وجهة نظر

هل البرلمان ضرورة ملحة، أم مجرد واجهة فقط؟

صرح مشيشي العلمي الإدريسي وزير العدل الأسبق في حوار صحفي لجريدة المساء بالعدد الصادر في 30 و 31 ديسمبر 1919 بركن “كرسي الاعتراف” في يخص إلغاء ظهير “كل ما من شأنه”:

هذا العبد الفقير لله هو الذي استطاع أن يلغي هذا الظهير في وقت كان فيه النقاش محتدما في البرلمان، حيث تم تقديم اقتراح بالتعديل، وكنت أعرف بأن المناقشة سوف تصل إلى ما شاءت أن تصل إليه، لكن سيتم في نهاية المطاف التصويت ضد هذا التعديل، لأن الأغلبية البرلمانية كانت ضده.

فسأله الصحفي: وماذا فعلت لتجاوز هذا الاحتمال؟

جواب مشيشي العلمي: طلبت لقاء الملك الحسن الثاني، رحمه الله، فاستقبلني بحضور المرحوم أحمد رضا اكديرة، والمرحوم مولاي أحمد العلوي، والمرحوم الجنرال القادري، والجنرال بنسليمان إضافة إلى شخصية أخرى لا أتذكرها. وكان الاستقبال في قصر الصخيرات، وقد أخبرت الملك بالنقاش الدائر في البرلمان، والتمست منه أن يصدر أمره إلى وزيره بأن يقبل المقترح ويلغي ظهير “كل ما من شأنه”، فسأني عن الأسباب الداعية إلى إلغائه.

ففسرت له رغبتي في إلغائه وأسباب وظروف نزوله وكيفية دخوله إلى المغرب.

فاقتنع الحسن الثاني بكلامي وقال لي ألغه، فقبلت يده وانصرفت.

وحين ذهبت إلى البرلمان. كان اجتماع اللجنة محتدما حول موضوع ذلك الظهير.

فدخلت عليهم وأوقفت النقاشات داخل اللجنة، وقلت للحاضرين إن الملك الحسن الثاني حسم الموضوع ووضع حدا لنقاشكم، وأذن بإلغاء الظهير.

سؤال للصحافي: وكيف كان رد فعل البرلمانيين؟

جواب مشيشي العلمي: بطبيعة الحال تصرف العديد منهم (كالأبواق) مدعين بأنهم انتصروا ونجحوا في إلغاء “ظهير كل ما من شأنه” فيما كنت أنا أبتسم لأنني أعرف الحقيقة. إذ خلال ما يزيد عن ثلاثين عاما كانوا يناضلون من أجل إلغاء هذا الظهير، لكن (أحدا منهم لم يستطع إلغائه).

وبالرجوع إلى تاريخ إصدار هذا الظهير. بعد أن استوطنت سلطات الحماية بالمغرب، أصدرت يوم 29 يونيو 1935 ظهير يتعلق “بزجر المظاهرات المخالفة للنظام العام والمس بالاحترام الواجب للسلطة”. والذي كان معروفا بظهير “كل ما من شأنه”، وقد نشر بالجريدة الرسمية عدد 1188 بتاريخ 2 غشت 1935.

وقد نص هذا الظهير: على عقوبة ما بين ثلاثة أشهر وسنتين سجنا، كما يمكن أن يمنع من وظيفته من خمس إلى عشر سنوات: “كل من يحرض بأي محل كان وبأية واسطة على المقاومة الفعالة والهادئة (أي أظهر مجرد معارضة ولم يمتثل للأوامر)، لإجراء العمل بالقوانين أو القرارات أو الضوابط أو الأوامر الصادرة عن السلطة العمومية، وأيضا على “كل من بحث على الإقلاق وتشويش البال أو على المظاهرات، أو كان هو السبب لها، وكل من قامن بعمل محلولا به تعكير صفو النظام العام والسلامة والأمن”.

هذا الظهير الذي كان يجب أن يلغى بعد استقلال المغرب مباشرة، بقي سيفا مسلطا على رقاب العديد من السياسيين والصحفيين والنقابيين والطلبة بمتابعتهم وسجنهم طبقا لمقتضياته.

وفي إطار العمل التشريعي للبرلمانيين، تقدم عبد الكريم غلاب خلال الولاية التشريعية الثالثة 77/83 يتاريخ 9 مايو 1978 باقتراح قانون يرمي لإلغاء ظهير “كل ما من شأنه”، وطيلة المدة التشريعية لهذه الولاية لم يتم إدراج هذا الاقتراح في جدول أعمال المجلس للمصادقة عليه.

ثم تقدم محمد العربي المساري يوم 25 ديسمبر 1984 باقتراح قانون من أجل إلغائه خلال الولاية التشريعية الرابعة 1984/1992. فكان مصيره الإقبار مثل سابقه.

وخلال الولاية التشريعية الخامسة تمت إعادة تقديم هذا الاقتراح القانون بتاريخ 4 يناير 1994 بتوقيع مشترك بين عبد الكريم غلاب ومحمد القباب عن حزب الاستقلال، ومحمد باينة ومصطفى كنعان عن حزب الاتحاد الاشتراكي، وفي جلسة 5 يوليو 1994 تمت المصادقة بالإجماع على إلغائه.

هذا تسلسل عادي في برلمان يقوم بدوره، يقدم الاقتراحات ويصوت ويعارض …

لكن تصريح مشيشي العلمي الموثق بالصحافة الوطنية، والذي لم يتم الرد عليه لا من قبل أي برلماني كان، ولا من قبل أي حزب من الأحزاب سياسية التي تدعي أنها تدافع عن الطبقات الشعبية المحرومة، والوقوف في وجه أصحاب القرار ومواجهتهم بقدر كبير من النضال والتضحية ونكران الذات.

في هذه النازلة، يبقى التساؤل المنطقي: هو “ما معنى تواجد برلمان بغرفتين في الأصل، والذي ترصد له ميزانيات تقدر بمليارات السنتيمات. فإذا كانت هكذا تسير الأمور على باقي النصوص التي يصادق عليها البرلمان، نتساءل هل وجود البرلمان ضرورة حتمية، أم ما هو إلا ترف، وواجهة فقط؟؟؟

*عبد الحي بنيس: رئيس المركز المغربي لحفظ ذاكرة البرلمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *