منتدى العمق

العاملات في زمن الحجر الصحي‎

مع ظهور فيروس كورونا بالمغرب، اتضح جليا للمغاربة أن الدولة خصصت كل ما تملك من امكانات سعيا منها بتطويق الفيروس من التفشي، توقيا من شروره المدمرة. تدابير احترازية، حملات تحسيسية وتوعوية،و انشاء صندوق الجائحة. كلها مبادرات تستحق التشجيع و التنويه في زمن كورونا، ولكن في المقابل نسينا أو تناسينا شريحة مهمة من شرائح المجتمع، و لا أحد منا كلف نفسه عناء السؤال عن أحوالهم وهمومهم و أحزانهم، هن العاملات التي يشتغلن في القطاع الغير المهيكل؟

ولأننا لا نبخس من المجهودات،قامت الدولة المغربية بتخصيص الدعم للفئات المتضررة من جائحة كورونا، سواء الذين يتوفرون على الضمان الاجتماعي، أو بطاقة الرميد، أو حتى لفائدة الفئة التي نحن بصدد الكتابة عنهم الفئة التي تشتغل في قطاع الغير المهيكل..

كما تعلمون أن الحكومة المغربية خصصت منصة الكترونية لفائدة الغير المستفدين من الدعم، خصوصا اولئك الذين لا يتوفرون على الضمان الاجتماعي، و لا بطاقة الرميد، ويشتغلون في القطاع الغير المهيكل.

ولكن ما لم تكن الحكومة المغربية تعيه و غفلت عنه بنية أو غير نية، أن شعبه لازالت الأمية تخنر عظامهم وقلوبهم وعقولهم وهي أدرى بالنسب والأرقام، وهنا لا أقصد بالأمية في مفهومها الجديد”الأمي هو من لم يعرف التعامل مع الوسائل التكنولوجيا”، بل أقصد الأمية في مفهومها الكلاسيكي والتقليدي “من لم يعرف القراءة و الكتابة” نعم هذه حقيقة لا يجب إنكارها، والواقع خير شهيد، خصوصا في فئة الكبار السن من الرجال والنساء. ولسوء الحظ والصدفة أيضا أن الدعم موجه اليهم، ويبقى السؤال الذي يؤلمنا كيف ستتعامل هذه الفئة مع هذه المنصات الكترونية من أجل الاستفادة من الدعم؟

طرحنا سؤال مؤلم رغم أن في أبجديات اللغة لا يوجد سؤال مؤلم، ولكن في الواقع هو كذلك، كيف؟ببساطة لأن أغلبية الفئات الموجه اليهم هذا الدعم لا يفقهون ولا يدرون أبجديات التعامل مع الانترنيت شيء، بل الأكثر من ذلك أغلبيتهم لا يتوفرون على هواتف ذكية و حواسيب لتسجيل عبر منصات ومواقع الدعم. وحتى إن توفروا على الهواتف يجدون أنفسهم خارج السرب. فأغلبية المستفدين من هذا الدعم هم اولئك الذين استاعنو بالشباب الذين يتقنون التعامل مع مثل هذه المنصات. ويبقى السؤال ما مصير اولئك الذين لم يستفيدوا من الدعم ؟

هل ننتظر أن يفتك وباء كورونا بإحدى العاملات في القطاع الغير المهيكل سواء في القطاع الفلاحة، و العاملات في البيوت والمدراس او الجامعات والجماعات إما في الطبخ او النظافة، حتى تتذكر حكومتنا الموقرة أنها نسيت جنديا من جنودها بلا سلاح ولا ذخيرة ولا رعاية ولا دعم، يصارعن وحدهن عدوا لا يرحم، الفقر من جهة وكورونا من جهة اخرى.

ازدادت وضعية العاملات في زمن كورونا والحجر الصحي أكثر قتامة، بحيث لم يجدن معيلا يلبي حاجيتهن الأساسية من غذاء و شراب ودواء، تكفي للحد من أثار أزمة كورونا ما عاقبها من مشاكل وأزمات نفسية للأسر. منهن امهات هي التي تعيل الأسرة بأكملها، وها هي الآن توقفت عن العمل ومعها توقفت عجلة الحياة لها ولعائلتها وليس لها سوى العالي القدير. ومنهن من تعاني من أمراض مزمنة، أو بحاجة ماسة لإجراء عملية جراحية ولكن لا أحد لها سوى خالقها. منهن أيضا من تتعرض للعنف المادي والمعنوي سواء من المشتغلين او نظرة المجتمع. ومنهن أيضا من تتعرض للضرب والجرح من طرف الأزواج أو الأبناء خصوصا في فترة الحجر الصحي..هن يعشنا مشاكل لا تعد ولا تحصى وكل واحد منا يعيها ويدركها ولكن لا نحرك ساكنا.

هن الكادحات رغم المحن والأزمات، هن الصامدات في وجه أعباء الحياة، كيف لا و هن من على أكتافهن تنشأ أجيال وأجيال وبسواعدهن تملأ المخازن وتعمّر الديار. فقد لا تكفي مشاعر الاسى والأسف على وصف معاناة هذه الشريحة من العاملات، ولكن حان الوقت على رد الاعتبار لهاته الفئة المهمشة والمقصية خصوصا في زمن كورونا وتدعياته.حان الوقت أن نقف لهن وقفة اجلال واكبار واحترام، وعلى الدولة أيضا أن تراعي لظروف هاته العائلات قبل أن يكن عاملات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *