وجهة نظر

بين القرار و التفكير والاستشارة هل يحتاج المغرب إلى مجلس “وطني أو أعلى للرياضة”؟

واقع ومتاهات

طبعا إن إحداث المجالس العليا والاستشارية والوطنية له مرجعياته الدستورية وتحكمه تطورات السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والأكيد أن الرياضة بالمغرب وإن كانت تثير اهتماما جماهيريا منقطع النظير، فإنها إلى حدود الساعة مازالت تعتمد على دعم المجالس الجهوية والجماعات وإرهاق الإنفاق العمومي، ولم تفرض نفسها قطاعا استراتيجيا أو اقتصاديا بامتياز أيضا، مادامت تتموقع معزولة عن المال والأعمال والسوق وعن الصناعة الرياضية بالمفهوم المتعارف عليه في الدول، التي تشكل فيها الرياضة ناتجا خاما ملحوظا ومساهما.

يسجّل أنّ جائحة كورونا، كشفت تواري الرياضة بالمغرب إلى خلفية الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في إطار الطوارئ والتباعد الاجتماعي، وعاشت باقي القطاعات المرتبطة بها حالة اختفاء وصمت رهيبين ملتبسين بما فيها الإعلام الرياضي، الذي حاد قطاع منه عن تخصّصه وعن القضايا المرتبطة بالرياضة، وأصبح إعلام جائحة وطوارئ بامتياز، يركّز على مجالات أخرى بما فيها الصحة والاقتصاد ومختلف القطاعات الاجتماعية وباقي القرارات الاستراتيجية والتدابير التي اتخذتها الدولة – ليس بالطبع في علاقتها بالرياضة-. قد يعزى ذلك طبعا، إلى حالة الذهول والاضطراب التي خلقها انتشار الفيروس أو إلى واقع الرياضة وإعلامها على حد سواء ببلدنا.

فعلا، وبصراحة غاب صوت وزارة الثقافة والشباب والرياضة الوصية عن القطاع وعن الكرة تحديدا / لغة العالم المشتركة والشعبية إلى حدود إصدارها دليل الأنشطة الرياضية متأخرا يوم 8 يونيو الجاري ،، وتوارت الجامعة إلى خلف الخلف إلى غاية تصريحها الوحيد الذي أطلقه عضو مكتبها المديري عبد المالك أبرون يوم الخميس 11 يونيو في إحدى الإذاعات، وضاعت العصبة التي هي أصلا لاصوت لها حتى في القضايا التي تهم البرمجة والحسم في مواضيع تدخل ضمن اختصاصها، حيث تلاحقها أسئلة مبادئ الاستقلالية والنزاهة والديموقراطية بشكل عام.

وعلاقة بذلك، انعدمت الخبرة والدراسات في مجال تشخيص وتحديد انعكاسات الجائحة على تعطيل الأنشطة الرياضية بالأرقام المالية والمعطيات العلمية الرياضية. ولم تتمكّن الصحافة والإعلام الرياضي بشكل عام في إطار هذا السياق أن يحصل لا من الوزارة ولا من الجامعة ولا من العصبة ولا من الأندية نفسها على أرقام ومعطيات، تحدّد ملامح أزمة تتكرّر في الحديث الفضفاض والغامض لمسؤولين وفاعلين ومتتبعين دون معلومات دقيقة. ببساطة ما هي قيمة خسائر القطاع ؟

لماذا بالواضح إحداث “مجلس وطني او أعلى للرياضة”؟

كما أثبتت الجائحة في هذا الصدد، هشاشة أفكار مؤسساتنا الرياضية وأنديتنا ومستوى هيكلتها، وكرّست حاجة الرياضة الملحّة إلى ربط مستقبلها بمجلس أعلى وطني للرياضة، يوسّع نطاقات البحث والدراسة والتفكير والاستشارة والأجرأة، يضمّ خبراء وكفاءات ومتخصصين وإعلاميين وممارسين محترفين ويجمع مؤسسات ومعاهد بحث علمي، من أجل أن تكون المناظرات الحقيقية والهادفة عملا مستمرا في رحاب هذا المجلس الوطني أو الأعلى الذي تفتقده الرياضة المغربية وليس مجرد لقاءات مناسباتية كل خمس سنوات. وحتى لا تصدر أيضا التقارير المختصة عن السياسات الرياضية عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، علما أن مناظرة الصخيرات سنة 2008 والرسالة الملكية السامية كانت قد حددت خارطة طريق لمستقبل الرياضة المغربية ، والتي يبدو واضحا – في نظرنا – أنه لا يمكن هندسة تنزيلها بعيدا عن مؤسسات ومعاهد وخبراء وكفاءات ودراسات علمية كمرجعيات وخلفيات حتمية.

إن الحديث عن إحداث مجلس وطني أعلى للرياضة – مثلا في سياق الجائحة – لم يكن ليؤثر في اتخاذ القرارات السيادية من قبل الحكومة. التي كان عليها فقط اتخاذ قرار بتحديد تاريخ محتمل لعودة الأنشطة الرياضية الاحترافية إلى واجهة الحياة العامة، – بما فيها بطولة كرة القدم – بمراعاة تامة لتطور التحكم في انتشار الفيروس وآثاره على سلامة المواطنين ( حكومة إسبانيا رغم انعكاسات الجائحة الفادحة حددت منذ 23 ماي تاؤيخ 8 يونيو لاستئناف الأنشطة الرياضية الاحترافية، وإن كانت قد ممدت حلة الحجر الصحي)، ثم إسناد مسألة الدراسة والتفكير وتكييف التاريخ مع السياق وتنسيق البروتوكولات مع وزارة الصحة للمجلس الوطني – إن كان موجودا- ، مع اكتفاء العصبة الاحترافية والجامعة بمسألة البرمجة والتنظيم والنقاش مع الأندية.

بهذه الصيغة وحدها لن ترتهن رياضاتنا بصوت وصورة وزير أورئيس جامعة أو رئيس عصبة، بل ستبني مستقبلها بناء على تدابير مؤسسات القرار متمثلة في الحكومة، واستنادا إلى نتائج دراسات وبحوث وتفكير واستشارة مجسدة في مجلس وطني أو ” أعلى للرياضة” وصولا إلى برمجة وتنظيم وتنسيق أفقي للعصبة والجامعة مع الأندية ومؤسسات الإشهار والرعاية والتسويق والبث التلفزيوني.

محسن الشركي: إعلامي ومحلل رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *