ….. والمؤدى عنه الرسوم القضائية الوصل رقم 5741/2020 بتاريخ 24/03/2020 تلتمس فيه إصدار أمر بمنحها مهلة استرحامية من أجل أداء الوجيبة الكرائية وذلك لأنها ستكون عرضة للشارع هي وأبناء الصغار….

و حيث إنه أمام الوضعية الاستثنائية التي تمر بها المملكة المغربية و المتمثلة في انتشار وباء” كورونا” المستجد و ما يمكن أن ينتج عنه من مساس الوضعية الصحية للمواطنين خاصة أمام قرار الدولة المتمثل في التزام المواطنين بمساكنهم و عدم الاختلاط، فإن إفراغ المحل المكترى هي و أبنائها الصغار في الوقت الراهن من شأنه الإضرار والمساس بالصحة العامة مما يكون معه الطلب وجيها و مبررا ويتعين الاستجابة إليه و ذلك بمنحها أجلا مناسبا لكلا الطرفين.

لأجله -نمنح الطالبة أجل شهر كمهلة استرحامية “.

فمن خلال هذا الأمر يتضح لنا أن القضاء المغربي كرس قاعدة هامة مستنبطة من قانون الالتزامات و العقود وهي مهلة الميسرة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 243 منه التي جاء فيها :”ومع ذلك يسوغ للقضاة مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء”، فهذه المهلة يكون أولى بها المكتري خصوصا في هذه الظروف العصيبة التي تجعله عاجز وفي تماطل عن الأداء، لهذا ينبغي على المكري في هذه الأحوال أن يكون أكثر رأفة، ويمنح للمكتري مهلة طويلة لتسديد السومة الكرائية و لما إعفائه من السداد، وبذلك سلوك الاجتهاد القضائي هذا الاتجاه يمكن القول عليه أنه اتسم بطابعه الاجتماعي و انطلق من مبدأ “أن النفس أولى بالحماية من المال” لأن الغاية الأساسية و المثلى لمهلة الميسرة هي المحافظة و العمل على إنقاد العقد بدلا التعجيل بإنهائه.

صفوة القول، إن إنتشارهذا الوباء ساهم في الكشف عن مكامن الخلل و الضعف في المنظومة القانونية حيث ينجلي ذلك بالأساس في عدم مواكبة بعض النصوص القانونية للوضع المعاش خاصة في هذه الظروف الاستثنائية التي تشهدها البلاد إضافة إلى عدم اتصاف هذه النصوص بالمرونة، كل هذه العوامل تدفعنا إلى التآزر و التأخي و التحلي بروح المسؤولية وروح التضامن من أجل العمل على تجاوز هذه الجائحة، وعلى العموم أضحى من اللازم على القضاء المغربي مواكبة التطورات التي يشهدها العالم في المجال التكنولوجي و العمل على الإنزال السريع و الفعلي “لقضاء رقمي” باعتباره بندا من بنود المنصوص عليها من قبل ميثاق إصلاح العدالة و الذي جاء في أحد توصياته ” وضع أسس محكمة رقمية ” من أجل صون حقوق و حريات الأفراد وعدم المساس بها لأي ظرف كان .

تم بتوفيق من الله

* طالب باحث بسلك ماستر قانون الأعمال كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 4 سنوات

    موفق باءذن الله مقال جميل ❤