وجهة نظر

ثبوت التزوير.. إحالة مباشرة على التقاعد السياسي

في سياق الاتهامات الرسمية والعلنية المعروضة على أنظار السيد الوكيل العام للملك باستئنافية الرباط ، من قبل السيد محمد أبودرار الرئيس السابق للفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة والمتعلقة باتهام السيد الأمين العام الحالي لنفس الحزب، بتزوير توقيعات مجموعة من النائبات والنواب عضوات وأعضاء الفريق النيابي للحزب، المقدمة كمرفق لوثيقة إخبار رئاسة مجلس النواب بتغيير رئاسة الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة.

أجد نفسي كعضو بحزب الأصالة والمعاصرة، وأحد المنتمين لهذا المشروع الحداثي، ملزما أمام ضميرك وأمام الإخوان والرفاق الذين نتشارك معهم هم هذا الوطن ، بضرورة التمحيص من وجهة نظر قانونية حول تداعيات هذه الاتهامات الخطيرة الماسة بسمعة المؤسسة الثالثة بهرم الدولة – مجلس النواب – ثم البرلمان المغربي المصدر الحصري لصناعة القانون، ومن ذلك بسمعة التنظيم الحزبي الأول في المعارضة، حزب الأصالة والمعاصرة، وبالحياة الحزبية والسياسية الوطنية التي ما فتئ رئيس الدولة يحث على ضرورة تخليقها بخطبه السامية من داخل قبة البرلمان كلما سنحت الفرصة بذلك، فما بالنا بإعلان شبهة التزوير على مجلس النواب المغربي.

ومن أجل ذلك، لا محيد من الرجوع إلى كرونولوجيا الإعلان عن إعفاء الرئيس السابق للفريق كقرار سياسي مخالف للنظام الداخلي لمجلس النواب، وعن القيمة القانونية لتلك الوثيقة حين تقديمها كسند يثبت موافقة أعضاء الفريق على تعيين الرئيس الجديد ومن ذلك رقابة القضاء الدستوري على هذه النازلة، ثم رقابة القضاء الزجري، وصولا إلى تبعات الفعل الممارس إن صح على الحياة السياسية الوطنية وعلى التنظيم الداخلي لحزب الأصالة والمعاصرة.

أولا : كرونولوجيا تقديم مراسلة تغيير رئيس الفريق النيابي إلى رئيس مجلس النواب.

أصدر الأمين العام الحالي لحزب الأصالة والمعاصرة بلاغا يومه 9 أبريل 2020 يفيد بإعفاء محمد أبودرار وتكليف السيد رشيد العبدي بمهمة تنسيق أشغال الفريق إلى حين انتهاء حالة الطوارئ الصحية ببلادنا، وتوفر الشروط الصحية والموضوعية لعقد اجتماع السيدات والسادة النواب أعضاء الفريق لانتخاب رئيس جديد. وفي نفس الوقت راسل الأمين العام رئيس مجلس النواب بغرض إخباره بما تم اتخاذه من قبل مؤسسة الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، عن طريق اجتماع (مكتبه السياسي بالصفة).

إن ما اتخذه حزب الأصالة والمعاصرة عن طريق أمينه العام، يعد تدخلا سافرا في اختصاصات مؤسسة دستورية تحتكم إلى قانون تنظيمي ونظام داخلي مصادق عليهما من قبل المحكمة الدستورية، ومنشورين بالجريدة الرسمية. ورجوعا للمادة 61 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تفيد بأن كل تغيير يطرأ على الفرق أو المجموعات النيابية يبلغ إلى رئيس المجلس ببيان موقع من قبل رؤسائها، وهو الأمر الذي تحدد المادة 59 شكلياته الإلزامية، إذ يجب أن ترفق تلك البيانات بأسماء النواب أعضاء الفرق والمجموعات النيابية ممهورة بتوقيعاتهم. وهو الأمر الذي يفيد بانعدام اختصاص الأمين العام للحزب (أو المكتب السياسي بالصفة) في التدخل في شأن تغيير رئيس الفريق من عدمه. وعلى هذا الأساس تدارك السيد الأمين العام ذلك بالهرولة نحو طرح فرضية جمع توقيعات السيدات والسادة النواب، اعتبارا إلى أن تاريخ الإعلان الرسمي عن تغيير رئيس الفريق كان يوم 13 أبريل 2020 بجلسة عمومية مخصصة للأسئلة الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة بفارق أربعة أيام فقط عن تقديم بلاغ الإعفاء، وهكذا جاء إخبار هذا التغيير من قبل السيدة أمينة المجلس.

توصل مكتب المجلس بمراسلة من السيد النائب رشيد العبدي ورد فيها ما يلي :

(..فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب كلف رشيد العبدي بمهمة رئاسة الفريق ابتداء من تاريخه خلفا للسيد محمد أبودرار، هذا وأحيط علم سيادنكم أنه بالنظر لاستحالة عقد اجتماع حضوري للسادة أعضاء الفريق بسبب حالة الطوارئ الصحية التي تمر منها بلادنا، فقد رتبنا هذه العملية في اجتماع افتراضي باستعمال وسائل الاتصال الحديثة، الهاتف وتطبيق الواتساب وتجدون رفقته لائحة ممهورة بأسماء السيدات والسادة النواب، الذين وافقوا على إسناد رئاسة الفريق للسيد النائب رشيد العبدي، إمضاء رشيد العبدي.)

إن الإعلان عن شبهة تزوير التوقيعات المرفقة بالمراسلة المذكورة والتي تنشر احتكاما للمادة 61 من النظام الداخلي لمجلس النواب في الجريدة الرسمية للبرلمان والنشرة الداخلية للمجلس وموقعه الالكتروني وبما في ذلك من إعلان عنها بالجلسة العامة، يعطي لهذه المراسلة قيمة قانونية خاصة توازي قيمة المحرر الرسمي.

إن المراسلة المتلاة من قبل أمينة المجلس تفيد بما لا يدع مجالا للشك أن اجتماع الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة لم يتم بشكل مادي وحضوري ملموس بأي شكل من الأشكال، إلا مما أشرت عنه نفس المراسلة من اجتماع افتراضي، وهو ما يفيد باستحالة جمع التوقيعات الرسمية للنواب والنائبات التي تحتاج بكل بساطة ووضوح إلى حضور مادي لا معنوي، ومن جهة أخرى تفيد نفس المراسلة بمخالفة صريحة لبلاغ تعيين السيد رشيد العبدي التي حصرت زمنيا بانتهاء فترة الطوارئ الصحية، وعقد اجتماع النواب لانتخاب الرئيس الجديد. إذ أن المراسلة المتلاة تفيد بقبول الأغلبية بتغيير الرئيس السابق، ما يجعل من ولاية السيد رشيد العبدي مستمرة إلى نهاية الدورة التشريعية للمجلس.

ثانيا : الرقابة القضائية على الوثيقة المشتبه في تزويرها.

إذا كان النظام الداخلي لمجلس النواب أو لمجلس المستشارين لا يقع تحت نفوذ المحكمة الدستورية – مع كامل الأسف – اعتبارا لفراغ القانون التنظيمي لمجلس النواب من هذه المكنة، وما طرحه العمل البرلماني اليوم من حاجة ملحة إلى ضرورة التنصيص عليها، وهو ما يحيلنا على انعدام رقابة القضاء الدستوري على هذا الخرق المدعى به (شبهة التزوير)، فإن الولاية العامة هنا تكون للقضاء الزجري انطلاقا من الفصل 354 من القانون الجنائي، التي تفيد بمعاقبة مرتكبي جريمة التزوير في محرر رسمي أو عمومي سواء بالتزييف أو التحريف في الكتبة أو التوقيع بالسجن من عشر إلى عشرين سنة، ثم من يستعمل الورقة المزورة مع علمه بتزويرها بعقوبة من خمس إلى عشر سنوات، إضافة إلى كل من الفصلين 40 و 26 من القانون الجنائي اللذان يفيدان بالتجريد من الحقوق الوطنية في باب حرمان المحكوم عليه من أن يكون ناخبا أو منتخبا، وحرمانه بصفة عامة من سائر الحقوق الوطنية والسياسية، ومن حقه بالتحلي بأي وسام.

ثالثا : تبعات الفعل الممارس إن صح على الحياة السياسية الوطنية وعلى التنظيم الداخلي لحزب الأصالة والمعاصرة.

إن أصعب ما يمكن أن يحصل بالدولة الديموقراطية هو أن يدلس الشارع على المؤسسة التشريعية، إذ أن مجرد الإعلان عن شبهة في مستوى التزوير قد تدق آخر مسمار في نعش الحياة السياسية الوطنية بما يقوض كل جهود العهد الجديد في بناء دولة المؤسسات والاحتكام للقانون وربط المسؤولية بالمحاسبة، ثم كل المجهودات الكبرى التي قامت بها الدولة مجابهة جائحة عالمية في قلبها معركة كبرى لاسترداد جدوة الثقة في مؤسسات وأجهزة وهيئات البلاد، وبما يجعلنا ننتج أرضية خصبة لتفتق مشروع النموذج التنموي الجديد كما حلم به الآباء المؤسسون لحزب الأصالة والمعاصرة حين تبنيهم لمخرجات هيئة الإنصاف والمصالحة، وتقرير الخمسينية وشعار المغرب المأمول، إنها جرائم الإخلال بالثقة العامة التي تنهي عهد طبقة سياسية معيقة للتنمية ولبناء صرخ دولة الحق بسيادة القانون.

إن ثبوت الشبهة المزعومة التي نرجو أن لا تصيب في طرحها تحيل البيت الداخلي لحزب الأصالة والمعاصرة إلى المسارعة للإعلان عن اجتماع المجلس الوطني للحزب وفق جدول أعمال يحوي نقطة واحدة وفريدة وهي إقالة الأمين العام للحزب بما يحفظ ماء وجه الحزب والمناضلات والمناضلين المنتمين لهذا المشروع الحداثي، ومن تم سمعة مؤسساتنا الدستورية ولا سيما مجلس النواب بما راكمه من شرعية تاريخية وشعبية.

* عضو حزب الأصالة والمعاصرة، باحث في السياسات العمومية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *