العمق الرياضي، مجتمع

صلاح.. شاب بدون أرجل تحدى إعاقته وحصل على الإجازة وتألق في الرياضة والمسرح (فيديو)

يمتطي كرسيه المتحرك ذو الأربع عجلات برشاقة مثل الفراشة، مستعينا بلياقة بدنية بناها طيلة تسع سنوات من المداومة على قاعات رياضية متفرقة بين مدينتي بني ملال وأولاد عياد، مدة جعلته يستغني كلما أراد ذلك عن العجلتين الأماميتين للكرسي من أجل استفزاز كل من أراد أن ينقص منه لإعاقته.

لقاء واحد مع صلاح الدين المومني ذو 27 من عمره، كفيل بأن تخرج بقاعدة حياتية تصرخ داخلك بقوة: إذهب إلى حلمك قاصدا تصل حتى إذا كنت بدون قدمين، يكفي أن تكون لديك رغبة جامحة وإرادة قوية تتحدى صعوبات خُلقت لجعلك أقوى وأمتن من أي وقت مضى.

صعوبة الدراسة

لم يقف على قدميه يوما، لكنه وقف أمام اليأس سدا منيعا، وحقق حلم الدراسة وما يزال يثابر للحصول على شهادة الماستر والدكتوراه، يقول صلاح الدين خلال لقائه بجريدة “العمق”: “هذا النجاح الذي وصلت إليه لم يكن عن طريق الصدفة، بل جاء بعد صعاب وعقبات عدة، من بينها نظرة المجتمع وخوف الأسرة”.

يرجع صلاح بذاكرته إلى وقت مضى، ويقول: “أتذكر أول يوم أدخل فيه المدرسة الابتدائية، لكم أن تتخيلوا نظرة التلاميذ لشخص يلج من الباب وهو فوق كرسي متحرك وبدون رجلين”. يتابع حامدا “الحمد لله استطعت أن أتغلب على تلك الصعوبات، لقد كنت أحيانا أضع كرسي الخاص وأثابر وحيدا لأصعد الدرج، وأحيانا أخرى يحملني أصدقائي حتى أصل الفصل”.

وبدون كثير كلام عن تلك المرحلة لأن جل تفكيره منصبٌ حول المستقبل، يضيف صلاح أن رغبته في متابعة الدراسة هي الحافز الذي جعله يواجه نظرة التلاميذ والمجتمع وخوف عائلته من إصابته بمكروه خلال رحلتي الذهاب إلى المدرسة والرجوع منها، ليتوج مساره الدراسي بالحصول على شهادة الإجازة في الجغرافيا ودبلوم في تسيير المقاولات، وكله أمل كي لا يهجر أسوار الجامعة.

حلم رياضي

تألق صلاح الدين المومني رياضيا موازاة مع دراسته الجامعية، إذ يلعب اليوم لصالح فريق نادي أولمبيك أسفي فرع ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد استطاع أن يحصل على الرتبة الثانية في سباق وطني يخص متسابقين بالكراسي المتحركة، رغم أنها أول مشاركة له في مثل هذه المنافسات.

يقول صلاح بكل ثقة “كل إنسان لديه طموح، وأنا حلمي هو حمل علم بلادي عاليا في الألعاب البارالمبية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة”.

ويضيف قائلا “أستطيع أن أقول أن بداية هذا المشوار كان بالصدفة؛ كنا في لقاء بمدينة مراكش مع منظمة “IREX” الأمريكية، أجرينا تداريب مكثفة، خلص عنه انتقاء استطعت أن أحصل فيه على دبلوم يخول لي تدريب ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعليمهم كيفية التعامل مع وضعيتهم”.

وزاد صلاح أن اللقاء أتاح له فرصة للقاء البطل العالمي عز الدين النوري، ابن مدينة آسفي، الذي اقترح عليه الانخراط في نادي أولمبيك آسفي لفرع رياضة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، معتبرا هذا طريقا له نحو العالمية.

فن ومسرح

لقد سبق لإبن بلدية أولاد عياد أن جمعه عمل مسرحي مع الفنانة لطيفة أحرار في المهرجان الوطني للمسرح، هذا العمل الذي تدور فكرته حسب كلام صلاح الدين، حول اكتشاف الذات، محاولا استيعاب إعاقته بتفقد قدميه وسط العرض ومن ثم يقوم بالوقوف على يديه فوق الخشبة واستعمالهم مكان القدمين، كي يوضح للجمهور أنه ليس في حاجة لهم وأن يستطيع فعل أي شيء بدونهما.

كما أنا قام بتصوير فيديو كليبات مع مغنيين محليين بمدينة بني ملال، ويشارك في عروض مسرحية بدور الثقافة وفي الفضاءات العمومية، كان آخرها بدار الثقافة بني ملال مع إحدى الجمعيات الفرنسية قبل انتشار فيروس كورونا في المغرب.

لا للإهتمام المفرط

نبه صلاح الدين إلى كون الاهتمام المفرط الذي يوليه الأباء لأبنائهم ذوي الاحتياجات الخاصة، يخلق لديهم انهزامية كبيرة وعدم تقدير الذات، يوضح المتحدث قائلا: “أي واحد منا يعيش مع شخص معاق يجب أن لا يشعره بالنقص، وأن لا يهتم به أكثر من اللازم”.

كما شدد على الحرص على عدم التمييز في التعامل بين الإخوة في حالة كون أحدهما من ذوي الإعاقة.”لا أخفيكم سعادتي عندما كنت صغير ويهمس أحدهم إلي من أجل إعطائه كأس ماء أو أخرج للتبضع عند بقال الحي”. يضيف صلاح؛ “لا تظنوا أن هذا الأمر عادي، ولا تنقصوا من أهميته في رفع معنويات والثقة لدى الشخص المعاق”.

من جهة أخرى يدعو المتحدث المجتمع المغربي إلى تغيير نظرته للأشخاص المعاقين، واعتبارهم أشخاصا عاديين، وفي حالة عدم التمكن من تشجيعهم وبث روح الإيجابية فيهم، يستحسن تركهم دون إفشالهم. كم حث الجمعيات  المعنية بذوي الإعاقة لتقديم مساعدات “معقولة” للمعاقين، وعدم التركيز على الجانب الاجتماعي لوحده، وجعل المعاق وسيلة للتسول.

وأضاف “يجب على الفاعلين في مجال الإعاقة الارتقاء قليلا عن هذا الوضع، والبحث عن آليات جديدة من شأنها تشجيع الأشخاص المعاقين على العمل وتكوين ذواتهم، مع إبراز نماذج ناجحة لهم من طليعتهم للتشبع من تجاربهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *