وجهة نظر

الشفافية ومواجهة كورونا

عرف المغرب مثله مثل دول العالم جائحة كوفيد 19 والتي تم تجنيد كل امكانياتها المادية والبشرية لمواجهة هذا الوباء، وكان أول إجراء بعد فرض حالة الطوارئ الصحية، تأسيس صندوق كوفيد19 والذي كان بمثابة الية مالية لمواجهة تداعيات ازمة الوباء على الاقتصاد المغربي.

ولذلك يطرح سؤال الشفافية كمبدأ عام على مختلف التدابير المواكبة لمواجهة هذه الجائحة او أي تدبير عمومي، وقد طلعت مؤسسة الشفافية الدولية بتقارير صادمة على مجموعة من الدول التي تعاملت بنوع من عدم الشفافية وعدم الوضوح في تدبير أزمة كوفيد19

النقد الدولي وسؤال الشفافية في مواجهة كوفيد19

وجهت منظمات “الشفافية الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” و”غلوبال ويتنس” رسالة إلى المجلس التنفيذي لـ “صندوق النقد الدولي” بضرورة إدراج تدابير الشفافية ومكافحة الفساد في برامج الإغاثة الطارئة لمواجهة وباء “كوفيد19” العالمي، لضمان أن مليارات الدولارات التي يصرفها لعشرات الدول تساعد الفئات الأكثر ضعفا.

وقالت ديليا فيريرا روبيو، رئيسة منظمة الشفافية الدولية: “الحاجة الطارئة إلى دعم جهود الدول أثناء الوباء العالمي تجعل الشفافية والمساءلة في الإنفاق الحكومي هامة جدا. تتطلب الأزمة من صندوق النقد الدولي توفير الأموال في أسرع وقت ممكن، ولكن ينبغي ألا يتخلى عن التزامه بمكافحة الفساد. حجم الأزمة يزيد إمكانيات ومخاطر سرقة الأموال العامة التي ينبغي استخدامها لإنقاذ الأرواح وإعادة بناء سبل العيش”.

وتجدر الإشارة ان أكثر من 90 دولة طلبت مساعدة طارئة، وهو أعلى رقم في تاريخ الصندوق منذ 75 عاما. بعكس البرامج العادية للصندوق، وتُصرف أموال الطوارئ بشكل عام بمبالغ مقطوعة، مع شفافية أو ظروف أو مراجعات محدودة.

وقد جاء على لسان سارة سعدون، الباحثة في الأعمال وحقوق الإنسان في هيومن رايتس ووتش : على ان “تعهد صندوق النقد الدولي بضخ ما يصل إلى تريليون دولار لمساعدة الحكومات خلال أزمة فيروس كورونا، مما سيوفر إمكانات استثنائية لإنقاذ الأرواح وحماية الأشخاص الأكثر تضررا. مع تعرض حياة الناس للخطر، من الهام أن يحافظ الصندوق على التزامه بوقف الفساد حتى يتمكن الناس من مساءلة حكوماتهم عن تصرفها بالأموال”.

كمان وجب التأكيد على أن استنزاف الموارد العامة بسبب الفساد يضر دائما بقدرة الحكومات على توفير الرعاية الصحية المناسبة، والتعليم، والحقوق الأخرى. وخاصة ابان الازمات، كما اعتبر منظمة الشفافية الدولية انه يمكن للصندوق أن يضم منهجيا تدابير أساسية للحد من مخاطر وقوع سوء الإدارة والفساد دون المساس بالسرعة والمرونة التي تتطلبها الأزمة. واقترحت المنظمات أربعة تدابير:

1-شفافية صندوق النقد الدولي: على الصندوق نشر جميع المعلومات المتعلقة بالبرامج على موقعه الإلكتروني في أقرب وقت ممكن، وأن يشير إلى التزامه المستمر بالحكم الرشيد في البيانات العامة رفيعة المستوى والاجتماعات الخاصة مع الحكومات.

2-الشفافية والمساءلة في المشتريات العامة: للتخفيف من مخاطر مثل العقود الخفية، وتضخيم الكلفة، والتواطؤ، يجب دعم الحكومات، كما عليها الالتزام بما يلي كحد أدنى: (1) نشر جميع العقود العامة، (2) استخدام العطاءات المفتوحة والتنافسية، والتقليص الصارم لاستخدام العمليات غير التنافسية في حالات الطوارئ، (3) نشر الأسماء ومعلومات الملكية النفعية للشركات التي تُمنح العقود، (4) تمكين وكالات مكافحة الاحتكار، حيثما وجدت، من مراقبة ظروف السوق في القطاعات الأساسية في تجنب التواطؤ أو تضخيم الكلفة.

3-المراجعة من قبل المراقبين الحكوميين والمستقلين: ينبغي أن تلتزم الحكومات بتوفير جميع المعلومات حول كيفية إنفاق أموال الإغاثة الطارئة لمراجعين داخليين، بالإضافة إلى مراجعي الحسابات المستقلين في أقرب وقت ممكن. يجب إعطاء الأولوية للمجالات الأساسية، مثل الصحة، والمشتريات العامة، والبنية التحتية، ونفقات الضمان الاجتماعي

4-تنفيذ وتعزيز أطر مكافحة الفساد وغسل الأموال القائمة: يجب أن يحدد الصندوق الفجوات في هذه الأطر ويسعى إلى سدها، بما يشمل تشجيع دول “مجموعة الـ 20” والمراكز المالية الرئيسية على معالجة هذه العيوب.

المغرب وسؤال الشفافية في مواجهة كوفيد19:

دعت منظمة الشفافية الدولية الحكومات في جميع انحاء الشرق الأوسط وشمال افريقيا الى اعتماد توصيات عاجلة وعملية لمنع تقويض الفساد لجهود مكافحة كوفيد19 .

وقد دعت في توصياتها الحكومات ومنها الحكومة المغربية الى اعتماد الشفافية والمساءلة لتوفير مظلة لمكافحة الفساد التي تشتد الحاجة اليها في مجالين مهمين : المشتريات العامة وإدارة صناديق التبرعات من القطاع الخاص والافراد الأغنياء ، ولاتهدف هذه الإجراءات الى ابطاء الاستجابة للازمة ،ولكن لضمان عدم سرقة أو استخدام الأموال المخصصة لإنقاذ الأرواح واستعادة سبل العيش الكريم.

وتحدد التوصيات مجالات الخطر الكامنة في إجراءات العطاءات والمشتريات العامة، وتوفر تدابير وقائية لمعالجتها، أهمها الدعوة الى :

انشاء أو تخصيص مواقع الكترونية لتوفير معلومات عن المشتريات العامة والعطاءات للتخفيف من الغموض في المشتريات ومنح العقود.

التأكد من أن أسماء المالكين المستفيدين والمساهمين في الشركات الممنوحة للعقود متاحة للجمهور ويمكن الوصول اليها.

توفير خطوط ساخنة للشكاوي للإبلاغ عن الفساد والانتهاكات، وتنفيذ القوانين والإجراءات ضد الفاعلين الفاسدين مع توفير حماية للمبلغين والشهود.

كما تتناول التوصيات تدابير لمعالجة مجالات الفساد المحتملة في إدارة صناديق التبرعات الخاصة وتتضمن :

ان تتولى سلطة رسمية واحدة مسؤولية احتساب التبرعات وتنفيذ استراتيجية إدارية واضحة لاستخدامها.

نشر قيمة التبرعات مع أسماء المتبرعين من خلال موقع الكتروني رسمي على الشبكة العنكبوتية

وضع اجراءات شفافة في عملية توزيع المساعدات على العاطلين عن العمل أو المشاريع الصغيرة بما يضمن العدالة والشفافية .

خلال حالات الطوارئ، غالبا ما تلغي الحاجة الى التحرك السريع الحاجة الى معايير الرقابة ، وبالتالي تؤدي الى تفاقم مخاطر الفساد .فمن خلال ضمان عدم تحويل الموارد المخصصة لمساعدة الفئات الأكثر ضعفا الى جيوب الفاسدين، فان تطبيق معايير الشفافية والمساءلة ستنقذ الأرواح.

وللإشارة فان أداء المغرب قد أثار الإعجاب داخليا وخارجيا، إلى حد اعتباره نموذجا يحتذى، حيث افتتحت صحيفة فرانس سوار الفرنسية مقالا بقلم شادي رنجة بنعمور، قال فيه إن المغرب لم يثر إعجاب المجتمع الدولي فحسب، بل أثار إعجاب المغاربة أنفسهم، وذلك باستغلاله التجارب الأجنبية وعامل الوقت من جهة، وتحديث ورقمنة المؤسسات المغربية.

ومن أجل تمويل التدابير وتجهيز مستشفيات جديدة، أعلن الملك محمد السادس إنشاء صندوق لجمع مليار يورو، وقد جمع في غضون أيام قليلة، ثلاثة مليارات يورو، ساهمت فيها المؤسسات العامة والشركات الكبرى وكبار موظفي الخدمة المدنية والشخصيات العامة والمواطنين، كما أطلق العديد من المبادرات الخاصة كشراء معدات للمستشفيات.

وقد اختار الشفافية وعرض الأحوال كما هي، بعيدا عن إعطاء الآمال الزائفة للمواطنين، وذلك وسط تغطية إعلامية موحدة، تصدر المعلومات إليها حصريا من القطاعات الحكومية

وكان كبار المسؤولين يعدون تقارير عن الواقع ميدانيا لتحول مباشرة الى الدوائر العليا الحكومية ، حتى تكون لدى أصحاب القرار صورة حقيقية عن الوضع..

واستفاد المغرب من الوقت، حيث حل مشكلة المعدات، فتضاعف عدد أسرة الإنعاش في وقت قياسي بتمويل من صندوق كوفيد-19، كما مكّن الإنتاج الوطني للأقنعة والملابس الواقية والأجهزة من اكتفاء البلد ذاتيا، مما جنبه الدخول في التنافس العالمي الشديد للحصول على هذه المنتجات الغالية والنادرة.

بالإضافة إلى ذلك، أنشئت وحدات طبية في غضون أيام قليلة، مثل المستشفى العسكري في بنسليمان ومستشفى آخر به 700 سرير في معرض الدار البيضاء، وقد خصصت صناعة النسيج لحاجة اللحظة من الأقنعة وملابس العمل ومنعت أي إنتاج آخر، كما كانت الشراكة بين القطاعين العام والخاص على أشدها.

وفي أوج النقص العالمي للأقنعة، كانت شركات النسيج المغربية المدعومة من وزارة الصناعة قادرة على تصنيع خمسة ملايين قناع في اليوم، تفي بالمعايير الدولية، كما قام آخرون بتصميم أجهزة تنفس، مما سمح بأسعار منخفضة أقل من 200 يورو لكل جهاز

وتتمثل قوة المغرب -حسب الكاتب- في أنه حافظ على الصناعة لسوقه الداخلية الأصغر حجما وسوقه الأفريقية الأكبر حجما والأقل ربحا.

وخلاصة القول ان ازمة كوفيد 19 تمرين أساسي بين عمق واثر الاصلاحات البنيوية التي نهجها المغرب لسنوات، مما ينبغي التأكيد على ان سؤال الحكامة والشفافية في حد ذاته يبقى محفزا لاستمرارية النهج الإصلاحي بالمغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *