وجهة نظر

شيء ما يطبخ في الخفاء

لم يبق لهم الا الدستور يلفون اعناقه ويقوضون اركانه ويفتشون بين فصوله علهم يجدون ما يبرر لجوؤهم لحكومة تكنوقراط التي تجهل لحد الآن الجهة الداعية اليها في الحقيقة، ولا الأسباب التي تدعوهم اليها. كل ما يهمهم الآن هو تجنيد مجموعة من الوجوه المألوفة لإنضاج عملية الانقلاب على المسار الديمقراطي الذي ما زال يراوح مكانه.

أخذوا الفصل47 فبدأوا يقلبونه ذات اليمين وذات الشمال، فلم يجدوا فيه غير ما ينص على «تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها»، دون ان يترك لهم بصيص امل في الانقلاب على المنهجية الديمقراطية ولو استقال أو أقيل رئيس الحكومة المعين، كما وقع مع حكومة أبريل 2017

فلما لم يجدوا، قفزوا الى الفصل 96 الذي ينص على ان «للملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، أن يحل بظهير المجلسين معا أو أحدهما» ويترتب عن ذلك إجراء انتخابات سابقة لأوانها بناء على الفصل 97 الذي ينص على أنه «يتم انتخاب البرلمان الجديد أو المجلس الجديد في ظرف شهرين على الأكثر بعد تاريخ الحل»، فوجدوا انه أيضا وضع حدا لكل تأويل من شانه اغلاق قوس “الخيار الديمقراطي” الذي نص عليه الفصل الأول من دستور المملكة.

الامل الوحيد أو ثقب الابرة الذي أرادوا النفاذ عبره لتنفيذ مخططهم الغريب، هو الفراغ الذي سكت عنه الفصل 47 من الدستور والمتعلق بعدم تحديد أجل لتشكيل الحكومة في حالة إعفائها إثر استقالة رئيسها، ليستنبطوا إمكانية تكليف شخصية وطنية بتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، تكون وظيفتها التحضير لإجراء الانتخابات داخل أجل تتوافق حوله الأمة. وهذا هو بيت القصيد، اغلاق قوس هذه الحكومة ومنعها من استكمال ولايتها التي أشرفت على نهايتها وتعيين موظفين يُؤمنون للسلطوية مسارا آخر يقوم على التداول على السلطة بعيدا عن الممارسة الديمقراطية السليمة، وكأن لسان حالهم يقول: “على رئيس الحكومة تقديم استقالته حتى يترك لهم فرصة تنفيذ ما يحومون حوله” أو الدفع بأحزاب داخل التحالف الحكومي الى تفجير الحكومة من الداخل، ومن يدري ما يخطط له في كواليس صنع القرار السياسي؟

سياق هذه الدعوة لا يعدو ان يكون جزءا من المسار الذي سلكته فكرة الدعوة لحكومة وحدة وطنية من طرف من تسلط على حزبه وحوله الى جماعة وظيفية تنفذ مثل هذه المهام القذرة.

فمنذ بداية انتشار فيروس كورونا ببلادنا واتخاذ مجموعة من الخطوات الصعبة و المؤلمة لمواجهة هذا الوباء، نطق الزعيم المحنك داعيا الى تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة هذا الوباء وتداعياته، هذه الدعوة، رغم كونها غريبة في بداية الامر، الا أن الأحداث التي واكبت طرحها من محاولات لتقزيم دور المنتخبين و التمكين لمجموعة من الوجوه المحسوبة على التكنقراط، إضافة الى سكوت أصحاب قيامة 2021 عن الدعوة اليها و تواري زعيمهم المظلي عن الأنظار، مقابل اطلاق العنان لكتاكيتهم وفراخهم وجيش من الذباب الالكتروني لمواجهة كل عمل سياسي جاد و الترويج في مقابل ذلك للأخبار الزائفة التي تحمل موضوعا واحدا: النيل من حزب العدالة والتنمية ، من أمثلة ذلك ِأكذوبة دعم أرباب التعليم الخصوصي، واثارة موضوع أسماء ازقة و شوارع تمارة في هذا الوقت بالذات رغم قدم الموضوع.

وما دس مشروع القانون 22-20 في بداية لحظات الاجماع الوطني الا تمهيدا لعملية الانقلاب على الديمقراطية دون ازعاج من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ان يتمكنوا من الجام السنة الجميع حتى تخلو لهم الساحة لبسط ديكتاتوريتهم الموعودة.

قد يتساءل البعض: لماذا انخرط بعض السياسيين في هذه اللعبة القذرة؟ الجواب هو أن هؤلاء السياسيين قد تسلطوا أصلا على أحزابهم، وما تواجدهم داخلها او على رأسها الا تنفيذا لمخططات السلطوية من داخلها، لا يهمهم في ذلك ان تموت احزابهم او تندثر تماما، ولن يتوانون في مغادرتها متى أمروا بذلك.

الدعوة الى حكومة انقاد وطني، كما يدعو اليها من يسعون للانقلاب على الديمقراطية، على لسان هؤلاء الوجوه المحسوبة على الجسم الصحفي او الأكاديمي، والتي تنعق صباح مساء بصوت واحد، ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها تجارب أخرى في بلاد أخرى وانتهت في مصر الى ما انتهت اليه من نفي جميع زعماء حكومة الإنقاذ، أو بالأحرى انهاء مهامهم التي كلفوا بها، بعد أن بسط الديكتاتور سلطته على كامل البلاد، وكأن لسان حال هؤلاء يقول: “يا ليتنا نرد فنصحح كل ما أفسدناه”. وما زلنا نتابع ما يقع في بلاد تونس من مؤامرات لا تنتهي والتي أدت الى اضعاف المؤسسة التشريعية وزرع الفتنة بين الأحزاب المكونة لها وبث الوهن داخل الحكومة تمهيدا للانقضاض على الديمقراطية الفتية وسيطرة السلطوية على البلاد من جديد.

هذا المخطط الانقلابي لم يكن ليتم لولا تجييش فئة من الشعب واستعمالهم كحطب لحرق أركان الديمقراطية والإرادة الشعبية، في ميدان رابعة، حيث لم يعد الديكتاتور بعد ذلك يكترث لشعب ولا لإعلام ولا يهمه احتجاج محتج، بعد أن أحرق الديمقراطية والإرادة الشعبية وجعلها رمادا تذره الرياح.

لهذا وجب على أبناء الشعب التصدي لهذه المؤامرات التي تحاك ضد ديمقراطيتنا الفتية، كما يجب على مناضلي بعض الأحزاب الوطنية أن يسارعوا لإنقاذها من براثن السلطوية و ارجاعها الى صفها الوطني، فالوقت حان لتحصين الخيار الديمقراطي الذي هو ثابت من ثوابت البلد، فشيء ما يطبخ في الخفاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *