وجهة نظر

الإنتحار والإستشهاد.. أية علاقة؟

الإنتحار و الإستشهاد اية علاقة؟ سؤال كهذا سيثير اشمئزاز الكثيرين من القراء وخصوصا الرساليون منهم اي الذي يعتبرون انفسهم حاملي رسالات خلاصية تؤسس لجنة الخلد في الدنيا او في الآخرة. هؤلاء القراء الذي يعيشون حياة مليئة بالواجب سيثورون غضبا حين اقرن الإنتحار بالإستشهاد لكوني في نظرهم ربطت بين المدنس والمقدس بين الكابوس والحلم اي بين السالب والموجب ولا يمكن بشكل منطقي ان تضع المتناقضات في كفة واحدة.

لكن اعذروني كوني اعشق وضع المتناقضات في كفة واحدة ليس لكوني جاهلا بالمنطق او منبئا بميتفيزيقا جديدة تخبركم عن اله رحيم و قاس في نفس الوقت ولكن لكوني انطلق من تصور عبثي تفكيكي يطرح السؤال على كل شيء حتى عن ذاته لتجده عاجزا عن تعريف العبث او تحديد منطلقاته بل يستمتع فقط بان يكون عايثا مفككا يطرح اسئلة اكثر مما يقدم اجوبة ويكسر بمرطقة نيتشه كل المسلمات اكثر مما يبني بأعمدة ديكارت وكانط و محمد ويسوع كل الإيمانيات.

لبدأ التقابل العجيب بين الإنتحار و الإستشهاد ننطلق من وصف العملتين معا على انهما فعل موت تتنتهي عنده الحياة. فالمستشهد والمنتحر هم اموات طبيعيا, غير ان اللغة سمحت لأهل الشهادة ان يزوروا الحقيقة الطبيعية بتجاوزها لماوراء الطبيعة وجعل الشهداء احياء في مكان ما يسمونه الجنة وهناك من يسميه التاريخ. غير ان العبثي الذي يهدم كل الإيمانيات يسخر كثيرا من فكرة لا علاقة لها بالعلم او الواقع وهي كون الشهيد حي والمنتحر ميت بل انهما سيان لان الطبيعة تقول ذلك وليس اساطير معينة تتجاوز الدروس الأولى للمنطق.

اما بالنسبة للنقطة الثانية التي سنقدم مقارنتنا فيها وهي نقطة الغاية من الموت باعتبار ان المنتحر والمستهد يشتركان معا في اختيار الموت لكنهما يختلفان في الغاية من وراء التضيحة بأنفسهما. فالمنتحر يضحي بنفسه من اجل نفسه ام المستشهد فهو يضحي من اجل رسالة تتجاوزه اما ان تكون رسالة دينية او شيوعية او فنية او جنسية, المهم ان تكون رسالة تعد العالمين بتحقيق العالم المنشود- الذي لم يحقق لحد الآن رغم امتلاء الأرض بجثث الشهداء من كل الأطياف-.

لست انتصر للإنتحار لكونه في نهاية المطاق قرار ذاتي لا يستحق المشاورة او النقاش فالمنتحر وهو يضع حدا لحياته لا يسئل هيئة او جماعة من الناس ليعطوه الإذن او ليسمع حكم محكمة معينة. فالمنتحر وهو يضع حدا لحياته يعطي لنفسه الحق المطلق الذي لا يحق لأحد بأن يناقشه فيه في وضع حد لحياة يرى انها لا تستحق ان تعاش. اي ان المنتحر اناني ذاتي يفكر في مصلحته الخاصة و يرى ان خلاصه قائم بموته وبذلك فلا معنى اطلاقا لتبخيس الإنتحار او تحقيره ان كان لا يؤثر او يفسد الفضاء العمومي. انطلاقا من القاعدة الحقوقية والقائلة بأن الحق الفردي مطلق ما لم يمسس الحق الجمعي.

اما تقديس فكرة الإستشهاد و تبرير الرغبة في الموت من خلالها مع العلم ان الرغبة في الموت هي رغبة في الإنتحار, فأظن انها فكرة غريبة جدا وهنا نستحضر رأي راسل في كتابه العلم والدين حين قال انه لا يمكن له ان يضحي بنفسه من اجل فكرة ما قد يكتشف خطئها في يوم من الأيام بمعنى ان الرغبة في الحياة و الإستمتاع بها يتجاوز مستوى الإيمانيات و الشموليات الى مستوى الحياة نفسها والتي تتطلب كثيرا من الجهد و الألم من أجل اقتناص القليل من السعادة و الإبتعاد ما امكن من حالة الشقاء.

فكل الأفكار التي تبجل الموت في سبيلها من اجل الحياة, في عالم منشود اما الجنة بالنسبة للمتدين او التاريخ بالنسبة للمناضل الشيوعي, فهي افكار تجد شهداءها الصادقون اعداء لبعضهم من حيث الفكرة لكن يشبهون بعضهم من حيث الإيمان والصدق والبلاهة. اما المحرضون والذين يرسلونهم الى الجنة وهم قاعدون في الأرض فهم يشتركون من حيث الكذب والخذاع ويصورن انفسهم انهم يختلفون من حيث الأفكار. وهنا نستحضر مشهد الفنان الكبير عادل امام حين قال ساخرا ” انتم تقعدون هنا وانا اذهب هناك الأفضل ان تسبقوني لهناك وانتظركم انا هنا”

ان خلاصة نقاشنا تجعل الإنتحار و الإستشهاد وجهان لعملة واحدة تجعل الرغبة في الموت اقوى من الرغبة في الحياة ولا يسعنا إلا ان نحترم كل من انتحر او إسشهد لكونهم اختاروا الذهاب على البقاء والأفضل ان نقدم لهم النسيان على ان نتذكرهم فلو شاؤوا الذكرى لظلوا معنا هنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *