وجهة نظر

النموذج التنموي الجديد وجائحة الفرصة الذهبية‎

في ظل الوضع القائم، المفروض من قبل واقع حتمي تزعمه وباء اسمه كورونا المستجد، وأمام توالي الأحداث، والوقائع، والأخبار الناقلة للمستجدات الصحية، والاقتصادية والاجتماعية البيئية، المرتبطة بهذه الجائحة العالمية. بدأت تبزغ للعيان والعقول الاستشرافية أشعة عنوانها ضرورة إعادة النظر في أسلوب حياة المجتمعات، وطرق ومسار مختلف النماذج التنموية، ومدى ملاءمتها مع قدرة الدول على مقاومة الصدمات، والازمات الدورية، التي لا تنفع معها في بعض الأحيان لا الارقام، ولا القرارات التنظيرية لمختلف المدارس الاقتصادية أو السياسية.

إذ أن لجنة النموذج التنموي المحدثة، وضعت أمامها فرص ذهبية، لا تعوض في هذة الظرفية الحرجة على الجميع، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمعالجة وحلحلة أوضاع فئة واسعة من العاطلين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والأسر التي تعيش في وضعية هشاش، أو القريبة من الهشاشة.

ولعل مجمل اللقاءات التي قامت بها اللجنة المكلفة باعداد تصور لنموذج تنموي جديد، والتي شملت ربوع الوطن من خلال لقاءات، وندوات ومقترحات، لن تصل لدرجة الواقعية، التي فرضتها الجائحة على مختلف القطاعات الاقتصادية والاحتماعية، كالمؤسسات الانتاجية أو القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والأمن…

لقد أظهرت الجائحة، أهمية القطاعات الاقتصادية والاجتماعية من خلال الوقوف في وجه مختلف الإكراهات، المفروضة غير القابلة للتدبير المنظم، بل للاجبار فقط، من خلال تدبير أزمة لم تكن متوقعة بتاتا.

التنمية، والنموذج التنموي من باب الحكمة أن يخرج من طابعه الأكاديمي المحض، وينخرض في بلورة أفكار تعتمد على الذات، ومقدرات شعب وكفاءات وغيرة شعب هذا الوطن أولا وأخيرا.

ومن تم وجب اعطاء الأولوية للكفاءات الوطنية، وتوجيه الصناعات نحو تلبية كل متطلبات السوق الوطنية، من خلال وضع حد للواردات المكلفة، والمنهكة للاقتصاد، والمساهمة في نفاد العملة الصعبة، فهاهي الجائحة، دفعت بمصانع النسيج إلى صنع ملايين الكمامات، عوض استيرادها من الصين ودول أخرى، وهاهي الهندسة المغربية انخرطت في صنع الأجهزة النفسية المعقدة، والتي كانت تصورها لنا العقول المتشبعة بالتمثلات الخاضعة للتبعية بأنها مستحيلة الصنع بالمغرب. كما بإمكان المصانع المغربية، في حالة التوجيه، صنع الأسرة المتطورة الخاصة بالانعاش وغير ذلك، ناهيك عن قدرة الصناعة الوطنية في الهيمنة على انتاج مختلف أنواع المعقمات وأدوات التنظيف المختلقة، وهو بالتأكيد له اضافة نوعية في بناء نظام صحي وطني قائم الذات، يعتمد على نفسه في كل شيء، حتى في صناعة الأدوية من خلال، التشجيع ودعم توسيع المختبرات، والمراكز المرتبطة بهذا المجال الذي أثبت حيويته في الأزمات الصحية الحرجة في كافة الأقاليم، والجهات.

كما يفرض على التنمية أن تتجه لتشجيع الصناعات الوطنية، ليست من خلال الدخول في متاهة الاعفاءات الضريبية التي أثبتت نتائج محدودة للغاية، بل وجب تشجيع الاستهلاك من خلال الاقبال عن المنتوج المغربي المصنعة مغربيا، وذلك بتشجيع القروض وبدون فائدة للمشتريات التي تنتج وطنبا وبدون فرض تكاليف مرتبطة بملف القرض، مع اعادة النظر في الإعلام والبرامج، واجبارها في كل ماتقدمه من دراما أو وثائقيات بالالتزام فقط بالترويج للثقافة الاقتصادية والاجتماعية والقيمية المغربية.

نفس الأمر ينطبق على القطاع الفلاحي، إذ أن التنمية الفلاحية كذلك، تفرض توسيع منح الأراضي للفلاحين وغير الفلاحين، لا ستثمارها في الميدان الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في كل شيء، شريطة الاستثمار وليس سمسرة الاستغلال. وعلى هذا النموذج في هذا الاطار، أن يطالب باصدار قوانين تتيح للأجراء والموظفين امكانية مزاولة أنشطة تكميلية في هذا المجال، من خلال تشجيعهم عل الاستثمار الفلاحي واستصلاح الأراضي، وكل ذلك بغية تحقيق الاكتفاء الذاتي في كل شيء، متعلق بالقوت اليومي للمغاربة، والمساهمة في صد رزنامة من الرجات، التي تحدث بفعل أزمات دورية كما يقع من حين لآخر، في فترة الأزمات أو الأوبئة المتعاقبة غير المتوقعة.

أما في الميدان الاجتماعي، فقد أظهر إبداع جلالة الملك محمد السادس، المتمثل في احداث صندوق خاص للتخفيف من آثار كورونا، أهمية كبيرة من الناحية اباجتماعية.

فاللجنة من باب الحكمةعليها أن تقترح أن استمرارية هذا الصندوق، مع مأسستة والبحث عن موارد قارة له، بهدف خلق تعويض عن العطالة الاجبارية، وليست الاتكالية، وتوفير الحد الأدنى من الدخل لكل المغاربة دون استثناء، في أفق النهوض بالتنمية الشاملة، وتوفير فرص شغل قارة ومؤقتة، وتعويضات دائمة عن فقدان الشغل وغيرها، هذا مع الحسم، والقطع مع ظاهرة التسول، وتجريمها من خلال وضع مراكز إقليمية تحت سلطة الجماعات، مكلفة بإيواء من تقطعت بهم السبل، وفق شروط صارمة وغير متسامحة، قائمة على أساس الاستحقاق المؤقت وليس الدائم، والمحارب للتهاون والاتكالية المقيتة، مع إلزام الأبناك بالانخراط في التنمية من خلال تخفيض نسب الفائدة، وتيسسر طرق سداد القروض الممنوحة، وفق عقود تشاركية ولسيت ربحية فقط.

وحتى لا تتحول السجون لمرتع للأكل والشرب، وتفريخ الاجرام من جديد، من الأجدر تحويل وتوجيه السجناء أصحاب الجرائم البشعة، والمهددة للأمن العام، إلى بناء السدود وحفر الآبار الأرتوازية واستصلاح الأراضي مقابل مبالغ محدودة جدا، بهدف التربية عل العمل، لا على الأكل والشرب والشغب والتلفاز ، والتي أثبتت أن سياسة أنسنة السجون أعطت مفعولا محدودا بالنظر لحالات العود للاجرام من جديد.

كما أن النموذج التنموي يحتاج لتنظيم الشعب، بحيث على كل فرد أن تتوفر له معطيات شخصية دقيقة ، حساب بنكي، أو مصرفي، أو حساب في إحدى الوكالات، بهدف القضاء على العشوائية، والتدليس وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى هدر المجهودات التي تقوم بها الدولة، في فترة الأزمات، وغيرها من الأوقات الصعبة.

والشيء المهم للغاية، هو أن تسهر اللجنة على التأكيد على استرجاع ثقة المغاربة في القانون، وذلك بوضع شروط صارمة، للإستفادة من العفو وتخفيف العقوبات، والعمل على أجرأة دولة الحق والقانون، من خلال التأكيد على أن القانون فوق الجميع، بهدف تشجيع الاستثمارات والتقليص من أشكال التركيزات الرأسمالية الاحتكارية، وفتح المجال للمبادرة الحرة، مع حتمية الانخراط في الصناديق الاجتماعية، مهما كانت نوعية العمل قار أم مؤقت.

مع احترام الحقوق والحريات، على أساس مطابقة الحقوق مع الواجبات، وليس التهليل بالحقوق في مقابل الاستهتار بالواجبات.

النموذج التنموي الجديد، أمامه فرصة ذهبية، للنهوض بالبلاد من خلال أفكار جديدة، قدمنا بعضها فقط، وذلك بعيدا عن ثخمة التقارير، المشخصة للأعطاب البنيوية، والتي أصبحت معروفة عند الصغير والكبير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *