منتدى العمق

التربية على حقوق الإنسان وقيم المواطنة والسلوك المدني

مند نشأة المدرسة كمؤسسة قائمة الذات كان من أبرز وظائفها التنشئة الإجتماعية، من خلال إكساب المتعلم مجموعة من الإتجاهات، وتشريبه مجموعة من القيم و المثل، و ذلك باعتماد أداتين :
– الأولــــــى : هي ما يسمى في سوسيولوجيا التربية بالثقافة المدرسية (مجموع المناهج و المعارف التي تقدم للمتعلم ).
– الثانيــــــة : هي العلاقة التربوية و النظام المدرسي، أي العلاقات التي تنتظم داخل المؤسسة التعليمية.

من هنا صار الحديث عن موضوع التربية على حقوق الإنسان و قيم المواطنة و السلوك المدني من أولويات النهوض بالمنظومة التربوية ببلادنا.
إذن، ما المقصود بالتربية؟ و ما هي أهداف تدريس حقوق الإنسان و التربية على قيم المواطنة بمؤسسات التربية و التكوين؟

I – التربية : مفهومها و علاقتها بالثقافة و التنمية و الديمقراطية :
1 – تعريف التربية :
أ – لغويــــا : التربية : من ربى – يربي = تربية : بمعنى الزيادة و النمو و التأديب و التهذيب و الصقل و التكفل بجميع حقوق الطفل، بما فيها الحق في التعليم.(1)
قال تعالى : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } “سورة العلق الآية : 1”.
و قال الرسول صلى الله عليه و سلم : {طلب العلم فريضة على كل مسلم }.
ب – اصطلاحا : التربية فعل تهذيبي و أخلاقي يهدف إلى تنشئة المتعلم تنشئة اجتماعية صحيحة و سليمة،(2) كما تعني مساعدة الأفراد على اكتساب مجموعة من الإستعدادات العامة. و بالنسبة لعالم الإجتماع الفرنسي “إيميل دوركهايم” فإن التربية هي : “العمل الذي تحدثه الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم تنضج بعد النضج اللازم للحياة الإجتماعية”، كما تعني عند “جون ديوي”: “مجموع العمليات التي يستطيع بها مجتمع أو زمرة اجتماعية صغرت أو كبرت، أن ينقلا سلطاتهما و أهدافهما المكتسبة، بغية تأمين وجودهما الخاص و نموهما المستمر”. و يصف عالم النفس “هنري جولي” التربية بأنها : “مجموع الجهود التي تهدف إلى أن نيسر للفرد الإمتلاك الكامل لمختلف ملكاته، و حسن استخدامها”.(3 )

2- علاقة التربية بالثقافة و التنمية و الديمقراطية :
أ- علاقة التربية بالثقافة :
يمكن الإقرار بأن التربية و الثقافة تشكلان وجهين متكاملين لنفس الواقع، فمفهوم التربية سواء أخذناه بالمعنى الإجتماعي الواسع أو بالمعنى التعليمي المحدود، يكمن دائما في نقل مضمون ثقافي معين عبر تنشئة الفرد و تربيته و تلقينه المعارف و القيم.
أما الثقافة فتمثل المضمون الجوهري (المادي) للتربية، و المبرر الواقعي لوجودها و تواجدها.(4)
ب- علاقة التربية بالتنمية :
تعتبر التربية أساس و ركيزة التنمية، و المفهومان لابد أن يتقاطعا في نقطة واحدة، و أن تتحدد مسيرتهما على خط تصاعدي في حركة التطور. فالتنمية التي يجب أن يكون لها بعد ثقافي – تربوي، يجب أن يكون هدفها الأول منصبا على الإنسان (التنمية البشرية) كما أكد على ذلك العالم البنغالي “أمارتيا صن”، لإعتبار التربية و التعليم رافعة أساسية لرقي و تقدم الأمم و المجتمعات، إذ أصبح العنصر البشري اليوم إحدى العناصر الهامة لتحقيق التقدم الإقتصادي، لذلك نجد الكثير من دول العالم ركزت و تركز على الإستثمار في الرأسمال البشري أكثر من الإستثمار في الرأسمال المادي، فدول جنوب شرق آسيا اهتمت بهذه المسألة، الأمر الذي جعلها تمتلك القدرة على المنافسة في السوق الدولية.
ج- علاقة التربية بالديمقراطية :
من المعروف أن الديمقراطية في دلالتها الإشتقاقية تعني : حكم الشعب نفسه بنفسه، و قد تعني كذلك : حكم الأغلبية بعد عملية الإنتخاب و التصويت و الفرز و الإنتقاء. و تقابل كلمة الديمقراطية الديكتاتورية و الأوتوقراطية اللتين تحيلان على الحكم الفردي و هيمنة الإستبداد المطلق.(5)

إن علاقة التربية بالديمقراطية علاقة جدلية و وثيقة، إذ لا يمكن الحديث عن التربية و التعليم في غياب الحريات الخاصة و العامة، و انعدام الديمقراطية الحقيقية القائمة على المساواة و تكافؤ الفرص، و المبنية أيضا على العدالة الإجتماعية و الإيمان بالإختلاف و شرعية التعدد.(6)
من هنا يتضح أن لا تربية بدون ديمقراطية، و لا ديمقراطية بدون تربية، و هذا يستوجب تأهيل المدرسة المغربية لتحقيق التنمية المنشودة و الشاملة، التي تقوم على احترام ثوابتنا الثقافية و الحضارية مع احترام ذات الآخرين و ثقافتهم في نفس الوقت.(7)

II- التربية على حقوق الإنسان : بين القول و الفعل !:
عرف المغرب في السنوات الأخيرة انفتاحا سياسيا و انتشارا ملحوظا لثقافة حقوق الإنسان، الشيء الذي جعل المنظومة التربوية تحتل مكانة بارزة في أوراش الإصلاح من خلال تفعيل مضامين التوجيهات الملكية السامية و بنود الميثاق الوطني للتربية و التكوين و البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان و بعض دعامات البرنامج الإستعجالي، بهدف تكوين أجيال متشبعة بمبادئ حقوق الإنسان و المواطنة، و حريصة على احترام حقوق و مصالح المجتمع من خلال إكسابها مواقف إيجابية إزاء ذاتها و تجاه الآخرين.

و هذا التوجه يستدعي أن يكون الإهتمام بحقوق الإنسان ممارسة و اهتماما يوميا، لأن التربية على حقوق الإنسان هي المدخل الأسلم للتنمية البشرية و لميلاد إنسان مغربي يدرك بعمق ما له و ما عليه.(8)

1 – التأصيل المفاهيمي و النظري لحقوق الإنسان :
أ- الإطار النظري لحقوق الإنسان في المنظومة الإسلامية :
مصطلح الحق في المعرفة الإسلامية اللغوية كما جاء في “القاموس الجديد” هو من أسماء الله تبارك و تعالى، لقوله تعالى :{ و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا } ( سورة الإسراء، الآية : 81)، و منه قولنا قال الحق : بمعنى : قال الله. و قد يعني الحق البعث كما جاء في الآية الكريمة :{ و اقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} (سورة الأنبياء، الآية : 96). و يعني كذلك : القول الصادق و منه : الصدق و الوجوب و الثبوت و العدل و هو ضد الباطل.
و حقوق الإنسان في الإسلام ترتكز على عدة مبادئ أهمها :
-الغاية من الوجود ( العبودية لله ) :{إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} ( سورة الإنشقاق، الآية : 6).
-التكريم الإنساني : { و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا } (سورة الإسراء، الآية : 70).
– العدل : {و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } ( سورة البقرة، الآية : 178).
-التساوي : مبدأ من المبادئ التي تبنى عليها الحقوق في الإسلام، فالمساواة أمام القانون و أداء الحقوق و الواجبات قاعدة أخلاقية تضبط السلوك، لقول أبي بكر رضي الله عنه : ( ألا إن أضعفكم عندي قوي حتى آخذ الحق له، و أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق منه).
-الحرية : تعتبر حقا أزليا أعطاه الله سبحانه و تعالى، و هي حق مقدس في المنظومة الإسلامية، قال تعالى : {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت و يومن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها و الله سميع عليم } (سورة البقرة، الآية : 255).
-الأخلاق : و هي منظومة القواعد السلوكية التي تضمن الإحترام المتبادل كالأمانة و التعفف و الإخلاص و الصدق … و المسلم في العرف الإسلامي أخ للمسلم لا يظلمه.(9)
ب- الإلمام بحقوق الإنسان : (المرجعية الكونية لحقوق الإنسان):
تصنف حقوق الإنسان إلى عامة و أخرى خاصة و تتكون من :
+ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : 1948.
+ العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية : 1966.
+ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية : 1966.
+ اتفاقية الأمم المتحدة حول إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة : 1979.
+ اتفاقية الأمم المتحدة حول إلغاء كل أشكال اللاتسامح و التمييز على أساس الدين أو المعتقد :1981.
+ اتفاقية الأمم المتحدة ضد التعذيب أو المعاملة القاسية اللاإنسانية : 1984.
+ اتفاقية الأمم المتحدة حول حقوق الطفل : 1989 … .إلخ.(10)

و يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 دجنبر 1948م، فاتحة خير لكل المستضعفين في الأرض، و لكل من هضمت حقوقه المدنية و الإجتماعية و الإقتصادية و النفسية… لكن ما ظهر بعد ذلك هو التماطل و التراجع في تطبيق بنوده، بل تحفظت كثير من الدول على بعض بنوده و فصوله.(11)

 

2- التربية على حقوق الإنسان بالمغرب : من التجريب و الإدماج إلى الأجرأة :
التربية على حقوق الإنسان سيرورة يتعرف الناس من خلالها على حقوقهم و حقوق الآخرين، ضمن إطار من التعلم الذي يقوم على المشاركة و التفاعل، و تهتم التربية و حقوق الإنسان بتغيير المواقف و السلوك و تعلم مهارات جديدة و تعزيز تبادل المعارف و المعلومات من أجل اكتساب كفايات معرفية و علائقية تؤهل المتعلم للتواصل و الإنفتاح في كل أبعاده.
واعتبارا لأهمية التربية على حقوق الإنسان – كضرورة ثقافية و تاريخية و حضارية و كشرط لازم لتحقيق التنمية الشاملة و المستديمة – وقعت وزارة التعليم مع الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان في 26 دجنبر 1994م اتفاقية تعاون لتنفيذ البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان، تلتها اتفاقية شراكة أخرى في 15 فبراير 1999م بعدها جاء الميثاق الوطني للتربية و التكوين بإشاراته الصريحة إلى مسألة مقاربة مفهوم حقوق الإنسان نظريا و تطبيقيا على مستوى البرامج و المناهج، و على مستوى التعامل اليومي داخل المحيط المدرسي أو خارحه.
فالإصلاح التربوي الذي يشهده المغرب حاليا، و المرتكز على المناهج كنسق متكامل من العلاقات بدل المقرر، و على التدريس بالبيداغوجيات الحديثة المفتوحة و النشيطة (طريقة حل المشكلات – طرائق المهام و البحث – طرائق الإتصال بالمحيط …)، يؤكد على أهمية التربية على حقوق الإنسان لأنها تساعد المتعلم على اكتساب المبادئ و القيم في إطار تفاعلي مع مجتمعه (الجماعة)، و تتيح له فرص الوعي بحقوقه و الإندماج في الحياة العامة، و الوعي المقصود هنا هو جعل التلميذ يخضع ذاته للتفكير و مراجعة مواقفه و سلوكه بأسلوب إقناعي ترجح فيه قوة الكلمة على قوة العنف، و الحوار على الفوضى، و بذلك نجعل من هذا المتعلم مواطنا متفاعلا مع محيطه بكل ما يضمه من مؤسسات و قوانين و علاقات، و بهذا تكون المدرسة المغربية قد ساهمت في بناء الإنسان الغاية (12)، عن طريق انتقالها من مستوى التجريب و الإدماج إلى مستوى الأجرأة الفعلية في تدريس التربية على حقوق الإنسان خاصة بالمواد الحاملة لهذه الحقوق : (التربية الإسلامية، الإجتماعيات، اللغات و الآداب، الفكر الإسلامي و الفلسفة، علوم الحياة والأرض).
و لكي تلعب المدرسية المغربية دورها بنجاح في إشراب الأجيال بقيم التسامح و التفاهم و التعاون، فلا بد أن تتكامل تربية المدرسة مع تربية الأسرة التي ينعكس ما يجري داخلها على سلوك الأطفال و على طريقة تعاملهم مع أقرانهم و مع المجتمع، و لابد كذلك من إصلاح مجتمعي شامل.(13)

III – التربية على القيـــــم :
1- مفهوم القيـــــم :
مفهوم القيمة من المفاهيم التي لها دلالات متعددة، فمصطلح قيمة قد يوظف للتعبير عن القيم الجمالية و الأخلاقية، و قد يوظف في المجال الإقتصادي أو الإجتماعي أو الفلسفي أو الديني أو التربوي…
و القيم كما يعرفها العديد من علماء الإجتماع هي : “مستوى أو معيار للإنتقاء و الإختيار بين بدائل أو ممكنات اجتماعية متاحة أمام الشخص الإجتماعي في الموقف الإجتماعي” و هي كذلك : “مجموعة من العقائد الدينية أو الفلسفية المفضلة عند شعب أو حضارة ما، و عندما تصبح فيها مفضلة فإنها تتحول إلى أسلوب للحياة”.(14)

القيم إذن هي المثل التي توجه سلوك الإنسان و تنظمه، و تختلف مرجعياتها باختلاف الأمم و تباين ثقافتها و معتقداتها الدينية و تطور مقوماتها الحضارية.

2 – ما المقصود بالتربية على القيم :
يقصد بالتربية على القيم تربية و تنشئة المتعلمين وفق المعارف و الإيديولوجيات و القيم التي يحددها المجتمع (الدولة) في فلسفته و اختياراته التربوية، التي تهندس و تبني و تضبط البرامج و المناهج التربوية و التكوينية.
لكن هل هناك دائما تناسق و توافق بين قيم المدرسة التي تعمل على تمريرها و بنائها لدى المتعلمين، و قيم المجتمع كما هي في الواقع؟(15)

فعلا يجب أن تكون قيم المدرسة هي قيم المجتمع بمؤسساته الإدارية و القانونية و الثقافية و الإعلامية و السياسية و الإقتصادية … و بأفراده، و خصوصا المسؤولين و النخب منهم، ليكونوا القدوة و المثال في الأخلاق و القيم المواطنة… أي جعل قيم المدرسة قيما حقيقية و معيشة في المجتمع، و ليس مجرد مثاليات و خطابات تربوية تنتهي صلاحياتها بمجرد انتهاء الدرس البيداغوجي للقيم في المدرسة و الخروج منها إلى الحياة الخاصة و العامة التي تغرق يوميا في مظاهر الفساد.(16)

تأسيسا على ما سبق فالمدرسة المغربية تعمل من خلال الإصلاح الجديد للمنظومة التربوية على الإنتقال من إقحام إلى أجرأة التربية على القيم في المناهج التربوية (بيداغوجيا الكفايات و القيم – بيداغوجيا الإدماج …)، و هذا ما نجده بالفعل في منطوق الميثاق الوطني للتربية والتكوين : “أن يهتدي نظام التربية و التكوين بمبادئ العقيدة الإسلامية و قيمها الرامية إلى تكوين المواطن المتصف بالإستقامة و الصلاح، المتسم بالإعتدال و التسامح، الشغوف بطلب العلم و المعرفة، و المطبوع بروح المبادرة الإيجابية …” (الميثاق الوطني للتربية و التكوين ص : 9).

و تؤكد عليه كذلك الوثائق التربوية و الدلائل البيداغوجية و الكتاب الأبيض و دعامات البرنامج الإستعجالي، حيث تم التركيز في الإصلاح سالف الذكر على الإنطلاق من التربية على قيم العقيدة الإسلامية و مبادئها السمحة و التربية على الهوية الحضارية و مبادئها الثقافية و الأخلاقية و التربية على و المواطنة و التربية على حقوق الإنسان و الديمقراطية، و التربية على قيم قبول الإختلاف و تنمية روح الحوار و المشاركة الإيجابية في الشأن المحلي و الوطني.

IV- التربية على المواطنة : تعريفها، تطور تدريسها بالمغرب، أهدافها :
1- تعريف التربية على المواطنة :
تحمل التربية على المواطنة عدة إصطلاحات، فهي التربية القومية في مصر، و التربية المدنية في فرنسا … ، و يرجع هذا الإختلاف في التسمية أساسا إلى اختلاف تصورات الدول لغاياتها و أغراضها، و إلى تنوع و اختلاف الفلسفات التربوية و الإيديولوجية لكل دولة.
و التربية على المواطنة مادة دراسية تدرس في جميع النظم التعليمية لإرتباطها بالوطن و المواطنة، و هي بذلك حديثة النشأة مقارنة بباقي مواد الاجتماعيات.(17)
 و هي كذلك : “عنصر من عناصر الثقافة القومية، فهي تهيئ الأجيال منذ نعومة أظفارها للتفاعل مع حاجات الوطن … و لا تقف عند عرض تاريخ الأمة و إنجازاتها، بل هي سياسة لإدماج الناشئة في محيطها الوطني و تمرين لحسها الإجتماعي و القومي لتأهيلها منزلة المواطن الصالح”.
– ” إنها عملية صنع القرار … و عملية إعداد المواطنين للإشتراك الفعال في المجتمع الديمقراطي”.
-” هي تربية المواطن … و موضوعها هو دراسة المؤسسات السياسية و الإدارية و الإجتماعية و الإقتصادية و مختلف الخدمات التي تشبع حاجيات الإنسان فردا و جماعات”.(18)

مهما تعددت هذه التعاريف فهي تتفق على أن مادة التربية على المواطنة ترتكز على ثلاثة عناصر أساسية هي : (المعارف، المهارات/الكفايات و القيم)، و تهدف إلى تهييء الفرد/المتعلم لتحمل مسئوليته في المجال السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي و البيئي.
هكذا، يمكن تصور التربية على المواطنة كنهج يطبق على صعيد كل المواد الدراسية من أجل اكتساب القدرة على التعليل و المناقشة و معرفة حل المشكلات إيجابيا و التعايش مع الآخر في إطار احترام الديمقراطية و حقوق الإنسان.( 19)

 

2 – تطور تدريس التربية على المواطنة بالمغرب :
نشأ مفهوم المواطنة منذ القديم في الوحدات الديموغرافية و الإقتصادية و السياسية خاصة الحضارتين الإغريقية و الرومانية، و تطور أكثر مع الثورتين الأمريكية “1786” و الفرنسية “1789”.(20) ، و مع التيار الماركسي الذي اعتبر المواطنة منتوجا بورجوازيا لتغليط البروليتاريا… فالعمال حسب ماركس ليس لهم وطن (ذلك أن وعيهم بظروفهم الإقتصادية يعد أهم و أنفع من انتمائهم لوطن معين).(21)
و المواطنة لها صلة وثيقة بالوطن و بالمواطن و بالوطنية التي تعد الجانب الفعلي و العملي للولاء و الإنتماء للوطن.(22)

بعد هذا التقديم الذي لابد منه، فتدريس التربية على المواطنة بالمغرب عرف تطورا ملموسا منذ الإستقلال إلى اليوم :
مراحل تطور تدريس التربية على المواطنة بالمغرب المضاميــــن الأهــــداف
فـــتــــرة الحمايــــــة من : 1912 م إلى : 1947 م المتعلم في الأسرة – المتعلم في المدرسة – الواجبات والحقوق – الجماعة و المجالس المحلية – الدولة الشريفة و جهاز الحماية … تدريسها بالتعليم الإبتدائي فقط :
– خدمة مصالح المستعمر لأن برامجها مستوحاة من التعليم الفرنسي.
1948م : التنظيم السياسي والإداري بالمغرب – العبادات في الإسلام – مبادئ حول التنظيمات المدنية في الإسلام. تدريسها بالتعليم الثانوي:
– تداخل التربية الدينية و الخلقية مع التربية الوطنية ← تبعية تعليمنا للبلد المستعمر (فرنسا).(23)
فـــــــتــرة الاســــتـــقــــلال ومـــــا بعدهـــــــــــا التوجيهات التربوية لسنة 1969 م : تدريسها من قبل أساتذة اللغة العربية بالتناوب أسبوعيا مع التربية الدينية. التركيز على الجانبين الخلقي و الديني مع حدوث بعض التغييرات مع بداية سياسة “التعريب”.
التوجيهات التربوية لسنة 1976م : تم إسناد مادة التربية الوطنية لمدرس التاريخ و الجغرافيا. تهيئ برنامج جديد للمادة يستجيب لحاجيات الظرفية التاريخية.
التوجيهات التربوية لسنة 1979م : تم إسناد مادة التربية الوطنية لمدرس التاريخ والجغرافيا. سارت عل نفس التوجه و التصور الذي نصت عليه توجيهات 1976م.
التوجيهات التربوية لسنة 1987م : تدريس مواضيع مختلفة المشارب العلمية مع احترام مبدأ التدرج و الإنتقاء و التفضيل و التكامل بين المواد الثلاث. ربطها بالمستجدات التربوية (بيداغوجية التدريس بالأهداف).
1990 – 1991م إصدار كراسة برامج و توجيهات جديدة. إضافة مقررات جديدة.
2000 – 2009م
الميثاق الوطني للتربية
و التكوين. تفعيل بنود الميثاق الوطني للتربية و التكوين : تغيير اسم المادة من التربية الوطنية إلى التربية على المواطنة (إعمال بيداغوجيا الكفايات و القيم) و مراجعة القانون الداخلي للمؤسسات التعليمية طبقا للقوانين الجاري بها مع تأسيس مجالس جديدة لتفعيل الحياة المدرسية. – تنمية قيم التربية على المواطنة.
– تشجيع المساواة بين الجنسين.
– الإحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان.
– تفعيل الأندية التربوية بالمؤسسات التربوية.
– تحصين السلوك المدني.
– إشراك التلاميذ في تدبير الشؤون اليومية للمدرسة تحت إشراف الأطر التربوية و الإدارية لها.
– إحداث برلمان الطفل…
حــــــــالـــــــــيــــــــا 2009- 2012م
البرنامج الإستعجالي لإصلاح التعليم. اعتماد المخطط الإستعجالي لزرع نفس جديد في مسار إصلاح النظام التعليمي للمغرب باعتماد بيداغوجيا الإدماج و طرق تدريس فعالة : (التدريس بالوضعيات – المشكلة – و بيداغوجيا المشروع و بالمجموعات و الورشات …).
– تأسيس جمعيات دعم مدرسة النجاح. – تقديم عرض تربوي متنوع بنكهة المواطنة و الثقافة و الجمال، و متشبع بالقيم النبيلة.
– إشراك التلاميذ في صياغة بنود الميثاق الوطني للبيئة و التنمية المستدامة.

 

3- أهداف تدريس التربية على المواطنة بمؤسسات التربية و التكوين :
يمكن تلخيص هذه الأهداف في كون مادة التربية على المواطنة :
 تساهم في إرساء قواعد المواطنة الصالحة، لأنها تلقي الضوء على نظم الحكم و ما يتصل بها من هيئات و تنظيمات كالمجالس الجماعية و السلط الثلاث (التشريعية و التنفيذية و القضائية).
 تسعى إلى إعداد المواطن الصالح الواعي بدوره، و بما يدور حوله من أحداث و قضايا، و تنير أمامه السبيل ليعيش في تضامن و تعاون مع مواطنيه.
 تساهم في تنمية الإتجاهات نحو الديمقراطية و الحرية و الإنتماء الوطني و القومي، مما يؤدي إلى تكوين الرأي المستنير لدى المواطن، و ممارسة حرية النقد و إبداء الرأي مع احترام الرأي الآخر…(24)
 تساهم في تحقيق التربية على التسامح و على الإختيار و على التطوع و على احترام البيئة.
 تساهم في بث روح المسؤولية و محاربة التعصب.
 تهدف إلى تكوين مواطن ملتزم بواجباته و مطالب بحقوقه و محترم لثوابت و مقدسات وطنه و منفتح على العالم…
V- التربية و السلوك المدني :
1 – تعريف السلوك المدني :
السلوك المدني أو التربية المدنية هي تدريب الذات على قبول الآخر، لأن الفعل الجماعي مستحيل بالذات المنفردة، و حتى يصبح الفعل الجماعي ممكنا لابد من وجود الجماعة التي تملك مقومات الوجود وفق آليات تنظم علاقة التوافق و التكيف الإنساني (فرد/جماعة)، و تساعد على استمرارها.
2 – التربية على السلوك المدني : المدخل الأساس لتدعيم الشعور بالمواطنة الحقة :
يعتبر ورش تنمية السلوك المدني – نظرا لأهميته القصوى في مراهنته على العنصر البشري – مؤشرا دالا على ضرورة تفعيل الحياة المدرسية، لجعل المدرسة المغربية مجال استقطاب، و فضاء لتبني قيم إنسانية منفتحة على الآخر و تتفاعل معه، و ذلك من خلال خلق دينامية جديدة بالمؤسسات التربوية تتأسس على إدماج المتعلم في أنشطة تعلمية متعددة و مندمجة، حيث يلتقي التربوي التعليمي بالإجتماعي التضامني و الثقافي الهوياتي بالبيئي …، إضافة إلى ترسيخ قيم المساواة بين الجنسين، و تكافؤ الفرص بين المتعلمين، و خلق ثقافة التميز و إنصاف المتفوقين.(25)
و من بين الآليات الناجعة لبلوغ هذه المرامي و المقاصد :
 ضرورة تعميق التواصل بين المدرسة و جمعيات آباء و أمهات و أولياء التلاميذ.
 التأسيس لميثاق قيمي أخلاقي و حقوقي على صعيد المؤسسة التعليمية تحت إشراف مجلس التدبير، و بإسهام من تلامذتها.
 تعميم و تشجيع انتشار نوادي التربية على المواطنة في البيئة المدرسية.
 تشجيع النوادي الفنية و التثقيفية و الرياضية و التكنولوجيا الحديثة في المؤسسات التعليمية.
 الإهتمام اليومي بالتربية البيئية في الحياة المدرسية.
 إيجاد شراكات واسعة تربط المؤسسات التعليمية بفعاليات المجتمع المدني.
 تعميم تحية العلم و النشيد الوطنيين في كل المؤسسات التعليمية ( إذكاء روح الإنتماء الوطني )…(26)
من المؤكد أن رهان السلوك المدني يعتبر قضية المغاربة بكافة شرائحهم و اهتماماتهم و مستوياتهم، فهذا الورش الحيوي ملزم لكل الأطراف من أجل البناء المتوازن للذات الوطنية الديمقراطية، و للعبور الجماعي إلى ترسيخ التربية المدنية التي تعد الرافعة الأساسية و الجوهرية في مسلسل التنمية البشرية للمغرب الطموح و المتجدد في مطلع الألفية الثالثة.(27)

 

يقتضي تفعيل و أجرأة التربية على حقوق الإنسان و قيم المواطنة و السلوك المدني بمؤسسات التربية و التكوين ببلادنا، مأسسة الأنشطة المدرسية وفق استراتيجية تربوية واضحة، و خلق آليات مشجعة و محفزة لكل الفاعلين التربويين، لأن هذه الأنشطة تساهم بشكل كبير في تكوين شخصية المتعلم بإكسابه قيم و اتجاهات مختلفة.(28)
و بجعل هذه الأنشطة التربوية مكونا من مكونات المنهاج الدراسي، و بتفعيل الحياة المدرسية و مجالس المؤسسة، و بتوفير شروط و أدوات العمل بمؤسساتنا التربوية، ستأخذ لا محالة هذه الأنشطة موقعها في العملية التعليمية – التعلمية بمدارسنا و ذلك أحد أهداف البرنامج الإستعجالي و أحد مداخل الإصلاح و تطوير المدرسة المغربية و الإرتقاء بمردوديتها لمواكبة الإصلاحات الكبرى التي تشهدها البلاد.

– المراجع

1- ذ. العربي فرحاتي (جامعة باتنة – الجزائر) : (حقوق الإنسان و حقوق الطفل من منظور إسلامي) – مجلة عالم التربية – العدد : 15، ص : 78.
2- الدكتور جميل حمداوي : (التربية والديمقراطية) : الجريدة التربوية، العدد : 29 (16 نونبر 2009)، ص : 10.
3- روني هوبير (التربية العامة) ترجمة : عبد الله عبد الدايم، بيروت : 1982، ص : 21-27.
4- الدكتور الغالي أحرشاو (التربية والثقافة : أية علاقة و أية وظيفة؟) – مجلة علوم التربية، العدد : 44 (يوليوز 2010) ص : 8.
5- الدكتور جميل حمداوي : مرجع سابق، نفس الصفحة.
6- الدكتور جميل حمداوي : مرجع سابق، نفس الصفحة.
7- ذ. عبد الحق منصف : (مشكلات العلاقة البيداغوجية داخل المدرسة المغربية) – مجلة دفاتر التربية و التكوين، العدد:1 (نونبر 2009) ص : 40 -41.
8- ذ. يحيى بوافي : (الرهان التنموي للتربية على حقوق الإنسان : الإغراء بالتهليل و عسر التنزيل)، مجلة رهانات، العدد : 14 (ربيع 2010) ص : 24.
9- ذ. العربي فرحاتي : مرجع سابق، ص : 63 – 70 – 71.
10- ذ. المصطفى صوليح : (مجالات التربية على حقوق الإنسان) – مجلة عالم التربية – العدد : 15، ص : 30.
11- ذ. عزيز العرباوي : (المنظومة التربوية و مسألة حقوق الإنسان) : جريدة المساء (المساء التربوي)، العدد : 1071 (الثلاثاء 2 مارس 2010)، ص : 9.
12- ذ. لحسن توبي : (ثقافة حقوق الإنسان لدى التلميذ المغربي من خلال علاقته بالإدارة المدرسية)، مجلة عالم التربية، العدد : 15، ص : 376- 395.
13- ذ. محمد أولحاج : (بيداغوجيا القيم : أسسها و مكوناتها و مرجعياتها الأساسية)، منشورات صدى التضامن، طبعة : 2009 (مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء)، ص : 90.
14- ذ. محمد أولحاج : مرجع سابق، ص : 16-17.
15- ذ. محمد الصدوقي : (قيم المدرسة و قيم المجتمع)، الجريدة التربوية، العدد : 34 (21 يونيو 2010) ص : 5.
16- ذ. محمد الصدوقي : مرجع سابق، نفس الصفحة.
17- ذ. عامر گنبور : (مفتش سابق للتعليم الثانوي بنيابة إقليم خنيفرة) : (التربية الوطنية : أهدافها و مشاكل تدريسها بالسلك الثاني من التعليم الأساسي)، مجلة : “فضاءات تربوية”، العدد : 3 – السنة الثالثة، ص : 206.
18- ذ. عامر گنبور : مرجع سابق، نفس الصفحة.
19- ذ. مصطفى محسن : (البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان : التربية على التوجيه و على المواطنة : تدريس مادة الشأن المحلي بالمدرسة المغربية : “دراسات ميدانية”) مجلة : “عالم التربية”، العدد : 15، ص : 414 – 415.
20- الدكتورة فاطمة المصلوحي : (التأصيل المفاهيمي و النظري للمواطنة)، مجلة : “رهانات”، العدد : 14 (ربيع 2010) ص : 5.
21- ذ. مصطفى محسن : مرجع سابق، ص : 410.
22- الدكتورة فاطمة المصلوحي : مرجع سابق، ص :7- 8.
23- ذ. عامر گنبور : مرجع سابق، ص : 207- 208.
24- ذ. عامر گنبور : مرجع سابق، ص : 208.
25- ذ. المصطفى مرادا : (في الحاجة إلى السلوك المدني)، جريدة المساء (الملحق التربوي) العدد : 981 (الإثنين 16 نونبر 2009) ص : 20.
26- الأستاذة فائزة السباعي : (رهان ترسيخ و تحصين السلوك المدني : مسؤولية الأسرة و المدرسة و المجتمع برمته)، الجريدة التربوية، العدد : 28 (12 أكتوبر 2009) ص : 11.
27- ذ ة. فائزة السباعي : مرجع سابق، نفس الصفحة.
28- ذ. عبد الواحد المزگلدي : (المدرسة المغربية و ثقافة حقوق الإنسان و السلوك المدني)، جريدة المساء (المساء التربوي)، العدد : 1041 (الثلاثاء 24 يناير 2010)، ص : 7.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *