لنا ذاكرة

هكذا أعد المغاربة حلويات “الكيكة” و”المقروض” و”كعب غزال” قبل ألف سنة

شكلت أطباق الحلويات على مر التاريخ جزءا من مائدة الطعام في المغرب، وقد ارتبطت أساسا بلحظات الاحتفال والاحتفاء؛ سواء تعلق الأمر بحفلات الاعراس أو الاحتفاء بقدوم عيد أو ضيف خاص.

ويعتبر مؤرخوا الطعام في العالم؛ أن طباق الحلوى هي ابن بكر لمائدة الطعام، عكس ما يعتقد الكثيرون، فهي بنت الحضارة ولدت في أكنافها وترعرعت بين كل الحضارات التي عرفتها الإنسانية إلى اليوم.

من بابل الى بغداد

لقد كانت أطباق الحلوى جزءا من مائدة بابل التي وصلتنا ضمن 35 وصفة نقشت على الألواح الطينية التي تعود إلى 1650 سنة قبل الميلاد، وقد كان من بين هذه الوصفات “البسكت” المقلي المطبوخ مرتين (راجع كتاب الطبخ في الحضارات القديمة للكاتبة كاتي كوفمان ص 94).

وقد عرفت الحضارتان الإغريقية والرومانية بدورهما أطباق الحلوى، حيث أورد أبيكوس الذي عاش بداية القرن الأول الميلادي؛ أنواعا متعددة من الحلوى، ونموذج ذلك، كعكة الجبن المحلاة (المرجع السابق ص 219).

وقد عرف العرب بدورهم أطباق الحلوى بأشكالها المختلفة والمتنوعة، فقد كانت لحظة سيطرتهم على بلاد الشام (سوريا وفلسطين ) وبلاد ما بين النهرين ( العراق وأجزاء من إيرن وتركيا) هي لحظة انتقال كل الموروث الفارسي والبيزنطي والساساني، سواء تعلق الأمر بالمعمار أوالطبخ أوغيرهما، وهي الحضارت التي شكلت أطباق الحلوى جزءا غير يسير من مائدتها، لتشكل هذه الحضارة بعد ذلك _ أي الحضارة العربية الإسلامية _ قنطرة عبور بين الحضارات السابقة وحضارة الغرب مع تبوتقها من جديد بداية القرن 14، خصوصا أن العرب كان لهم تأثير كبير في زينة الحلوى التي انتشرت في المطابخ الأوربية؛ خاصة الحلوى المصنوعة من عجينة اللوز والسكر الذي أطلق عليه المارزبان (راجع كتاب بلقيس شرارة “الطباخ دوره في حضارة الانسان” ص 436) .

بالرجوع إلى كتب العرب التي تناولت أطباق الحلوى، نجد أن بن سيار الوراق في كتابه “الطبيخ وإصلاح المأكولات” وهو كتاب من القرن 10 الميلادي قد خصص مجموعة من أبواب كتابه لأنواع الحلوى، وأما كتاب “الطبيخ” لمحمد الكاتب البغدادي، وهو كتاب من القرن 12، فقد تضمن فصلا بعنوان “في ذكر الحلاوات وأصنافها” أورد فيه صاحب الكتاب 23 صنفا.

وأما كتاب “الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب” وهو كتاب من القرن 13 الميلادي لابن العديم الحلبيى، فقد تضمن بين دفتيه فصلا خاصا بالحلوى، تحت عنوان “في الحلاوات والمخبوزات وما يجرى مجراها تضمن أزيد من 20 نوعا مختلفا، وهو الأمر الذي ينطبق على كتاب “الفوائد في تنويع الموائد” وهو لكاتب مجهول من القرن 14 الميلادي، والذي أرّخ للطبق المصري، أورد ما يزيد عن 80 صنفا من الحلوى.

أطباق عمرها ألف سنة

إذا كنا في الفقرة السابقة قد قدمنا تلخيصا مبتسرا للمسار الذي قطعته أطباق الحلوى بين كل الحضارات، بدءا بالحضارة البابلية، ثم مرورا بالحضارة البيزنطية وانتهاء بالحضارة العربية؛ وذلك من خلال تقديمنا للكتب التي أرخت لها، مع الاكتفاء فقط بمعطى أخصائي، لصعوبة تقديم أنواعها بشكل مفصل، فإننا في هذه الفقرة سنتحدث عن أطباق الحلوى في المغرب والأندلس بداية القرن 12، والذي نعتقد أنه يؤرخ لفترات سابقة على هذا التاريخ؛ وذاك بالنظر إلى أن الغرب الاسلامي شكل بدوره منطقة التقاء لكل ذلك الإرث الإنساني في مجال الطبيخ، والذي شكلت أطباق الحلوى جزء منه .

وقد وقع اختيارنا على ثلاثة أنواع من الحلوى؛ لتنوع طرق تحضيرها، ولأنها ثانيا لا زالت متداولة بيننا إلى اليوم، وذلك رغم مرور أكثر من الف سنة او اكثر على وجودها فوق موائد أجدادنا.

وهذه الأنواع هي: “كعب الغزال” “المقروض” إضافة إلى نوع آخر، سيتفاجئ القارئ إلى أنه وليد المطبخ المغربي، وهو ما يعرف اليوم بين عامة الناس بـ”الكيكة”، وهي ثلاثة أنواع ضمن ازيد من 20 نوعا وردت في كل كتب “أنواع الصيدلة في ألوان الأطعمة”، و”الطبيخ في المغرب والأندلس في عصر الموحدين”، و”فضالة الخوان في طيبات الطعام والألوان” وهو كتاب من القرن 13 يؤرخ لصور الطعام في الأندلس والمغرب بداية العصر المريني لبن رزين.

المقروض: حيث لازال هذا النوع معروفا بنفس الاسم خصوصا في المنطقة الشرقية للمغرب، وقد قدم صاحب كتاب “فضالة الخوان :طريقة التحضير والإعداد، والتي لا تختلف عنها اليوم؛ يقول: ” يصنع بالسميد ما ذكر ويعجن… ثم يصنع حشو من سكر ولوز ثم يمد العجين على المائدة، ويجعل الحشو طيه ويفتل باليد ثم يلطم باليد حتى ينبسط ويقطع بالسكين قطعا كل واحدة منها في طول أصبع وسعة أصبعين.. ثم يقلى بالزيت.. ويذرعليه السكر”.

ويضيف صاحب الكتاب، ومن أراده محشوا بالتمر فليعمله؛ وقد استعيض السكر بالعسل اليوم، خصوصا إذا علمنا أن اختيار السكر في ذلك الزمان، كان لنذرته ولثمنه الباهض، وكأنه احتفاء بالطبق.

كعب الغزال: ويعتبر هذا النوع من أشهر الأنواع المعروفة في المغرب وأرفعها والتي لا تستهلك إلا في المناسبات الخاصة، وقد ورد بدوره في كتاب فضالة الخوان؛ حيث أشار صاحب الكتاب إلى المكونات وطريقة الإعداد، يقول صاحب الكتاب: “… ثم يدرس سكر ولوز مخلوطين … ويضاف إليها ماء الورد… ثم يمد العجين على المائدة ويوضع الحشو طيه ويضم عليه الأطراف ويفتل”.

ويعتبر محقق الكتاب الأستاذ محمد بن شقرون أن شكله يختلف عن الشكل الموصوف في الكتاب، ذلك أنه يتخذ اليوم في المغرب شكل نصف دائرة تشبه في نظرنا قوائم الغزال، لكن هذا لا يمنع من التأكيد على أن طريقة الإعداد والمكونات لا تختلف عنه اليوم وإن اختلفت في الشكل فقط.

الكيكة: قد يستغرب البعض أن هذا النوع من الحلوى قد عرفه المغاربة وأعدوه قبل ألف سنة من اليوم، وهو النوع الذي ورد سواء عند صاحب كتاب “أنواع الصيدلة في ألوان الطعام” أو صاحب كتاب “فضالة الخوان”، حيث سماه الأول بـ”إسفنجة ظريفة”، فيما سماه الثاني بـ”إسفنج القلة”.

وقد قدم كلا الكتابين نفس طريقة الإعداد؛ التي تتلخص في وضع عجين مختمر في قديرة بعد أن تذهن بالزيت أو السمن، ثم يتم وضع قصبة وسط القديرة بشكل عمودي ثم تغطى القديرة وتدخل إلى الفرن، حتى إذا نضجت، “فأخرج القصبة، وخذ زبدا وعسلا فسخنهما وصبهما في داخل القلة في الموضع الذي اخرجت منه القصبة.. ثم تكسر القلة ليبقى ما بداخلها صحيحا سالما، ثم اجعلها في صحفة وقطعها كما يقطع البطيخ، ودق لوز وجوز وسنوبر وفستق وانثر عليها “.

وما على القارئ سوى أن يتخيل شكلها، حين تقطيعها وقد حملت في وسطها دوائر محشوة بالعسل، بعد أن يكون قد نثر عليها اللوز والفستق وغيره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *