وجهة نظر

أزمة كورونا وضعف التواصل

التواصل فنٌّ لا يتقنه -على ما يبدو- المسؤولون المغاربة، فهؤلاء يجب أن يتوقّفوا عن الترويج أزمة كورونا وضعف التواصل أن البلد ليس لديه إمكانيات؛ لأن ذلك يضرّ بسمعة الوطن. فكيف أنَّ مسؤولًا على رأس وزارة بالدولة، الذي من بين مهامّه تحسين صورة البلد بالخارج أن يُصرّح، علنًا وأمام البرلمان أن بلادنا لا تتوفر على الإمكانيات اللازمة، خصوصًا منها الصحيّة لإجلاء مواطنيها، في حين قامت بذلك دول أقل شأنًا من المغرب.

لذا يمكن الجزم بعدم مصداقية وصحّة هذه التصريحات، والدليل تنظيم المغرب عمليات ترحيل أبنائه العالقين، التي عرفت نجاحًا كبيرًا بفضل فعالية الطواقم الطبيّة ورجال الجيش والدرك والشرطة. إنّ ملف العالقين العائدين شكَّل استثناءً؛ لكن بالمعنى الإيجابي هذه المرّة، فليس هناك دولةٌ في العالم لم تطلب من مواطنيها أداء ثمن تذكرة الطائرة أو على الأقل دفع مصاريف الحجر الصحيّ سوى المغرب.

وبالعودة إلى اتّهام دول بالتمييز، يُمكن اعتبار الأمر من الغباء السياسي، خصوصًا أنَّ التصريحات جاءت في ظرفيّة لم تُحرّك فيها الدولة المغربيّة ساكنًا لمعالجة ملف أبنائها العالقين. وفي نفس السياق، من المهمّ أن نشيرَ إلى أنَّ الارتكاز على عودة فقط المغاربة المقيمين بالمغرب دون ما سواهم، يُعدُّ خطأ فادحًا وغلطةً لا تغتفر. كما أنَّ الأمر يُعدُّ خرقا لدستور المملكة الذي لا يُفرّق في بنوده، بين المغربيّ السائح والمغربيّ المقيم بالخارج. قد نكون بذلك نحن من ارتكبنا جرم التمييز بين أفراد الوطن الواحد من خلال منع بعضهم جورًا دون ما وجه حقّ من العودة لبلدهم الأم. إنّ من مغاربة المهجر من عادوا واستقرّوا بأحضان وطنهم ليقضوا ما تبقى من سنين العمر هنا في المغرب، ولا يملكون مسكنًا في بلدان إقامتهم السابقة. حظّهم التعس جعلهم اليوم بين مَن أغلقت الحدود في وجوههم. كيف لهم أن يعودوا وهم لا يتوفرون على شرط التأشيرة؟

• العالقون أصحاب السيارات

اليوم نحن عدنا من إسبانيا بعد أكثر من شهرين ونصف من المنفى القصريّ بمدينة الجزيرة الخضراء. لقد نُقلنا إلى مركب سياحي قرب مدينة الفنيدق، حيث تتوفّر كلّ الظروف الملائمة لقضاء فترة الحجر الصحيّ. ظهرت نتائج التحاليل الطبّيّة سلبية لكلّ العائدين جوًّا من إسبانيا. وإذا ما أردنا الإبحار أكثر في أسرار عدد الحالات الإيجابيّة بين صفوف العائدين منذ الانطلاق المتأخر لعملية الإجلاء. فيمكن القول إذن إنّ هذه الأخيرة تبقى قليلةً، وإن ظهرت بعضها في صفوف العائدين من الجزائر أو مليلية، بالمقارنة مع حجم التخوّف الذي كان سائدًا في بداية الأزمة المُرتبطة بالوباء، التي ما زالت سببًا في تفرقة عددٍ من الأبناء عن آبائهم وأمهاتهم.

في يوم الجمعة 13 مارس الأسود، لو أذنت السلطات للمغاربة بالعودة، استثناءً ممَّن كانوا أمام معبر سبتة الحدودي، الذي فُتح من جهة واحدة فقط للسماح للمواطنين الإسبان بالعودة إلى بلدهم على مرأى المغاربة، ما كان هؤلاء ليغوصوا اليوم في براثن أزمة نفسية جفّفت من قلوبهم وعقولهم ينابيع الثقة في مسؤولي هذا الوطن. وما كان سيتم تبذير الملايين من أموال هذا الوطن وباليورو في وقت بدأت فيه ملامح ضيق اقتصاديّ تلوح في سماء المال والتبادل التجاري بين الدول بسبب تفشّي الوباء. وبالحديث عن الأزمة الاقتصادية أود أن أُشير إلى أنَّ مصاريف الإقامة والمأكل والمشرب طوال هذه المدة كانت لتساهم في إعادة الحركة لفنادق مغربيّة في وقت كان و لا يزال القطاع السياحي بالمغرب يحتضر. إنَّ وزارة الصحة ورغم سوء التواصل الذي كشفت عورته أزمة كورونا نجحت في التصدّي للوباء وتقليص عددِ الوفيات بإصرارها على العلاج بالكلوروكين رغم تحذيرات مُنظّمة الصحة العالميّة.

وفي الأخير، أودّ أن أشكر كلّ مُوظّفي القنصلية العامة بالجزيرة الخضراء وبالخصوص القنصل العام الذي وبمهنيته وحنكته الدبلوماسيّة سيجد حلًا لا محالة للمغاربة العالقين ممَّن لديهم سيَّارات مُسجّلة بالمغرب، وذلك من خلال التفاوض مع الجانب الإسباني قصد تنظيم رحلات بحرية. فحلُّ العودة وترك العربات بإسبانيا يبقى اقتراحًا غير منطقي، وإنْ وافق عليه البعض مُكرهين لأسباب مهنيّة أو عائليّة. أود أيضًا أنْ أشكر محبوب المغاربة العالقين السيّد حسن الزرعي، الذي لم يتوانَ في خدمة إخوانه المغاربة العالقين، والسهر على راحتهم بكلّ ما أوتي من جهد طوال هذه المدّة، يستمر تفانيه في خدمة مَن لا يزالون عالقين؛ ليشكل بذلك قدوةً ونموذجًا للمُوظّف المثالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *