منتدى العمق

مسؤولية وإيجابية وتضامن لعل فرحة العيد تكتمل

من المؤكد أن تدبير بلادنا لجائحة كورونا، بصم على أداء مشرف لبعض القطاعات الحكومية، وكشف غيابا كليا لأخرى كانت طبيعة مهامها تقتضي تواجدها في الصفوف الأولية للمعركة، دعما وتواصلا وتأطيرا، إلا أنها أخلفت الموعد مع الوطن ومع التاريخ.

ولعل من بين أربع أو خمس قطاعات سجلت حضورا إيجابيا شهد به المواطنون ومتتبعو تدبير الشأن العام، تميزت وزارة الداخلية في مناسبات عديدة وأظهرت مصالحها يقظة عالية وقدرة كبيرة على متابعة وتدبير مختلف الجوانب المرتبطة بتداعيات الأزمة الوبائية، مع الحرص على التواصل وعدم ترك أي فراغ في التأطير الميداني بمجموع التراب الوطني، واعتماد أشكال تدبيرية ترتكز على القرب والمواكبة والتفاعلية، والانضباط للقانون في تنفيذ مقتضيات حالة الطوارئ الصحية، سواء أثناء الحجر الصحي أوخلال التنزيل التدريجي لرفعه. وحتى عندما سجلت بعض الحالات القليلة التي استدعت الانتقاد، فإن المتتبعين أقروا بكونها كانت معزولة جدا، واكبتها إجراءات تأديبية صارمة جعلت تلك الحالات، استثناءات تأكد القاعدة العامة للأداء الإيجابي والمسؤول.

ومن الأمثلة التي تلقاها المواطنون بارتياح كبير، ما تم قبل أيام قليلة، في أزيد من 30 عمالة وإقليم، من إجراءات استهدفت بصرامة أزيد من 500 شركة ومؤسسة خاصة لم تحترم إجراءات الوقاية ضد الفيروس، ولم توفر الحماية لمستخدميها ضد الإصابة بالعدوى، وغامرت بخطر نشوء بؤر وبائية مهنية تهدد سلامة المواطنين بشكل عام.

أما آخر الأمثلة هوما أعلنت عنه وزارة الداخلية، يوم الجمعة، من تدابير خاصة لتنظيم عملية ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى، بغرض منع تفشي العدوى وضمان الظروف الملائمة ليمر العيد في التزام تام بالتدابير الصحية والوقائية المعتمدة.

في هذا الصدد، أوضح بلاغ صادر عن وزارة الداخلية أن هذه الأخيرة ستسلم عبر السلطات المحلية، للجزارين المهنيين وللأشخاص الموسميين المزاولين لعملية الذبح بمناسبة العيد، رخصا تؤهلهم لممارسة هذه الشعيرة الدينية. وأن هؤلاء سيخضعون لاختبارات الكشف عن فيروس كوفيد 19، بتنسيق مع مصالح الصحة العمومية، وسيتم تزويدهم بالأدوات والمواد الكفيلة بضمان احترام الإجراءات الوقائية المعمول بها، من كمامات وأقنعة واقية، ومواد مضادة للفيروسات، ومحاليل معقمة. وحتى تحقق هذه العملية كامل أهدافها، دعت الوزارة المواطنين إلى التعامل بشكل حصري مع الحاملين لرخص السلطات المحلية، وعدم اللجوء إلى أي شخص غير متوفر عليها، حفاظا على صحتهم وسلامتهم من خطر العدوى.

بكل تأكيد، إن اعتماد هذه الإجراءات، خلال أسبوع واحد، من طرف وزارة الداخلية، بغرض تدبير ملفين ثقيلين ومحفوفين بتبعات كثيرة وحساسة، كان موفقا للغاية وجدد التأكيد على الاستباقية والتفاعلية والمسؤولية التي ميزت هذا القطاع. وهي ركائز ثلاثة لحكامة جيدة يجب أن نذكرها بتقدير، وعلى المواطنين أن يلتقطوا الإشارة والمغزى منها، وأن يتعاطوا معها بإيجابية كبيرة حتى تنجح هذه الدينامية التدبيرية، وحتى يتمدد هذا الأسلوب الصارم، وحتى تستمر هذه الروح الإيجابية المسؤولة.

وفي نفس منطق التعاطي الإيجابي، أعتقد أن سياق العيد، هذه السنة، يستلزم أن نقارب موضوع الحديث عن الأضحية بشكل أكبر وأشمل، عبر تذكير الناس بقاعدة شرعية واضحة هي أن هذا النسك المبارك العظيم، الذي نحتفل به كل عام تأسيا بالسنة الإبراهيمية، يمكن من الناحية الشرعية تعطيل إحياءه من طرف الإمام، إذا تبين وجود ما يعرض الإنسان لخطر مؤكد على سلامته، من منطلق أن حفظ النفس سابق على كل شيء في ديننا الحنيف. وبالتالي، على الناس أن يعتبروا أن إحياء شعيرة عيد الأضحى في الظروف الراهنة، هو بدون شك دليل ثقة ومراهنة على روح المسؤولية لدى المواطنين، واطمئنان إلى أنه سيكون واضحا في أذهان الجميع، أن ذبح الأضحية لن يقدم عليه إلا من استوفى كافة شروط الوقاية الصحية من خطر الوباء، وضمن الالتزام التام لكل أفراد أسرته وجيرانه، بالإجراءات الاحترازية الوقائية من الفيروس.

كما يستلزم نفس السياق الاستثنائي، اعتبار الأزمة الاجتماعية التي سقطت في شباكها أسر كثيرة، مناسبة تفرض أخلاقيا التفكير في كيف نجتهد، هذه السنة أكثر من سابقاتها، في جعل مناسبة عيد الأضحى المبارك فرصة لتدوير مالي مهم يحقق أعلى عائد اقتصادي، وأقوى عائد اجتماعي وإنساني، في نفس الوقت.

أما العائد الاقتصادي، وهومهم للغاية، عليه أن يكون موجها لفائدة الفلاحين، خاصة الصغار منهم، الذين هم في حاجة إلى بيع ماشية تعبوا في تربيتها وأنفقوا كثيرا في إعدادها لهذه المناسبة، خصوصا بعد معاناتهم من فترة الحجر الصحي التي تراجع فيها الدخل بسبب ضعف الدورة الإنتاجية، والمعاناة من أثر جفاف قلص مدخولهم بشكل كبير هذا الموسم.

وأما العائد الاجتماعي والإنساني، وهو لا يقل أهمية عن سابقه، فيجب أن يكون موجها لفائدة الأسر الفقيرة، والأسر التي تعيش وضعية هشاشة مرحلية بعد توقف مصدر رزق معيلها إثر توقف نشاطه في القطاع المهيكل، أو القطاع غير المهيكل، بسبب الجائحة الوبائية.

ولتحقيق ذلك، نحتاج إلى عملية تضامنية تلقائية يكون شعارها “تقاسم أضحية العيد، أوتقاسم كلفتها مع أسر محتاجة”. بمعنى، أن يقوم كل من يستطيع تأدية هذا النسك العظيم، بتقاسم الجزء الأكبر من أضحية العيد مع أسرة فقيرة، بعد ذبح الأضحية باحترام للإجراءات الوقائية التي تناولها البلاغ المشار إليه أعلاه. أو أن يقوم المرء، بحسب الاستطاعة والقدرة، بتوجيه المبلغ النقدي المخصص لشراء الأضحية، لفائدة أسرتين أو ثلاثة أسر في وضعية هشاشة، أو في ضائقة مالية بسبب فقدان المعيل لعمله.

بذلك ستفرح تلك الأسر بأضحية لم تكن لتتاح لولا هذا التضامن الشعبي الذي تستوجبه قيم هويتنا الأصيلة، والذي يتماشى مع أخلاق تامغربيت القائمة على التآزر في السراء والضراء. وهي نفس الفرحة التي ستحصل إذا ما قررت تلك الأسر توجيه المبلغ المحصل عليه لتغطية ضروريات أخرى كمصاريف دواء أو كراء أو غيره.

بدون شك أنتجت أزمة كورونا مواقف استثنائية ودروسا وعبرا كثيرة، لمن أراد تحقيق الإفادة منها. ولا شك، أيضا، أن من وحي تلك الدروس والعبر ظهرت روح إيجابية، كهاته التي برزت في سلوكات سلطات عمومية مسؤولة، وفي تعاطي مواطنين لا زالوا متشبثين بأن لا تغيب عن واقعنا قيم الخير والإحسان، ومتمسكون بأشياء جميلة كثيرة تعطي للحياة معنى.

وأجزم أنها هي نفس الروح التي علينا إشاعتها حتى تنتشر الرحمة في القلوب، وتهدأ الأنفس من روع ما ألم بها من قلق بسبب هذه الأزمة. والأكيد، بعد ذلك كله، أن بشارة فضل عميم سيشمل الذي سيعطي من أضحيته أومن قيمتها، وسيشمل الذي سيأخذ، وسيشمل وطنا لا زال فيه من يؤدون مسؤولياتهم الوطنية بأمانة وحكمة وتميز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *