وجهة نظر

لماذا التفكير في التربية؟

قد تعترض ايها القارئ على سؤالنا لكونه سؤال بديهيا بل ولا يحتاج منا ان نطرحه اصلا. فالتربية في نظرك فعل يومي نقوم به كآباء في المنازل وكأساتذة في المدارس. وكل مكان له تربيته الخاصة المحددة سلفا وبذلك فلسنا بحاجة لطرح السؤال عن التربية. فلا احد يطرح سؤال عن كيفية تربية ابناءه بقدر انه يطرح سؤال عن مصاريف حاجياتهم. فالكل مؤهل لكي يصبح ابا ومربيا انطلاقا من هذا التصور. لكن هل حقا يستحق كل انسان قادر على الإنجاب ان يصير مربيا؟

هنا نستحضر عبارة المغني البلجيكي الشاب stromae حين قال “الكل يعرف كيف ينجب الأبناء لكن لا احد يعرف كيف يصنع الآباء”. هذه العبارة البليغة من اغنية شبابية معاصرة يتغنى بها جيل اليوم تحمل في طياتها الكثير من المعاني. فالتربية فن وعلم يحتاج منا الكثير من التبصر فكثيرة هي الأخطاء التي نقوم بها كاباء وأمهات ومعلمين وأساتذة عن حسن نية لكنها في نهاية المطاف تقدم نتائج عكسية وقد تصير كارثية.

نفس الشيء بالنسبة لمهن التربية والتعليم فهل يحق لأي انسان ان يكون أستاذا وهل يكفي ان يحفظ مجموعة من الأسطر حول البيداغوجية والديداكتيك ليصبح بعد استعراضها بطريقة ببغاوية معلما وأستاذ و مسؤولا عن تربية اجيال بالآلاف؟

في ثقافتنا المتداولة الشعبية والتي تحمل في طياتها كثيرا من المسلمات التي نؤمن بها دون نقد او تمحيص نجد عبارة خطيرة تتداول بين المربيين كأمهات وآباء واساتذة ومعلمين. اذ تقول العبارة “المربي من عند ربي” بمعنى ان الإنسان الحاصل على درجة ن التربية و الرقي قد جاء من السماء كذلك.

وهنا تتبادر الى ذهننا بعض الأسئلة حول هذه العبارة, عن أي تربية يتحدث القائل بها؟ وكيف يمكن للسماء ان تربي؟ فهل هناك مدارس ودور تربية في السماء حيث ينتظر المولود موعده للقدوم الى الأرض؟

لعل الجواب الذي ستتوافق فيه معي ايها القارئ هو ان العبارة تقصد تربية الدروشة و الطاعة بمعنى ان المربي في نظر ثقافتنا الشعبية هو الذي تغيب عن معجمه كلمة لا ويعجز عن التعبير عن رأيه لسبب بسيط وهو انه لا رأي له فدائما ما تجده مطبقا ومنفذا لكلام مربيه كآباء وأمهات وكمعلمين وأساتذة. وبهذا فيمكننا ان نترجم العبارة المغربية القائلة بأن المربي من عند ربي للقول بأن هذا الشخص عبد مطيع وديع لا يعارض ولا ينتقد ولكنه ينفذ فقط. ان هذه النتيجة تتوافق في شق كبير منها مع بعض من تراثنا الفقهي والذي يبارك الإيمان والإستسلام في كثير من الأحيان وينبذ الشك وكثرة طرح السؤال والتعبير عن الرفض في كثير من المواضيع.

هناك قاعدة تربوية مغربية متداولة بكثرة تؤيد تحليلنا والقائلة ” متردش عليا لهدرة” وهذا الأمر بعدم المناقشة هو أمر متداول وشائع ومتفق عليه لدرجة انه يعتبر من البديهيات. فكل من تقلد منصب المربي يرفض بشكل قاطع ان يستمع لرأي ذلك الذي يتم تربيته وهنا استغرب حقيقة وانا الممارس للفعل التربوي بإعتباري استاذا كيف يمكن ان اعلم الطفل والمراهق ادوات النقاش والتحليل والنقد و انا احرمه حق التعبير عن رأيه واعتبره جرما اخلاقيا. ألا يفترض الحوار بين طرفين الإستماع لرأي الطرفين معا دون الحاجة الى اسكات طرف دون الآخر وان الشرط الأساس لكل حوار يتجلى في إحترام الحق في التعبير عن الرأي؟ ألا يمكن اعتبار ان التمرن على التعبير عن الرأي هو تمرن عن الإستقلالية وبناء الشخصية؟

ان طرحنا لسؤال لماذا التفكير في التربية؟ هو بمثابة نقد ورفض للمسلمات التربوية المغربية والتي تجعل من التربية مرادفة للطاعة و الإستسلام وتنفيذ اوامر المربيين. وهكذا نطرح السؤال بطريقة اخرى فنقول هل حقا نريد تربية للقطيع؟ جوابنا الذي ينهل من تصور تقدمي يرفض بشكل كلي هذا النمط التربوي ويعتبره السبب الرئيس في تخلفنا. بذلك فمهمتنا تقوم اولا على البحث في البديهيات المتسترة خلف المقولات الشعبية المتداولة والمقدمات المنطقية المسلم بها وتراثنا السلفي الإخواني وذلك بغية تحويل البديهي الى موضوع للتفكير عن طريق ادخاله في طاولة الشك الديكارتي في افق امتحانه بمطرقة النقد. بعد اخراج البديهي من حالة الحقيقة الى حالة الشك يلزمنا ان نقسم ونجزئ الموضوع المدروس و نتسائل عن التربية في البيت والأسرة وعن شكلها, و في المدرسة والجامعات, وعن تأثير الإعلام والمنتجات الفنية من اعمال سينمائية ومسلسلات عالمية و ألعاب رقمية في تربيتنا لأبناءنا.

تقوم مسلماتنا التربوية والتي تجعل من الطاعة افقا لها على منطق العنف. اذ يعتبر مجموعة من المربيين على ان الحل الأمثل لكل المشاكل التربوية يتجلى في استخدام العصى بل ان هناك مثلا شعبيا يقول “العصا خرجت من الجنة” بمعنى انها فعل مبارك يساعد في تقويم الإعوجاج. بل واننا نجد تحصرا كبيرا لدى مجموعة من المربيين كآباء او معلمين على غياب استخدام العنف في المدارس والمنازل ويقدمون في ذلك حجتهم بكون العنف في ما مضى كان ذاجدوى اذ يقولون بتحصر بالغ على ان الجيل الذهبي قد تلقى تربيته بواسطة العصى لذلك اعطى جيلا من الأباء والمهندسين اما الآن وبسبب تنامي الوعي بحقوق الإنسان وحقوق الطفل والتوجيهات المتعددة من طرف المختصين بضرورة تجب العنف, كل هذا قد سبب الكثير من الإنفلاتات الأخلاقية والتي اعطت ظواهر متعددة كظاهرة التشرميل وظاهرة الشذوذ وظاهرة الفساد الى اخره من الظواهر السلبية. غير اننا سنطرح السؤال هل التربية القائة على العنف هل هي تربية صالحة للإنسان ام ترويض صالح للحيوانات والعبيد؟ بمعنى هل يمكن لك ان تربي دون ان تحمل سوطا في يدك؟ ام ان تربيتك قائمة على عامل الخوف والرهبة من اجل احترام هيبة تعتقد انك

تستحقها فقط لكونك مربي؟

* استاذ فلسفة وباحث تربوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • Youssef Touate
    منذ شهرين

    موضوعك جيد يمكن إغنائه بزوايا متعددة من النظر استسمحك على بعض العبارات ممكن جاءت على غير قصد مواضيع :أظن تجمع على موضوعات أفصح كذلك كلمة عصا بالألف ممدودة اولى من عصى لأن هذه الألف أصلها واو التربية في الإسلام لا بد وأن تتصل بالأخلاق الإسلامية يقول النبي صلى الله عليه وسلم ما كان اللين في شيء إلا زانه وما كان العنف في شيء إلا شأنه . ومن يكن راحما. فليقسو أحيانا على من يرحم لا بد وأن يعلم كل اب أو أم أو مربي سواء معلم أو مدرس أن كل شخص يحتاج إلى أسلوب خاص ووقت لعلاج بعض التعثرات أو تنمية قدرات أو مهارات معينة لا بد من الحوار والتواصل البناء وهذا ما قد أشرت إليه مشكورا تحياتي