منتدى العمق

التدخل الإماراتي في شؤون الدول المغاربية.. محاولة للفهم

بداية دعونا نتفق أن لكل دولة الحق في اتباع سياستها الخاصة و ذلك من أجل ضمان مصالحها و سيادتها, و لكن أن يتجاوز ذلك بأن يصبح تدخل في شؤون الدول و تحديد مصيرها و نظم الحاكمة لشعوب تلك الدول فهو أمر غير مقبول و تدخل سافر لا يمكن القبول به و سكوت عنه.

فلكل دولة و شعب الحق في تقرير مصيره وأن لا تتدخل دولة من دول الإقليم العربي في شؤون ما لا يعنيها و تدبير مكائد و تخطيط لمؤامرات لتقسيم تلك الدول وخلق فتنة بين أبناء الشعب الواحد تحقيقا للأهداف دنيئة خدمة لمصالح ومخططات القوى الكبرى للمنطقة العربية وهو ما يظهر جليا في التدخل الإماراتي السافر في شؤون دول كاليمن و ليبيا و دعمها لمليشيات و انفصاليين في كلتا الدولتين سالفتا الذكر, من خلال دعمها في ليبيا للجنرال خليفة حفتر المنقلب على اتفاق الصخيرات و المتمرد على الحكومة الليبية المعترف بها دوليا التي انبثقت من خلال اتفاق الأطراف الليبية السياسية من مختلف الأطياف و الأيديولوجيات و الذي تم تحت رعاية الأمم المتحدة في المغرب, و لدعمها في اليمن لمليشيات انفصالية متمثلة في ما يسمى “المجلس الانفصال الجنوبي” المتمردة على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا و تشييدها لسجون سرية في جنوب اليمن و ارسالها لقوات عسكرية اماراتية لجزيرة سقطرى اليمنية باعتبارها أنها كانت تابعة لها تاريخيا حسب تصريحات مسؤولين اماراتيين.

التدخلات الاماراتية في ليبيا و اليمن ساهمت في زيادة تفاقم المشاكل و اضطراب الأوضاع والانقسامات السياسية والاجتماعية في تلك الدول, بدل التدخل للمساهمة في انحسارها على الأقل أو لحلها لما لا “فالصلح خير”, وقد أدى ذلك كله إلى ازدهار خطر تقسيم هتين الدولتين العربيتين العريقتين تاريخيا و جغرافيا وتزايد مخاطر عدم استقرار المنطقة العربية, وهو ما يشكل خطرا على جميع دول الإقليم العربية و الإسلامية و تهديدا للأمنها القومي و التخوف من انتقال تلك الإضطرابات إلى دول أخرى مجاورة سواء في الشرق الأوسط و الخليج العربي أو في المنطقة المغاربية.

ليبيا: مليشيات حفتر للفوضى والتدمي

تدعم دولة الإمارات حليفها الجنرال الانقلابي خليفة حفتر وميليشياته المسلحة المتمردة على حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج المعترف بها دوليا,للإشعال الفوضى في ليبيا وتقويض إحلال الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة.وتدعم الإمارات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بجلب المرتزقة له و بالعتاد العسكري والمال إلى جانب محاولة تلميع صورته والدفاع عن حملته العسكرية باتجاه العاصمة الليبية طرابلس في إعلامها الرسمي. وذلك من أجل خدمة مصالحها و أطماعها في النفوذ والتوسع الإقليمي عبر جعل نظامها الحاكم أحد المؤثرين إقليميا في ليبيا.ما يجعل الإمارات تصبح من المسيطرين على صناعة النفط الليبية التي لم تتعرض حتى الآن لدمار يذكر،فالهدف الرئيسي لمليشيات حفتر هو إحكام السيطرة على الصناعة النفطية التي تديرها حالياً شركة النفط الوطنية، التابعة للحكومة الشرعية في طرابلس، وبالتالي حرمانها من الدخل النفطي الليبي حسب مراقبين. ويقول مختصون إن ليبيا لديها الطاقة لإنتاج 1.8 مليون برميل لولا الحرب الأهلية التي يقودها حفتر، والتدخلات الخارجية التي ساهمت في زيادة أمد النزاع و الصراع بين الفرقاء الليبين ومنع التسويات السياسية التي اقترحتها الأمم المتحدة. حيث أن الاحتياطات النفطية الليبية تسمح بإنتاج 2.5 مليون برميل يومياً حسب التقديرات.فقد سعى المارشال خليفة حفتر في محاولات سابقة من قبل لبيع شحنات من النفط عبر شركات أسست في الإمارات، متخطياً بذلك الحظر الدولي الذي فرض على ليبيا والذي يجعل التصرف في النفط الليبي حصرا في يد “شركة النفط الوطنية الليبية” .

تونس: محاولات مستميتة من الثورة المضادة للإرجاعها إلى حضن الديكتاتورية مرة أخرى

تعرضت أحزاب الثورة وعلى رأسها النهضة لهجوم قوي من أطراف عدة تدعمها الإمارات،عبر الإعلام والذباب الالكتروني. وهو ما دفع الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى اتهامها بمحاولة إحباط التجربة الديمقراطية في تونس، مشددا على أنه عمل خلال ولايته على “التصدي لمحاولاتها”، وأنه اتصل بالأمريكيين لـ”يكفّ الإماراتيون مؤامراتهم عن تونس”.وشدد المرزوقي على أن “أيادي خارجية” عطّلت المسار الديمقراطي في تونس خلال رئاسته، مؤكدا أن في مقدمتها الإمارات “التي سعت للقضاء على التجربة التونسية”. حيث تعتبر تونس نموذجا للنظام الديمقراطي الذي لا تهيمن قوة بعينها في تحديد بوصلته، وهو ما لا يتناسب مع التصور الإماراتي للحكم، خاصة بعد أن فازت حركة النهضة الاسلامية بأول انتخابات عقب الثورة التي اندلعت نهاية 2010. و فوزها بالانتخابات البرلمانية الأخيرة في شتنبر 2019. وصعود الرئيس قيس سعيد المؤيد للثورة إلى الرئاسة بأغلبية ساحقة في الدور الثاني، أمام المرشح نبيل القروي، شكل إحدى هزائم الإمارات في مهد الربيع العربي

المغرب : سياسة مستقلة و محاولات لخرق سيادته الوطنية

تستمر تقارير إعلامية في الحديث عن تدخل إماراتي في الشؤون الداخلية المغربية،أخرها هجوم واسع النطاق للذباب الالكتروني الإماراتي للتحريض على الحكومة المغربية ورئيسها “سعد الدين العثماني”. وتجلى هذا الخلاف أكثر بعد عودة السفير المغربي بالإمارات إلى بلاده، حيث أرجعت وسائل إعلام مغربية ذلك إلى غياب السفير الإماراتي لدى الرباط أكثر من عام ومؤخرا أرادت الإمارات للإجلاء سياح إسرائيليين عالقين في المغرب، بسبب أزمة فيروس كورونا من دون تنسيق أو تشاور مع السلطات المغربية، ما أغضب الرباط وأفسد الأمر. فإلى وقت غير بعيد كان المغرب مرتبطا بعلاقات متينة مع الإمارات، بفضل الاستثمارات والقروض التي كانت تضخ في الاقتصاد المغربي، ناهيك عن آلاف السياح الإماراتيين الذين يزورون المملكة ونحو 13 ألف من العمالة المغربية في الإمارات.حيث تعتبر الإمارات أكبر مستثمر أجنبي في البورصة المغربية، وتمتلك “اتصالات الإمارات” 53 في المئة من أسهم اتصالات المغرب، كما أن شركات إماراتية تمتلك على سبيل المثال 20 في المئة من الغرف الفندقية في الرباط والبالغ عددها 5 آلاف غرفة، بحسب مسؤولين مغاربة وإماراتيين.لكن الخلافات تعمقت أكثر بين أبو ظبي والرباط، بعد أن رفضت الأخيرة أن تكون مجرد تابع لها إذ رفضت الانخراط في حلف الإمارات في الأزمة الخليجية و تبنت سياسة الحياد الإيجابي برفضها قطع علاقتها مع دولة قطر، كما انسحبت من التحالف العربي بقيادة السعودية المشارك في حرب اليمن،وتمسكت بالاعتراف بالحكومة الوفاق في ليبيا التي انبثقت من اتفاق الصخيرات بالمغرب تحت رعاية الأمم المتحدة و رفضت الانسياق وراء الانحياز والدعم الإماراتي السخي للجنرال المتمرد خليفة حفتر .وكل هذا ينسجم مع السياسة التي تتبعها المملكة المغربية القائمة على حسن الجوار واحترام المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها الدبلوماسية الخارجية المغربية خصوصًا الموقف من قضية الصحراء المغربية، والابتعاد عن الشؤون الداخلية، واحترام استقلالية القرار المغربي مع مراعاة مصالح المملكة الأساسية في المنطقة، على أساس من التوازن ومن دون طموح للهيمنة. .وهو ما يفسر التوترات التي تبرز بين الفينة والأخرى نتيجة لغياب الأسس الذي تقوم عليها الدبلوماسية المغربية في علاقتها مع الإمارات المتمثل بالتنسيق والتشاور الثنائي قبل اتخاذ مواقف وقرارات على المستوى العربي والإقليمي والقضايا الدولية، ورغبة من الطرف الأخر في فرض وصايته والهيمنة على العلاقات الثنائية. ومحاولاته المتكررة التدخل في الشأن الداخلي المغربي من جهة، لاسيما في عدائه مع الإسلاميين “حزب العدالة والتنمية” وحربها على نموذج التدين المغربي في أوروبا وغرب إفريقيا، كما ارتبطت بالتحولات التي طرأت في السياسة الخارجية خاصة فيما يخص الموقف من صفقة القرن والأزمة الليبية والأزمة الخليجية والانسحاب من التحالف في حرب اليمن من جهة ثانية. فقد كان المغرب دائمًا يسعى للإقامة علاقات متوازنة مع جميع أشقائه من دول الخليج العربي .

الجزائر: حراك شعبي يرفض التدخلات الإماراتية

كان الاقتصاد الطريق السهل الذي دخلت منه الإمارات إلى الجزائر، من خلال السيطرة على منشآتها الاستراتيجية المهمة؛ كالموانئ والمصانع والتحكم فيها من خلال عقود تمت خلال حكم بوتفليقة،وهذا ما جعل الجزائريين في خضم حراكهم الشعبي و انتفاضتهم ضد نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة يتخوفون ويعارضون التدخل الإماراتي في الشؤون الداخلية لبلادهم خلال الحراك عبر اللافتات التي رفعوها في الاحتجاجات، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي عكست مطالب المتظاهرين في بقاء الإمارات بعيداً عن التأثير في الحراك. فالإمارات تحتكر ميناء الجزائر العاصمة من خلال شركة “موانئ دبي العالمية”، إذ تحصل على 70% من موارد الميناء؛ وهو ما دفع الجزائريين بعد انتهاء حكم بوتفليقة إلى استرجاعها.حيث يأمل كثير من الجزائريين أن تمثل احتجاجاتهم السلمية معبرا نحو نظام جديد ديمقراطيي وأكثر حرية وتقدمي، يخشون في الوقت نفسه أن من التدخلات الخارجية خصوصا من “فرنسا” و”الإمارات” من أنهما يخططان في السر لإلحاق بلد المليون شهيد بقائمة الدول التابعة لهما و المنخرطة في سياساتها وتوجهاتها.

موريتانيا: تغريد خارج السرب

عكس جيرانها من دول المغرب الكبير التي نأت بنفسها عن سياسة المحاور المتصارعة في الاقليم العربي والإسلامي انخرطت موريتانيا في الأزمة الخليجية بانحيازها لحلف الدول المقاطعة أو المحاصرة لدولة قطر فقد تجلى في القرار الموريتاني من خلال مقاطعة “نواكشوط” ل “الدوحة” تضامنا مع الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، دون أن يكون هناك سبب بارز للخلاف بين الدولتين. ولم يقف الموقف الموريتاني الرّسمي عند هذا الحد، بل أفادت تقارير اعلامية أن وزير الخارجية الموريتاني إسلكو ولد أحمد إزيد بيه ونظيره المصري سامح شكري، استماتا خلال القمة الإفريقية المنعقدة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا الإثنين الثالث من يوليو (تموز) 2017، من أجل الخروج بموقف إفريقي معلن يدعم الحصار المفروض على دولة قطر دون أن ينجحوا في ذلك. تعتبر موريتانيا من أفقر الدول من ناحية الثروات ضمن دول “المغرب الكبير” لعدم امتلاكها ثروات نفطية مثل الجزائر وليبيا، ولا قطاعا سياحيا مدرا للثروة على غرار المغرب وتونس، مما يجعل حاجتها لمساعدات خارجية أشد.وهو ما جعل الإمارات تستغل حاجتها (لمساعدات نقدية ، وموارد مالية) من خلال التوقيع على اتفاقيات ضخمة مع موريتانيا أبرزها ضخ ملياري دولار في البنوك الموريتانية وهذا حسب أرقام رسمية محلية (لسنة 2018) ،رقم ضخم بالنسبة لدولة لا يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي 5.24 مليار دولار .و قد تحدثت وسائل إعلام موريتانية عن تنازل نواكشوط عن تسيير مطارها بالعاصمة وهو المنفذ الجوي الدولي الوحيد لموريتانيا لصالح شركة إماراتية، و أيضا محادثات بشأن تحديث مطار عسكري موريتاني على الحدود مع الجزائر وهو ما نفته السلطات الموريتانية في وقت لاحق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *