وجهة نظر

مسؤولية الدولة عن إنشاء صندوق عام للزكاة

تتنادى كثير من الأصوات في هذه الظروف العصيبة التي يمر منها العالم بالدعوة إلى تفعيل عبادة الزكاة، فهي فريضة اجتماعية، وفرضيتها من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، وهي مفروضة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبإجماع الأمة، ولقد قرنت الزكاة بالصلاة في اثنتين وثمانين آية من آيات القرآن.

فالزكاة ليست إحسانا اختياريا، وليست تطوعا وتفضلا، وإنما هي حق معلوم لله في كل مال تجب فيه، ويتعلق بها حق للفقراء والمساكين وللمجتمع كله، وهي ركن هام بارز من أركان النظام العام في دولة الإسلام، إذ هي نظام اجتماعي ومالي يتكامل مع غيره من الأنظمة التي شرعها الله للأمة، كي تسودها مبادئ التراحم والتضامن والتكافل والعدل الاجتماعي، وإعانة ذوي الحاجات على نوائب الدهر، ومساعدة الأمة في إقامة المصالح العامة، وتزكية أموال الأغنياء، وتطهير نفوسهم من رذيلة البخل، وغرس فضيلة الرحمة في قلوبهم، وتربية الشعور بالمسؤولية العامة عن مصالح الجماعة، وترابط الأمة وتكافلها في السراء والضراء، وتقوية الأواصر بين أفرادها، وسد ذريعة المفاسد التي تنجم عن تضخم الأموال وحصرها في أناس معدودين.

الدولة حارسة لأحكام الزكاة: إن الإسلام لم يقتصر على فرض الزكاة وإيجابها على المسلمين، بل أقام الدولة حارسة على أحكامها، وجعلها مسؤولة عن إخراج أصحاب الأموال لزكاة أموالهم، وعن صرفها في مصارفها.

وجعل الإسلام جزاءً لمن يمتنع عن أداء الزكاة، وناط بالدولة توقيع الجزاء، الذي قد يصل إلى حد القتال.

ولم يقتصر تدخل الدولة في صدر الإسلام على حالات الامتناع عن أداء الزكاة، بل كانت تتولى جمع الزكاة وصرفها في الأحوال كلها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث نوابه ليجمعوا الزكاة، ثم يوزعها على المستحقين، والصديق أبو بكر رضي الله عنه فعل ذلك، والفاروق عمر رضي الله عنه كذلك، ولم يفرق أي منهما بين الأموال الظاهرة والأموال الباطنة، ورأوا أن منع الزكاة نقض لعروة هامة من عرى الدين، وخروج على أمر جماعة المؤمنين، ومخالفة خطيرة لأسس النظام العام الاقتصادي والاجتماعي، واغتيال لحقوق الفقراء وغيرهم من المستحقين…

إقامة صندوق للزكاة ومسؤولية الدولة في ذلك: إن كثيرا من الناس لا يؤدون زكاة أموالهم ظاهرة كانت أو باطنة، أو هم لا يؤدونها بصفة منتظمة وكاملة، إن ثمة تجاهلا وإغفالا لهذه الفريضة، وتهاونا في القيام بها من جانب كثير من الموسرين، إما لقلة التوعية والتذكرة، أو لعدم وجود جهة عامة منتظمة مؤتمنة تتلقى الزكوات وتجمعها وتصرفها، وتتخصص للقيام على شؤونها.

وإزاء ذلك فقد أصبح واجبا على الدولة أن تنشئ مؤسسة عامة أو صندوقا عاما للزكاة، وتتحرى في ذلك شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كي لا تتعطل المصالح الشرعية العامة التي من أجلها فرضت الزكاة، وكلف ولي الأمر بجمعها حتى لا يضيع حق الفقراء والمساكين في المال الذي استخلف الله تعالى فيه جماعة المسلمين.

مصارف الزكاة: إن الأوجه التي تصرف فيها الزكاة ثمانية، ولكن كيف يتسنى لصاحب المال أن يعرف موضع الفاقة، وأن يتحرى مكان الحاجة، وأن يحدد ما إذا كان الفقراء أولى أم غيرهم من الفئات؟

إن الجهة العامة المختصة (صندوق الزكاة)، تملك وسائل البحث والتنسيق والمفاضلة، ثم من بين مصارف الزكاة مصرفا يتعلق بالمصالح العامة لجماعة المسلمين، فمن الذي يقدر أوجه المصلحة العامة الشرعية ويفاضل بينها وبين غيرها من المصارف، ثم يختار من بين المصالح المصلحة الأولى؟ إن ذلك يتطلب ولا شك بحثا وتخطيطا ونظرة شاملة عامة لا تتاح وسائلها إلا لجهة عامة متخصصة.

صندوق الزكاة يُعنى بتقديم الخدمات الاجتماعية العامة ومصالح الفقراء: يمكن للصندوق العام للزكاة أن يُعنى بتقديم الخدمات العامة الحيوية الآتية ضمن ما يصرفه من حصيلة الزكاة في سبيل الله:

– المشاركة في حل أزمة الإسكان…
– إنشاء عيادات ومستشفيات …
– إنشاء مراكز للتعليم والتدريب بالمجان…
– الإنفاق على نشر الدعوة إلى الله، والتمكين للإسلام…
– الإسعاف والغوث للمسلمين في حالات الجفاف والحروب والمجاعات والأوبئة وغرها من الكوارث.
– تقديم القرض الحسن في الحالات التي تستوجب ذلك…

مزايا الصندوق العام للزكاة: إن إصدار قانون يشتمل على أحكام الزكاة وينظم جمعها وصرفها والتوعية بشؤونها، وينشئ لذلك صندوقا عاما متخصصا من شأنه أن يحقق الأهداف والمزايا الآتية:

الامتثال لشريعة الله سبحانه…
التوعية بأحكام الزكاة، والدعوة إلى أدائها بالحكمة والموعظة الحسنة…
تحديد جهة عامة مؤتمنة يمكن لصاحب المال أن يطمئن إليها ويثق فيها…
إعفاء المحتاجين من الحرج والمن…
إقامة مشروعات استثمارية…
إنشاء فروع للصندوق العام في جميع جهات المملكة…
التعاون بين صناديق الزكاة في مختلف أقطار العالم الإسلامي والتنسيق بينها…

ولا شك أن إدارة الصندوق العام للزكاة إذا كانت مؤتمنة وخبيرة، فإن حصيلة الزكاة فيه ستكون وفيرة، وكذلك العائدات الناتجة من استثمار هذه الحصيلة، وسوف تكون حالات التهرب من أداء الزكاة محدودة، وأقل من حالات التهرب من أداء الضرائب، ذلك لأن الزكاة عبادة، وهي حق الله تعالى في المال، وتنظيم أداء الزكاة وصرفها تنظيم للخير والبر والتراحم والتكافل، حسبما أمر به الله، وتلك عبادة يستجلب بها ثواب الله ورضاه، تميل إليها نوازع الخير في النفوس، ولا يزال في الناس الخير، ولا ينقطع إلى يوم القيامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *