وجهة نظر

المنظمات الدولية والتنمية من منظور المهدي المنجرة

المهدي المنجرة

يقصد بالمنظمات الدولية الهيئات والمؤسسات التي يتكون منها المجتمع الدولي، والمساهمة في تحقيق إرادة الجماعات الدولية،كما أنها عبارة عن منظمات تقوم على هيكل تنفيذي وتنظيمي من خلال مجموعة من الشخصيات الإعتبارية والمؤسسات التي تتكون منها الدول مثل منظمة الأمم المتحدة… يعود تأسيسها إلى المؤتمر الدولي حيث تعتبر إمتداداً لهذا النوع من المؤتمرات لأنها تضطلع بمعالجة وحل المشاكل والقضايا المشتركة بين الدول وإتخاذ القرارات …

تساهم هذه المنظمات الدولية من خلالها برامج متعددة تشمل مجالات متنوعة في تحقيق التنمية بالدول النامية، بهدف القضاء على التفاوتات سوء على المستوى الوطني داخل مجتمعات العالم الثالث أو بين دول الجنوب والشمال عبر مد جسور التواصل بينهما، وبناء حوار مجدي بين الطرفين ،لذلك سنحاول أن نبحث في العلاقة التي تربط بين المنظمات الدولية وإشكالية التنمية من خلال رؤية المفكر المغربي المهدي المنجرة .

يؤكد المهدي المنجرة على أن وعينا بمشاكل التنمية لازال ضعيفاً،ويزداد التفكير صعوبة وإحتمال الخطأ فيها لأنها ترتبط بالإنسان. لأتها تتطلب التواضع والليونة الفكرية، مع الإستعداد للتصحيح وملاءمة التصور ،وتجنب التعصب والتمسك بالأفكار.

أما المنظمات الدولية فيصعب عليها تحقيق التنمية على المستوى الوطني،لأنها تتحكم فيها عدة عوامل معقدة (السياسة،الإيديولوجيا،البنيات والغايات الوطنية..) وأي محاولة لتحليل التنمية من هذه الزاوية فهو إهتمام بالمشاكل السياسية والإقتصادية والإجتماعية …وبالتالى ففهم التنمية وإدراكها في أي بلد يجب التفكير فيها على المستوى الوطني وإرتباطها بالعلاقات الدولية ،ومكانة البلد في النظام العالمي رغم أنها تبقى ظاهرة ذاتية تعتمد المجهود الوطني.

وأكد على أنه رغم كثرة البرامج الدولية للتنمية في الدول الفقيرة فالمساهمة الوطنية لاتمثل سوى أقل من %30 من المجموع مع ضعف المساعدة الدولية التي تنتج عن التعاون ،لكن الأهم في هذه المساعدة الخارجية هي الأفكار والتصورات. وتصطدم المشاريع المبرمجة من طرف برنامج الأمم المتحدة بالبيروقراطية ومعارضة الدول المتقدمة مما يطرح الشكوك في التعاون الدولي لتحقيق التنمية .

لذلك اتجهت الدول النامية إلى إعتماد مقاربات جديدة كمنهج الإعتماد على النفس، وهي نابعة من الإقتناع بأن المرهونين يفضلون الإحتفاظ بترواثهم بأي ثمن عوض تقاسمهم إياها لتسهيل تقدم الأخرين،ففضلوا الإعتماد على النفس بدل قبول الفضلات التي تؤخر التحولات الجدرية للنظام العالمي وتطيل حياته.

اعتبر المهدي المنجرة أن مصطلح الإعتماد على النفس قد لا يكون مفهوماً ،لكنه في السنوات القادمة ستظهر ثماره وتتقبله الدول المتقدمة وتفهم تبعاته. لأنه هناك دائماً تفاوت بين ظهور أشكال جديدة للتعاون وقبولها من طرف الدول المتقدمة..

دولياً عرف مجال التنمية تطوراً بداية بفكرة المساعدة التقنية والتعاون التقني سنة 1949 ( خلق برنامج للمساعدة التقنية) ،برنامج موسع للمساعدة التقنية 1950، الإتفاق لإنشاء صندوق خاص سنة 1958 ومن1963 إلى 1965 تم دمج البرنامج الموسع للمساعدة التقنية والصندوق الخاص تحت إسم برنامج هيئة الأمم المتحدة للتنمية الذي لازال في فترة ما قبل الإستثمار حيث تعارضه الدول العظمي والتي تفضل أن تحصر قضية الصندوق في البنك الدولي .

تتعدد برامج ما قبل الإسثتمار لكنها متفاوتة الموارد المالية،وأهمها برنامج هيئة الأمم المتحدة للتنمية DNUD ،وهناك برنامج التغذية العالمية وبرنامج التعاون لجميع الوكالات المتخصصة وجميع المؤسسات التابعة لهيئة الأمم المتحدة…

وقيمة هذه البرامج حسب المنجرة لا تكمن في ميزانيتها بل في الإستراتيجية التي تنهجها …ويكمن جانبها الإيجابي في التعاون وتبادل الأفكار وفي التحليل ودراسة المشاكل التي تساعد على تحديد المشاريع… مما يسمح بظهور الاستراتجيات والأهداف الدولية الناجمة عن العمل على الصعيد الوطني الذي يؤثر على كل عمل دولي.

يشير الكاتب إلى أن الظروف تختلف في العالم من منطقة لأخرى مما يطرح جملة من التحديات تعيق بناء رؤية شاملة للتنمية صالحة للتطبيق في العالم بأكمله. لكن الوصول إلى هذه المقاربة يبقى فكرة مهمة بشرط أن تعترف بتنوع المقاربات لأنه لكل بلد الحق في تصوره الخاص للتنمية …كما أن التنمية تتداخل فيها عدة منظمات كل حسب تخصصها،فلايعقل فرض وصفات جاهزة وموحدة من أجل مشكل التنمية …بل يجب إستحضار القيم الاجتماعية والثقافية والمعايير المتغيرة من جيل إلى آخر لذلك لا مجال لفرض منظومة القيم التي سينتج عنها تصور جامد للتنمية والبحث حول التنمية لاينحصر فقط عند مستوى منظومة القيم بل يتعداه إلى مستويات جيوسياسية وجيوثقافية داخل نفس البلد أو بين دول مجاورة أو قارة ….

يعتبر المهدي المنجرة التنمية ظاهرة جد مركبة تستدعي إنفتاحاً فكرياً لفهم حركيتها، وتجنب العمل على أساس نماذج جاهزة .ويطرح سؤال ما مقاصد التنمية؟ التي يربطها بعلم المستقبليات، فرؤية المستقبل حاضرة في أي استراتيجية أو سياسة تنموية،وبدون مستقبليات قد يكون من الصعب الحديث عن إشكالية التنمية لأنها تعتبرها ظاهرة باطنية لها أهدافها ومقاصدها.

يتحدد مقصد النظام العالمي في السلام، الهدف الرئيس لجميع المؤسسات التابعة لهيئة الأمم المتحدة ويقصد به إشباع الحاجيات الأساسية للإنسان لجميع الناس مع توفير العدالة الإجتماعية وضمان حقوق الإنسان…لكن النظام العالمي بدوله العظمى يحتاط من هذه الأهداف .

في الأخير يتفاءل الكاتب بدور المنظمات الدولية للمساهمة في التنمية الشاملة للإنسان، ويعتبر الأزمة التي تعيشها هذه المنظمات دليل على نجاحها، والمرتبطة من تخوف الدول العظمى من تصاعد دور المنظمات الدولية على مستوى إقرار القواعد الدولية.

ذهب المهدي المنجرة إلى إعتبار التنمية إشكالية دقيقة وصعبة،تتطلب إنفتاحاً وتخطيطاً يراعي القيم الإجتماعية والثقافية….وأن المنظمات الدولية تصطدم بعدة تحديات سواء على المستوى الوطني أو تلك المرتبطة بالعلاقات الدولية …بالإضافة إلى معارضة القوى العظمى الممثلة للنظام العالمي الجديد،الراغبة في إستمرار الوضع القائم حفاظاً على مصالحها…ويعول الكاتب على المنظمات الدولية للمساهمة في تحقيق التنمية المنشودة للإنسانية جمعاء …

تحليل يبدو منطقياً نظراً لإرتباط المهدي المنجرة بهيئة الأمم المتحدة كموظف تابع لها خلال فترة إلقاءه لهذه المداخلة،مما يفسر إيمانه ورهانه على هذه المنظمة والمؤسسات التابعة لها في تحقيق التنمية في دول العالم الثالث وفتح حوار جنوب شمال للحد من التفاوت بينهما…إلا أن وجود معارضة وعرقلة لبرامج المنظمات الدولية من طرف الدول العظمى المتقدمة،وكذلك ماتعيشه الأمم المتحدة اليوم من أزمات وتحكم من طرف القوى العظمى، وتجاوز لمبادئها وقرارتها لدليل قاطع على أن التنمية التي تنشدها الدول النامية لن تتحقق مالم تعول على نفسها في إطار مقاربة الإعتماد على النفس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *