وجهة نظر

حتى لا تنفجر مفرقعات اليأس بمرافئنا

بالمغرب 2020 هو عام الكورونا، و عام تعميق الأزمات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية المزمنة سلفا.

فهانحن اليوم من بيوتنا، وعلى نفس أجهزتنا التلفزية و هواتفنا الذكية، التي تابعنا من خلالها بكل شغف كالأطفال خطاب عام الكورونا، خطاب العرش للأب الملك، بما له من حمولات رمزية خاصة في سياق استثنائي لم يعرفه العالم ( على المستوى الصحي) منذ عشرينيات القرن الماضي، و ما انُتظر منه و علق عليه من آمال و طموحات، تتجاوز في كثير من المستويات المنافذ التدبيرية و التنظيمية للمؤسسة الملكية (اعتبارا لعدم تفردها كمدبر حصري لا شريك له في الحياة العامة)، وهانحن من نفس زاوية النظر، نسمع و نشاهد تصنيف عاصمة لبنان بيروت مدينة منكوبة جراء انفجار ”رمشت عين” لمفرقعات الأمينيوم التي كانت مخزنة بمرفأ المدينة منذ أزيد من 6 سنوات، وفي انتظار الإعلان عن طبيعة الواقعة، بين فرضية الحدث العرضي أو الحادث الجرمي المفتعل، الذي يزجره القانون الدولي الإنساني، دعونا نلتقط العبر من واقعنا ومن حرارة طيرمومتر الأمن و السلم المجتمعي، علنا نجد في واقعة بيروت المكلومة مثالا صارخا حول خطورة مرض الإهمال و التلافي الذي أصاب مدبري الشأن العام بهذا البلد تطبيقا لقاعدة ( كم من أمور قضيت بتركها ) و الذي صلب شرايين قلب المجتمع و أساسا حتى لا تنفجر مفرقعات اليأس بمرافئنا.

( .. الامر يتعلق بمشروع اجتماعي استراتيجي وطموح، يهم فئات واسعة من المغاربة. فهو أكبر من أن يعكس مجرد برنامج حكومي لولاية واحدة، او رؤية قطاع وزاري، أو فاعل حزبي أو سياسي. ).

هكذا عرف رئيس الدولة في خطاب العرش من الحسيمة 2018 مبادرة إحداث السجل الاجتماعي الموحد كبرنامج لتسجيل الأسر قصد الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، و هو تفاعل رسمي و مؤسساتي مع تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي الصادر في 26 ابريل 2018 حول موضوع الحماية الاجتماعية هذا التقرير الذي يحسم تقديمه مسألة حتمية إعماله بالقول ( .. هذه الوثيقة ليست تقريرا تقنيا ينضاف إلى سلسلة التقارير التي تتناول المؤشرات المتعلقة بمختلف الهيئات التي تتشكل منها منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب، بل انه تقرير يسعى إلى مسائلة بنية الحماية الاجتماعية و تجانسها، ليخلص إلى نتيجة رئيسية مفادها أنه ليس هنالك من وقت لنضيعه…).

فكم من الوقت أضعنا وكم هو حجم التعطيل الذي مس التنمية بالبلد جراء هدر الزمن السياسي و التشريعي في ملف الحماية الاجتماعية ؟

وما هو تجاوب الفاعل السياسي مع تقرير يكتسي هذه الأهمية البالغة قبل أن يكتسي صبغة النطق الملكي ؟

منذ تاريخ 26 ابريل 2018 اعتكفت وزارة الداخلية على إخراج هذا البرنامج الوطني ذي الأهمية القصوى إلى حدود نهاية شهر فبراير من هذه السنة (أي قرابة الثلاث سنوات)، بعدما قدمه السيد الوزير المنتدب في الداخلية بالبرلمان على شكل مشروع قانون رقم 72.18 متعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي و بأحداث الوكالة الوطنية للسجلات.

غير أن ورشا من هذا الحجم لا يمكن أن يعرض على البرلمان من دون أن تسبقه سلسلة من الورشات التشاركية للإنصات لمختلف وجهات نظر المتدخلين في الموضوع، وفي مقدمتهم الفاعل السياسي، وباستثناء الدعوة القبلية لرئيس مجلس المستشارين إلى ضرورة تجميع كل القوانين التي تهم منظومة الحماية الاجتماعية الوطنية في قانون إطار يحدد الضوابط المركزية و الأهداف الإستراتيجية للحماية الاجتماعية بالمغرب إبان ندوة لحزبه في الموضوع بمجلس النواب، ظل النقاش الحزبي حول الموضوع هامشيا إلى حين التبني الملكي للتقرير، غير أن التفاعل المؤسساتي كذلك شابته العديد من الملاحظات الجوهرية، فإعلان اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، عن توصلها بنسختين متناقضتين من مشروع القانون 72.18 من قبل الأمانة للحكومة النسخة الأولى في دجنبر 2018 و النسخة الثانية في يناير 2019 جعل مصير كل جلسات الإنصات و الاستشارة التي قامت بها هذه المؤسسة ولاسيما مع مديرية أنظمة المعلومات و الاتصال بوزارة الداخلية (DSIC)، غير ذي قيمة أو جدوى، بحيث أن مشروع قانون 72.18 مر من المناقشة و المصادقة الأولية بمجلس النواب ثم بمجلس المستشارين بتاريخ 16 يونيو 2020 بدون أن يراعا في إخراجه رأي هذه المؤسسة، وعلاوة على ذلك أشارة نفس المؤسسة التي دقة ناقوس الخطر بخصوص أنظمة الحماية الاجتماعية بالمغرب و التي تبنا تقريرها جلالة الملك، ان مشروع القانون يظل ضعيفا من حيث بنيت حكامته و كيفيات تفعيله و أجرأته و مدى تحقيقه للأهداف الكبرى المرجوة، إذ أن تغييب انجاز دراسة قبلية للأثر بخصوص هذا القانون تطبيقا للقانون التنظيمي المتعلق بتنظيم و تسيير أشغال الحكومة، وكذا تغييب ديباجة تحدد الالتزامات الوطنية و الدولية للمغرب على مستوى منظومة الحماية الاجتماعية و الأهداف الإستراتيجية منه و إغراقه بالإحالات على النصوص التنظيمية وعدم تحديد أجل لصدور هذه النصوص قد يفرغ القانون من أهدافه الأساسية حسب رأي و توصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان، هكذا لم تكن المقاربة المنتهجة في إعداد القانون تشاركية بما فيه الكفاية، غير أن الغريب هو المصادقة بالأغلبية من قبل أعضاء لجنتي الداخلية بالبرلمان و امتناع عضو واحد بمجلس النواب، وهو ما يزيد من اذكاء فرضية تحول البرلمان لملحقة حكومية لتصحيح إمضاء ما أجمعت عليه المجالس الحكومية، بدون تقديم أي نقد بناء و بسحب مختلف التعديلات في الدقائق الحاسمة.

حتى لا تنفجر مفرقعات اليأس بمرافئنا، يجدر بنا أولا أن نعتز بالمبادرة الملكية السامية التي رفضت تحديد أجل سنة 2025 للإطلاق الكلي لهذا المشروع حسب العرض التقديمي لمشروع القانون بالبرلمان و الذي اعلن عن تحديد تاريخ سنة 2021 على الرغم من أنها سنة انتخابية بامتياز لبداية تفعيل التغطية الصحية الإجبارية و التعويضات العائلية و حدد اجل انتهائه في سنة 2023 ومباشرة بعد ذلك تعميم التقاعد و التعويض عن فقدان الشغل و أجل نهاية الورش هو 2025 وهكذا يعطي الملك للطبق السياسية أغلبية و معارضة درسا في معنى و قيمة الزمن السياسي و مخاطر هدره على الأمن و السلم المجتمعي الذي قد يعيش المغرب لا قدر الله منعرجات اجتماعية صعبة الأيام في القادم من الأيام فالفوارق التي جاء الدستور لتقليصها زادة اتساعا فهل من معتبر ؟

* باحث في السياسات العمومية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *