مجتمع

القاضي الشتيوي: الطابع التقليدي يسيطر على فلسفة النيابة العامة في التعاطي مع الاقتصاد

ناقش نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بميسور أنس الشتيوي، أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في القانون الخاص، حول “دور النيابة العامة في مجال الأعمال حماية النظام العام الاقتصادي”، تحت إشراف الدكتور عبد اللطيف البغيل استاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة.

واعتبر الشتيوي في أطروحته أن “النيابة العامة، باعتبارها جزء لا يتجزأ من المنظومة القضائية، أصبحت ملزمة أكثر من أي وقت آخر بحماية النظام العام الاقتصادي، والعمل على صيانته في إطار سيادة القانون، وحماية حقوق الأفراد والجماعات”، مشيرا إلى أن هذا ما يبرز من خلال وظيفتها الزجرية والوقائية، وهو الدور الذي اصطدم على مستوى التنزيل بعدة عراقيل، تبرز أهمية اختيار الموضوع والتي تتراوح بينالأهمية العلمية، من خلال تسليط الضوء على أكبر قدر ممكن من قوانين الأعمال التي تتدخل فيها النيابة العامة بالرغم من تشعبها وكثرتها، تم الأهمية العملية، التي تتمثل في كونه من المواضيع التي من شأنها مساعدة قضاة النيابة العامة بمحاكم المملكة في تصريف القضايا اليومية ذات الصلة بالنظام العام الاقتصادي، وبمجال المال والأعمال بالخصوص.

ويرى الشتيوي أنه خلافا لما تضمنه قانون التنظيم القضائي الجديد من حذف جهاز النيابة العامة من المحكمة التجارية، وتعويضه بممثل عن النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية ينتدب لهذه المهمة بالمحاكم التجارية، ينبغي التراجع عن هذا المقتضى بسرعة، وإرجاع الأمر إلى ما كان عليه بجعل النيابة العامة بالمحكمة التجارية مستقلة عن نظيرتها بالمحكمة الابتدائية، وتمكينها من وظائف وآليات عمل حقيقية تجعلها مساهمة بحق في حماية النظام العام الاقتصادي عوض الغياب الوظيفي الحالي.

وأشار الباحث إلى جملة من الصعوبات التي واجهت إعداد الأطروحة، منها ما يرتبط بالعامل المتعلق بعدم مواكبة المراجع التي تناولت بعض جزئيات، وعناصر الموضوع، للمستجدات القانونية، ومنها ما له علاقة بتشعب مهام النيابة العامة في هذا المجال، وصعوبة حصرها ضمن منهجية البحث والوقوف عند جميع الاختصاصات.

وخلص الطالب الباحث، أنس الشتيوي في أطروحته إلى أن أدوار مؤسسة النيابة العامة، عرفت تحولات هامة، من دورها التقليدي، المتسم أساسا بالزجر، إلى الدور الحقوقي، والحداثي المتمثل في حماية الحقوق، والحريات بصرف النظر عن المركز القانوني للفرد سواء كان متهما أم ضحية أم شاهدا.

ويرى الشتيوي في أطروحته أن حماية النيابة العامة للنظام العام الاجتماعي، تعكس وظيفتها التقليدية في إطار تمثيل الحق العام، وحماية الأمن العمومي من مختلف الأفعال التي تشكل خطرا عليه، سواء كانت هذه الأفعال أفعالا عادية، ومألوفة كالقتل، أو الضرب، أو السرقة… أو لها ارتباط بالجانب الاقتصادي، والمالي كجرائم الشركات، والجرائم الجمركية، والضريبية.

من جهة أخرى، أبرز البحث، أن النيابة العامة حتى وإن تعلق الأمر بمجال الاقتصاد، أو مجال المال والأعمال، فإن هذا الطابع التقليدي لازال مسيطرا على فلسفة عملها وآليات اشتغالها، بل حتى الترسانة القانونية والبنية المؤسساتية للنيابة العامة تجعل من تدخلها في هذا المجال تدخلا زجريا لا يختلف في شيء عن تدخلها في القضايا العادية، حيث تبقى الصيغة المعتمدة في تدبير المساطر اليومية المحالة على النيابة العامة بشأن القضايا العادية هي نفسها المتبعة في قضايا الأعمال، إذ لا توجد أية خصوصيات حقيقية، وفعالة ذات إضافة نوعية تشمل هذه المساطر، لتبقى القواعد العامة، ولاسيما المسطرية منها هي المعمول بها في هذا المجال، وهو ما ينطوي-حسب الأطروحة- على خطورة كبيرة لأنه يهدم الفلسفة التي يجب أن تتعامل بها النيابة العامة مع قضايا الأعمال، والتي تقتضي حرصا أكثر حلى حماية المصلحة الاقتصادية بدل التركيز على المتابعة الزجرية بهدف توقيع العقاب على مجرم الأعمال.

وزاد الشتيوي في أطروحته، أنه حتى في إطار القضايا التي لا تتعلق بالنظام العام الاجتماعي، نجد بأن دور النيابة العامة فيها هو دور محدود، ولا يكفي لتوفير حماية ناجعة للنظام العام الاقتصادي، “ومن ذلك مثلا أنه بالنسبة لدور النيابة العامة لدى المحاكم التجارية، نجده مفرغا من أية وظيفة عملية غايتها حماية الاقتصاد، أو تشجيع الاستثمار، بل إنه دور شكلي فقط لا يعطي أية نتائج مفيدة عمليا، مادام أنه مجرد حتى من تحريك الدعوى العمومية فبالأحرى أن تراعي في تحريكها لهذه الدعوى فلسفة حماية النظام العام الاقتصادي لو خولت هذه الصلاحية”.

وأضاف أنه سواء في ظل الوضع الحالي المتسم بتقليص دورها على مستوى المحاكم التجارية، وحصرها في اختصاصات يغلب عليها الطابع الإداري، أو حتى إذا ما خولت سلطة تحريك الدعوى العمومية، فإن الإشكال لن يحل، على اعتبار أنها إذا ما أعطيت هذه الصلاحية سوف تتعامل بنفس المنطق الذي تشتغل به النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية، أي أنها ستعمل الجانب الزجري ذي البعد الاجتماعي وتهمل الجانب الوقائي ذي البعد الاقتصادي.

وتطرق الباحث إلى تدخل النيابة العامة على مستوى المحاكم المالية، خاصة أقسام الجرائم المالية بمحاكم الاستئناف، مبرزا أن تدخلها هذا لا يراعي خصوصية المجرم المالي، ولا يواكب هذا النوع من الجرائم، لا من حيث تقنيات البحث، ولا المتابعة، ولا الإثبات، كما أن هناك بعض القواعد العامة كالتقادم مثلا، لا تنسجم مع طبيعة الإجرام المالي مما يتعين معه إعادة النظر في هذه المقتضيات، على اعتبار أنه لا يعقل أن تبقى للنيابة العامة الوسائل نفسها في التعامل مع كافة القضايا، دونما اعتبار لنوعيتها أو خصوصياتها، لكون النتيجة ستكون هي فقدان المؤسسة لقيمتها في قضايا الأعمال وجعل حضورها فيها محل سؤال.

واختتم الطالب الباحث أنس الشتيوي أطروحته بتقديم مجموعة من التوصيات والحلول التي تهدف الى النهوض بواقع عمل النيابة العامة في مجال المال والأعمال، من قبيل تقوية دور النيابة العامة في المجال الاقتصادي لاسيما في الميدان التجاري، من خلال تكوين قضاة نيابة عامة متخصصين في المادة التجارية، ووضع قاضي النيابة العامة المناسب في المكان المناسب لتخصصه ومجال اشتغاله،وذلك انسجاما مع المستجد الذي طرأ على ظهير التنظيم القضائي المتمثل في حذف النيابة العامة لدى المحاكم التجارية، كما دعا إلى إحداث آليات عمل جديدة لدى النيابات العامة في تصريف القضايا الاقتصادية وتجاوز الوسائل التقليدية المعمول بها في سائر القضايا، والتخفيف من العقوبات الحبسية فيما يخص جرائم الشركات والاكتفاء فقط بالغرامات المالية، ولا بأس في أن تكون قاسية لردع الجناة وبالتالي حماية النظام العام الاقتصادي من الانتهاك.

وأكد الباحث على ضرورة إحداث مدونة خاصة بالجرائم الاقتصادية تفاديا لتشتتها في عدة قوانين أعمال مختلفة، لما فيه من تيسير العمل لقضاة النيابة العامة أثناء دراسة محاضر هذه القضايا، وتفعيل الدور الحقيقي لمراقب الحسابات بجعله عين النيابة العامة داخل الشركة وتخويله صلاحية تبليغها بكافة الخروقات، والجرائم التي تقع داخلها دون أن يشكل ذلك مساسا بواجبه في كتمان السر المهني، وذلك حتى تتمكن النيابة العامة من معرفة ما يدور داخل الشركة التجارية وبالتالي متابعة مجرمي الأعمال وتفادي إفلاتهم من العقاب، مثل ما هو عليه الشأن في فرنسا، بالإضافة إلى تفعيل العقوبات البديلة عن العقوبات الموجودة حاليا في نصوص جرائم الأعمال، لكون التجربة في مختلف الدول المتقدمة أثبتت فعالية هذه البدائل في التخفيف من وطأة هذه الجرائم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *