وجهة نظر

 الحر بالغمزة: ديمقراطية الشاي

يحظى الشاي عند المغاربة بطقوس فريدة وعجيبة، وخاصة في الأعراس والمناسبات، إذ لا تخلو  مناسبة من هذا المشروب المفضل، فقد ألفه الناس  حتى صار يجري منهم مجرى الدم، ولا يمكن الاستغناء عنه لدى البعض ولو ليوم واحد، فمفتقده يحس بصداع في الرأس لن تزيله الأودية والمهدئات، بل يزيله فقط كأس شاي “مشحر”.

طقوس الشاي في الأعراس والمناسبات تحظى بعناية بالغة وإعداد خاص. فالساقي  أي “مول الصينية” له مكانة خاصة، ويحظى بتقدير متميز، كما أن له حقوق وعليه واجبات متعارف عليها لدى العام والخاص.

فمن حقوق الساقي:

أن يجلس في أحسن الأماكن، وعلى أوثر الفراش، ويتوسط المجلس.
أن يقدم له إناء الغسيل ليغسل يديه جيدا.
أن تقدم له صينية نقية فاخرة، وكؤوس من النوع الجيد، وبراد مرفوع الهامة، منتصب القامة، وأن تكون الأواني مفرطة في النظافة، كما قال الناظم:
وانتخب الصينية السنية *** من الكؤوس قد غدت ملية

وقد جرى العمل في الكؤوس *** بان تكون عدد الرؤوس

برادها كأنه شيخ غدا *** يملي على الكؤوس منه سندا

وإن يك المدير قد حاز الجمال *** في خلقه وخلقه فهو الكمال

 

أن يعين له مساعد يقوم على خدمته طيلة فترة الشاي، حيث يقوم بالمساعدة في جميع مراحل عملية صنع الشاي من الماء الساخن، ومراقبة البراد على النار، وتوزيع الشاي على الحاضرين وتلبية كل طلبات الساقي الداخلة في مجال اختصاصه.
أن يكون الشاي من النوع الجيد، والسكر من نوع “القالب”، وهذا من معايير الجودة والإتقان.
لا يحق لأحد من الحاضرين أن تمتد يده للبراد، أو يصب الشاي بنفسه، وإلا تعرض لعقوبة مضادة “وهي النزول”، إذ القيادة واحدة، ولا يجوز التدخل في اختصاصات الساقي.
وكما أن للساقي حقوقا  فعليه كذلك واجبات، فمهمة الساقي ليست بالسهلة أو اليسيرة، والجلوس خلف الصينية ليس نزهة، فأدنى الأخطاء يمكن أن يعرض صاحبه “للنزول” وهو الحكم عليه بإقامة وليمة في بيته وعلى حسابه لكل الحاضرين، إذن فالأمر ليس بالبساطة التي يمكن أن نتصورها، فالتشريف الذي يحظى به “الساقي” تصاحبه المراقبة والمحاسبة الصارمةُ، فإن أحسن نال التقدير والشكر الجزيل، وإن أساء فالعاقبة معروفة.

وهذه الواجبات هي:

أن يكون نظيف الثياب، نظيف البدن، وألا يعبث بشعره أو لحيته، أو ينقب عن شيء ما داخل أنفه.
أن يصنع كأسا “مشحرا” له عمامة بيضاء فاقع لونها، تسر الناظرين، وأن تتوفر فيه الحاءات الثلاث للجودة :
“حمر”
“حامي”
“حلو”
وهذه معايير معروفة ومحددة وطنيا ولا تحتاج  لمراقبتها إلا  لفم يتذوقها، فإذا سمعت للألسن  صوتا كالفرقعات، وعبارات الشكر “الله يعطيك الصحة ألساقي” “واني كاس هذا” فاعلم أنه شاي “دايزو لكلام، وإذا كان العكس فاعلم أن الساقي “زركها”.

أن يكفي الشاي الجماعة كاملة: أي أن يكون عدد الكؤوس بعدد أفراد الجماعة، وإن كانت ناقصة طلب من مساعده إحضار المزيد منها، وبالتالي عليه ألا ينسى أحدا، وعلى الكل أن يشرب من “التعميرة” الأولى، وحتى لو اضطر لملء أقل من نصف الكأس، وإذا حدث ونسي أحدا فسيف “النزول” مسلط على رقبته.
ألا يعطي الكأس الثاني لأحد حتى يشرب الجمع كأسهم الأول، وتوضع جميع الكؤوس آنذاك يمكن الزيادة للجميع، لا فرق لدى “الساقي” بين الناس، الجماعة كلها أمامه سواسية، لا اعتبار للون أو سن أو قرابة أو مكانة اجتماعية، كيف يفعل ومنصبه لا يخول له ذلك، ورقابة الجماعة صارمة، وسيف النزول مشهر أمام عينيه.
ألا يبرح مكانه حتى تنتهي جلسة الشاي، إلا لضرورة ملحة، وأن يحرص على إتمام المهمة على أحسن وجه، عبر المراقبة الصارمة للبراد في جميع مراحله.
أن يكون متواضعا غير متعجرف أو متكبر وإلا تعرض لمؤامرة من أقرب الناس إليه وهو مساعده الخاص، حكى لي أحد الأصدقاء أنه كان في وليمة، وكان بها “ساقيا” معتزا فخورا بنفسه، يكثر الطلبات من مساعده بأسلوب جاف ومتعجرف، فقرر المساعد الانتقام، حيث قام أثناء وضعه للبراد على النار بإضافة كمية كبيرة من السكر دون علم الساقي، فلما جاءه بالبراد، وجده أحلى من عسل النحل، فما كان منه إلا أن نظر ذات اليمين وذات الشمال، هل يراه من أحد، فلما لاحظ أن الجمع منشغل عنه، حمل بلغته بين يديه بكل هدوء وفر هاربا… !!! وكيف لا يفر بجلده، وهوو الساقي الذي لا يشق له غبار والذي تتحدث المجالس عن منجزاته الضخمة في مجال الشايي المشحر.
إذن ما رأيكم لو كان  كل مسؤولينا مثل “الساقي” وكل شعبنا مثل “الجماعة”؟ لاشك أن حالنا سيكون أفضل، وإلى ذلكم الحين لكم مني أفضل كأس شاي مشحر.