منتدى العمق

كوفيد 19 وتأكيد الحاجة إلى قانون تنظيم عمليات البناء: محاولة في تقريب العلاقة

نتجت عن تفشي وباء كوفيد 19 حالة قانونية جديدة مستجدة أعلنت بموجب المرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في(23 مارس 2020) المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وتلت هذه الوضعية إعلان مجموعة من الإجراءات ذات الطبيعة الاحترازية كفرض الحجر الصحي والحد من التنقل، مما نتج عنه توقف شبه تام لعدة قطاعات، ولم يكن قطاع العقار في معزل عن هذه التأثيرات. ففي بداية الجائحة أعلنت المندوبية السامية للتخطيط، في نتائج البحث الظرفي حول تأثير كوفيد 19 على نشاط المقاولات، توقف ما يقارب 62 في المئة من المقاولات العاملة في مجال البناء، ليتطور بعد ذلك الرقم إلى حوالي 92 في المئة من نشاط مقاولات القطاع وهو ما يؤشر على توقف جل الأنشطة المتعلقة بهذا القطاع.

إن الموضوع الذي نحاول أن نتناوله لا يتعلق بالآثار الاجتماعية والاقتصادية لتوقف البناء الذي أصبحت تداعياته واضحة بشكل جلي ولا نحتاج أن نفرك أعيننا مرتين لنلاحظها، بقدر ما سيقودنا ركود نشاط البناء إلى الحديث عن بعض الجوانب التقنية المتعلقة بمسألة توقف الأوراش البناء نتيجة ظهور وباء كورونا والتأثيرات التقنية المحتملة على جودة ومتانة المنتوج العقاري، خصوصا وأن الخبراء في هذا الميدان يؤكدون على عدم توقف عملية البناء بصفة مستمرة لمدة معينة يتوقع أن تؤثر على جودة المباني، لا سيما وقد بينت نتائج البحث الثاني حول تأثير كوفيد 19 على نشاط المقاولات، المنجزة في يوليوز 2020، أن حوالي 15 في المئة من المقاولات التي لم تستأنف نشاطها بعد.

وفي ظل عدم توفر المغرب على قانون خاص ينظم البناء من الناحية التقنية كما هو معمول به في مجموعة من التجارب الدولية، فإنه يضعف ضمانات الحصول على رأسمال عقاري يتميز بالاستدامة والجودة المطلوبة، ولا يضمن تقوية الثقة في المنتوج العقاري وضمان سلامة الأفراد والممتلكات.

وفي هذا الصدد، قامت الأمانة العامة للحكومة بنشر مشروع قانون رقم 29.18 يتعلق بتنظيم عمليات البناء على موقعها الإلكتروني بتاريخ 18 ديسمبر 2019 لمدة ثلاثين (30) يوما والذي تم إعداده من قبل القطاع الوزاري الوصي، وهو مشروع يشكل نقلة نوعية في التقعيد القانوني لهذا المجال من أجل ضمان السلامة والجودة والاستدامة داخل أوراش البناء، وتحديد مسؤوليات كل المتدخلين وتدقيق مهامهم مما يسهل عملية ترتيب المسؤوليات، وإقرار عمليات للمراقبة متخصصة تتماشى مع المعطيات التقنية المتعلقة بالبناء ومواكبة التحولات المستمرة المرتبطة بالإبداع والابتكار في مجال البناء.

ومن بين المقتضيات المثيرة للاهتمام التي يتضمنها هذا المشروع والتي ترتبط بتأثير كوفيد 19 على نشاط البناء نشير أساسا إلى المادة 23 من المشروع التي تنص على ما يلي “يجب ألا تتوقف الأشغال المتعلقة بالإطار المغلق والمغطى للمباني لمدة تزيد عن ستة (06) أشهر بعد الشروع فيها.

يتعين على صاحب المشروع، قبل استئناف الأشغال، إنجاز خبرة يعدها مهندس مختص تثبت أن انقطاع الأشغال لم يؤثر على عناصر السلامة والاستقرار والاستدامة في المبنى”.

إذن كما يلاحظ فهذه المادة تنص على ضمان ديمومة إنجاز الأشغال وإقرار لمبدأ الاستمرارية في الإنجاز، وألا يتم توقيف الأشغال لمدة تصبح معها جودة المبنى مهددة، كما تعمل هذه المادة أيضا على تحديد زمن أقصى للتوقف مع ربط استئناف الأشغال بخبرة ينجزها مهندس مختص، وهو ما يمكن أن نسقطه على الوضعية التي تعيشها بلادنا حاليا، منذ مارس 2020، فمجموعة من الأوراش توقفت أو ربما ستستمر في التوقف وهو ما سيؤثر على الجودة دون أن تجرى أية خبرة قبل الشروع من جديد في إنجاز الأشغال. وهذا راجع بالأساس إلى اهتمام قانوني التعمير والتجزئات من الناحية الزمنية بتاريخ الشروع في الإنجاز بعد الحصول على الرخص والأذون المقررة بموجب القانون وتركا المجال الزمني مفتوحا بعد مباشرة الأشغال حتى ولو توقفت لمدة غير معقولة.

وهو ما أضحى يبرز الحاجة الملحة لمشروع هذا القانون نظرا لما يتضمنه من مقتضيات ستسهم لا محالة في تطوير وتقنين البناء في المغرب وتعمل على ضمان الجودة وحماية الأرواح وتحسين مستوى حياة المواطنين، حتى لا تتكرر المآسي الذي عاشتها مجموعة من المدن نتيجة انهيار منازل وعمارات حديثة البناء أو في طور البناء.

* باحث في العقار والتعمير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *