وجهة نظر

نقط على الحروف: على هامش دعم صحافة استثنائي في سنة استثنائية

عكس ما جرت به العادة منذ توقيع العقد البرنامج بين الفيدرالية المغربية لناشري الصحف ووزارة الاتصال حينها سنة 2005، قررت تداعيات جائحة كورونا هذه المرّة أن يكون هناك دعم استثنائي رفع المبلغ المرصود للصحافة من 60 مليون درهم إلى 150 مليون درهم، إضافة إلى 55 مليون درهم وزعت على المطابع وشركة توزيع واحدة والإذاعات الخاصة رغم أن هذه الأخيرة لا توجد لا في العقد البرنامج ولا ينص على دعمها القانون الصادر ضمن مدونة الصحافة سنة 2016.

وخصوصية هذا الدعم الاستثنائي أنه سيوزع على مستخدمي المقاولات الصحافية التي أودعت ملفاتها لدى مصالح قطاع الاتصال مباشرة ولمدة ثلاثة أشهر تبتدئ من يوليوز الجاري، كما سيغطي تحملات موردي نفس المقاولات للستة أشهر التي تبتدئ من شهر يناير الماضي وتشمل مصاريف احتضان المواقع الإلكترونية وطباعة الصحف بالأساس، شريطة أن تذهب المبالغ المستحقة مباشرة للموردين.

وقد طرحت هذه الصيغة الاستثنائية الكثير من الصعوبات، بغض النظر عن عدم التشاور حولها مع جميع الفاعلين، ومنها التوازن بين كبريات المؤسسات والمؤسسات الصغرى، واللجوء إلى أسلوب معقد سيصبح فيه الصحافيون يتوصلون بأجورهم من الحكومة في الوقت الذي كانوا سيتوصلون بالأجور ذاتها من مؤسساتهم، بالإضافة إلى عدم احتساب الصحافيين الشرفيين والمتعاقدين والصعوبة البالغة في تحديد لائحة أجور المستخدمين التابعين للعنوان الصحافي المدعوم بالضبط في المجموعات التي تضم أكثر من عنوان أو أكثر من نشاط في شركة واحدة هي نفسها المصدرة للجريدة الورقية أو الإلكترونية.

وإذا كان البعض قد عاد إلى تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الدعم العمومي للصحافة لسنة 2018 فإن هذا الرجوع لم يكن نزيها لأن هذا التقرير نبه بالضبط لاحتكار مجموعات كبرى لجزء كبير من الدعم على حساب المقاولات الصغرى والمتوسطة وقال بالحرف: «كشفت عملية المطابقة بين العناوين الصحفية المستفيدة من الدعم والمقاولات الصحفية الناشرة أن بعض المقاولات تراكم الدعم حسب عدد العناوين الصحفية. ففي سنة 2015، بلغت حصة الدعم الممنوحة لأربع شركات ما مجموعه 13,57 مليون درهم، أي 22٪ من مجموع إصدارات الدعم المباشر. ويكشف هذا المعطى عن احتمال تقلص عدد المستفيدين من إعانات الدولة، علما أن قطاع الصحافة يضم أكثر من 488 عنوانا صحفيا وأكثر من 250 موقعا إعلاميا عاما مرشحة للاستفادة من الدعم».

والذي سيقع مع هذه التجربة هو أن ما نبه له تقرير المجلس الأعلى للحسابات سيستفحل – رغم تدارك بعض الأمور وترسيم شبه سقف وشبه عتبة – بحيث أن خمس مجموعات أو ست مجموعات قد تراكم ما يناهز الخمسين بالمائة من مجموع قيمة الدعم، في الوقت الذي قد لا تصل فيه بعض الصحف الورقية أو الإلكترونية حتى إلى دعمها العادي في زمن لم تكن فيه لا جائحة ولا مبلغ دعم وصل إلى 20 مليار سنتيم.

ولابد من التنبيه أيضا إلى أن الكثير من الكلام عن معايير الدعم لا يستند إلى معطيات موضوعية إذا استحضرنا حسن النية – أما سوء النية فلا علاج لها بالمعطيات – فلا أحد لا طالب بالمساواة ولا طبقها لأن المقاولات تختلف، ولكن كل الاجتهادات منذ إطلاق الدعم العمومي الذي كان حكرا على الصحافة الحزبية من سنة 1987 إلى 2005، عرف الكثير من التغييرات والاجتهادات، توخيا لروح ما جاء في تقرير المجلس الأعلى للحسابات ولم تكن وراءه خلفيات ذاتية ولا إيديولوجية، ما دام أن اللجنة الثنائية منذ إنشائها كانت تضم 13 عضوا يمثلون 3 وزارات وسبعة ناشرين من آفاق مختلفة ومن فيدراليتين للناشرين، وتعاقب على هذا الدعم وزيران «شيوعيان» من التقدم والاشتراكية ووزير «إسلامي» من العدالة والتنمية ووزير حركي ووزيران دستوريان.

وكان حجر الزاوية في الدعم هو تعويض جزء من مصاريف الورق مع تحديد سقف لليوميات من طرف الوزير بنعبد الله، وباتفاق مع هذه اليوميات وإلا كان الدعم في سنواته الأولى سيذهب كله إلى خمسة صحف، ورغم التسقيف وبعد 10 سنوات من التطبيق لاحظنا كيف كانت ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات الآنفة. ومع الوزير خالد الناصري تم تعديل العقد البرنامج بناء على تصنيفات للصحف في ثلاث مجموعات ودائما بناء على أساس الورق، وجاء مصطفى الخلفي ليتوسع الدعم ويشمل لأول مرة الورق والطباعة والموارد البشرية ويرتفع بالنسبة للجميع بنسبة وصلت إلى 30٪ كمعدل، وتلجه لأول مرة الصحافة الإلكترونية التي وضعت شبكة معاييرها جمعية لهذه الصحافة بنفسها، وتم إدخال الدعم إلى القانون، وجاء محمد الأعرج ليصدر مرسوما جديدا للدعم بتركيبة جديدة للجنة الثنائية وبمشروع قرار وزاري مشترك فيه الكثير من التصويبات والتعديلات وانتهى العقد البرنامج.

ولابد أن يفهم الناس أن دعم الصحافة لا يشبه أي دعم آخر حتى بالنسبة للمهن الثقافية الأخرى كالسينما أو التشكيل أو غيرهما، فهذا دعم عبارة عن تعويض لجزء من مصاريف تكون قد أدّتها المقاولة فعليا ولديها فواتيرها، كأن تؤدي المقاولة مليون سنتيم مثلا كمصاريف ورق في 2019 وتتقاضى عنها 10٪ أي 1000 درهم في 2020 بعد التأكد من هذه المصاريف في بيان الحساب الختامي، ولهذا فكل حديث عن حالة تناف أو ما شابه في موضوع دراسة ملفات الدعم هو غير ذي موضوع، خصوصا وأن الأعضاء الممثلين لزملائهم في لجنة الدعم يكونون منتخبين كل سنتين.

إن أي صيغة للدعم ليست قرآنا منزلا، بل هي اجتهاد يمكن أن يتطور بما يخدم القطاع، وعموما هو لا يشكل إلا أقل من 10٪ من رقم المعاملات السنوي للصحافة المغربية، إلا أن الذي سيصيب هذا الإعلام الوطني في مقتل هو هذه المزايدات التي تعتقد أنها تنتصر لطرف على طرف فيما هي تعطي صورة سيئة عن الجميع وتعمق أزمة الثقة بين المجتمع وصحافته.

ففلسفة الدعم هي من أجل دور مجتمعي لابد أن تقوم به الصحافة المدعومة ومن أجل تأثيرها ومهنيتها وعلو كعبها، لا من أجل النزول بموضوع جدي في ظروف جد حرجة إلى الإسفاف والابتذال والافتراء «وقد خاب من افترى».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *