وجهة نظر

عندما تنكر الخليفة الموحدي المامون للعقيدة التومرتية المهداوية

دخلت الدولة الموحدية مرحلة التصدع والضعف بعد وفاة الخليفة يوسف بن يعقوب المنصور، ومبايعة إبنه الناصر الذي فشل فشلاً ذريعاً في جهاده بالأندلس وتلقى هزيمة نكراء في معركة العقاب أمام إئتلاف مسيحي، لم يلبث معها أن عاد إلى مدينة مراكش ليقضي فيها عاماً من الخمول وحياة المجون محتجباً عن الناس إلى أن توفي في شهر شعبان من ستة 609 ه/1212م، وهو في السابعة والثلاثين من عمره وإختلف المؤرخون في سبب وفاته وظروفها فمن قائل بأنه مات مسموماً أو قتل عرضاً على أيدي عبيده أو توفي بسبب عضة كلب أو في نوبة صرع.

لجأ شيوخ الموحدين بعد ذلك إلى مبايعة إبنه المستنصر الذي لم يتجاوز السادسة عشر من عمره وكان هو الأخر مولعاً بالملذات، حيث لم يبرح مراكش منذ بيعته رغم ماكان يتطلبه الوضع من حزم في ضبط الإمبراطورية التي بدأت تتداعى بسبب نشاط الحركات المناوئة للموحدين كبنو غانية وظهور المرنيين في المنطقة الشرقية للمغرب الأقصى وإستغلال المسيحيين أوضاع الأندلس بعد هزيمة العقاب، لتحقيق مكاسب على الأرض. إلا أن حداثة سن الخليفة وإستغلال شيوخ الموحدين ذلك للإنفراد بتسيير شؤون الإمبراطورية وقوة حركة المرنيين أضعفت من هيبة الخليفة الصغير الذي تولى الحكم في فترة عرفتها فيها الإمبراطورية الموحدية تحولات عميقة ستساهم في إنهيار المشروع السياسي الوحدوي للمهدي بن تومرت وخليفته عبدالمومن الكومي. حيث وفي سنة 620ه /1224 توفي الخليفة المستنصر فجأة بسبب ضربة بقرة بقرنها لأنه كان مولعاً بتربية الأبقار والخيول كما ذكر إبن عذاري .

دخلت الإمبراطورية الموحدية بعد وفاة المستنصر في فوضى عارمة وبدأت وحدة الشمال الإفريقي تتقوض…عمل أشياخ الموحدين على بيعة الخليفة عبدالواحد الملقب بالمخلوع وعمره فاق الستين، لاطموح له في الخلافة قبل أن يتم قتله ومبايعة العادل الذي كان مصيره كسابقه، وتم إغتياله بمراكش.

تمت بعد ذلك مبايعة أبوالعلاء إدريس الملقب بالمأمون الذي إعتمد على مساعدة المسيحيين بإشبيلية مقابل تنازله لهم عن عدة حصون بالأندلس، وفرضوا عليه بناء كنيسة للجنود النصارى بمدينة مراكش يسمح لهم بممارسة ديانتهم فيها بدون قيد مع ما في ذلك من مخالفة للدين الإسلامي.

في نفس السياق المرتبط بالتراجعات التي دشنها الخليفة الموحدي المأمون أعلن مجموعة من المراجعات للعقيدة المهدوية والأسس الدعوية التي بنيت عليها الدولة الموحدية حيث ذكر إبن عذاري أن المامون عندما بايعه الموحدون كافة صعد إلى منبر جامع المنصور وخطب فيهم قائلا: أيها الناس لا تدعوه بالمهدي المعصوم ،وادعوه بالغوي المذموم…فإنه لا معصوم إلا الأنبياء،ولا مهدي إلا عيسى … وأنا قد نبدنا أمره النحيس …وهكذا أمر المأمون القطع مع سيرة المهدي وبدعه التي إبتدعها للموحدين ،وإسقاط إسمه من الخطبة والدنانير والدراهم…

وفي الحلل الموشية جاء أنه ذكر في كتبه التي بعثها إلى الفقهاء والعمال ” ولتعلموا أننا نبدنا الباطل واظهرنا الحق ،وأن لا مهدي إلا عيسى بن مريم …وتلك بدعة قد أزلناها…وقد أزلنا لفظ العصمة عمن لا تثبت له عصمة …” إلى غير ذلك مما أشار إليه إبن عذاري … إلا أن المؤرخين لم يذكروا أسباب هذه المراجعة هل هي مرتبطة بقناعة شخصية للمامون ومحاولة تنفيذ ما كان والده يخطط له وفشل فيه،أم أنها مرتبطة برغبته في الظهور بمظهر المصلح خصوصاً وأنه ولد وعاش في الأندلس وتأثر بأفكارهم وإعتدالهم.

بيد أن أوضاع الإمبراطورية إزدادت تأزماً بعد ذلك، وبدأت في الإنهيار والتفكك خصوصاً وأن ما كانت تقوم عليه قد تداعى هو الأخر بعد إنكار المامون للمهدي وعصمته، فكان هذا الإعلان سبباً في غضب أشياخ الموحدين المتشبتين بعقيدة المهدي وفي تصدع الإمبراطورية بعدما إستمر والي إفريقية في الدعوة للمهدي وأسقط إسم المامون من الخطبة .

المصادر:
* الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية، مؤلف مجهول .
* البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب لإبن عذاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *