وجهة نظر

كوشنير احترق و أصحابه يتوجعون.. اللهم افضحنا و لا تسترنا

قبل حوالي سنتين، أصدر الصحفي مايكل وولف كتابا بالولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان ” نار و غصب” .. الكتاب، حينها، أثار ضجة كبيرة حول ما تضمنه من معطيات و معلومات خطيرة و ذات حساسية بالغة لها علاقة بكواليس صنع القرار الأمريكي، و ما للقرار الأمريكي من انعكاسات على الأحداث و على العلاقات الدولية . و مما أعطى للكتاب كل ذلك الزخم هو ان صاحبه كان صحافيا من مراسلي هوليود و ممن تمكن من الولوج لكواليس البيت الأبيض حيث قضى ثماني عشرة شهرا من البحث و أفلح في استجواب مائتي مسؤول من طاقم الرئيس و استجواب الرئيس ترامب نفسه.

” إنها الحرب داخل البيت الأبيض بين اليهود و غير اليهود ”

تحت هذا العنوان، تناول الصحفي مبحثا من الكتاب أورده الباحث يوسف هندي في واحد من اهم كتبه عن الجيوستراتيجا . و بحسب ووولف، فإن من يمثل الجناح اليهودي في هذه الحرب الضروس ليس أحدا آخر غير جاريد كوشنير ، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب . أما جناح غير اليهود فيتزعمه ستيف بانون، و هو من اصل إرلندي، و هو مسيحي كاتوليكي تم تهميشه بأمر من ترامب على أثر ضغوط الحزب الجمهوري و الديمقراطي معا في أبريل 2017، قبل دفعه للإستقالة، شهورا بعد ذلك، و بالضبط في غشت من نفس السنة من منصبه ككبير مستشاري الرئيس لفائدة كوشنير الذي أصبح الرجل القوي، منذئذ، و اليد اليمنى و المستشار الرئيسي لترامب.

اليهود و غير اليهود، هذه معادلة لم تكن مطروحة عند المغاربة التقدميين ابدا، و هي غير مطروحة في الحقيقة بالشكل المطروحة، تاريخيا، في الغرب عند عموم المغاربة، و تشهد على ذلك علاقة المرحومين أبراهام السرفاتي و إدمون عمران المليح و أسيدون و كوهين … المحبوبين، لأصالتهم و ارتباطهم بقضايا شعبهم، عند المسلمين أكثر من اليهود.

اليهود و غير اليهود و الأفارقة دائما، و لاسيما بعد جورج فلويد و جورج فلويدات بعده ممن يتم اقتناصهم كالأرانب في الشوارع يوميا … كل ذلك هو غيض من فيض التناقضات الاستغلالية و العنصرية التي تعتمل داخل المجتمع الأمريكي نتيجة البنيات الرأسمالية المتوحشة التي تقوم عليها ميكانيزمات الاقتصاد و منطق العلاقات السوسيوثقافية الناجمة عنها، و التي تعكس عمق قانون الغاب، حيث ياكل القوي الضعيف، رغم مكياج الشعارات الزائفة عن الحريات و حقوق الإنسان !

فحقيقة المجتمع الأمريكي الذي غلفته زينة الشعارات، على مدى عقود، هي جورج فلويد، و هي حقيقة ما تحاول ان تخفيه الدعاية عن صراع اليهودية والمسيحية الانجليكانية الصهيونيتين من جهة و كل ما سواهما من توجهات و معتقدات من جهة أخرى.

في هذا الصدد، نريد ان نقول هنا بضع كلمات عن جاريد كوشنير الذي قد يزور بلادنا قريبا، بحسب بعض التسريبات، و كذا عن الكوشنيريين المغاربة.

و عودة لعنوان هذه المقالة، نطرح الأسئلة؛ ما معنى احتراق كوشنير ؟ و هل احترق فعلا ؟ و ما معنى توجع أصحابه هنا؟ و لماذا يتوجعون؟

قبل ان نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة، يحذر بنا الجواب عن كوشنير نفسه . من هو جاريد كوشنير الذي قد يزورنا هذه الأيام؟

كوشنير ابن أبيه

لا نريد هنا التعريف بكوشنير و علاقته بإيفانكا و بصهره ترامب . فهذه أمور معروفة للجميع . و لكن نريد أن نعود مع قرائنا الأعزاء إلى وولف و كتاب ” نار و غضب”.

حيث يشير الكاتب إلى محيط التنشئة الاجتماعية لكوشنير فيفيد بأن اباه شارل كوشنير هو ابن ليهوديين بيلوروسيين هاجرا إلى الولايات المتحده الأمريكية عام 1949 و يقول عن والده المزداد سنة 1954 انه مضارب عقاري كبير بنيوجيرزي و صاحب سوابق كثيرة في التهرب الضريبي و تزوير الشهود، و أنه محتال دخل السجن بسبب تلاعباته الكثيرة على الناس؛ هذه التلاعبات التي لم توفر حتى أقاربه . و يروي ضمن إحدى قصصه الاحتيالية تعاقده مع عاهرة جميلة لتغوي و تسقط أحد اصهاره في الرذيلة فسجلهما في الوضع المخل بالحياء ثم بعث الشريط لشقيقته!!

صحيح ان الجريمة شخصية قانونا و الشرع يقضي بأن ” لا تزر وازرة وزر أخرى “، لكن التنشئة الاجتماعية واطروحة “الإنتاج و إعادة الانتاج ” في العلاقات الاجتماعية و في نقل القيم، كما أثبت ذلك يبر بورديو في دراسته للنظام التعليمي الفرنسي لا تعدم وجاهة للاعتبار.

فهل يكون هذا ما يفسر احتيال اللوبي الصهيوني المتحكم في قرار البيت الأبيض من خلال كوشنير وارث احتيال أبيه؟!

احتراق كوشنير و خسران الرهان عليه

على كل حال فكوشنير ماقبل 2018 ليس هو كوشنيرمابعدها.

كان كوشنير هو الكل في الكل و كان مدعوما بأوزان ثقيلة حوله من قبيل جاسون غرينبلات على رأس مديرية الشؤون القانونية و ستيفن منوشين الذي أوكلت له حقيبة الخزينة و جاري كوهن الذي أوكلت إليه الشؤون الاقتصادية و دافيد فريدمان الذي تم تعيينه سفيرا في الكيان الصهيوني .. وخصوصا عندما تمكن الآيباك من فرض جون بولتون في منصب مستشار الأمن القومي.

لكن الأمور ستتغير بدءا من الثلاث أشهر الأولى من سنة 2018 ، حيث سيفقد الاعتماد للوصول إلى المعلومات السرية للبيت الأبيض و لم يعد مرخصا له ان يحضر الاجتماعات ذات الحساسية .. لقد قرر رئيس البيت الأبيض تخفيض أهميته فما لبث ان طرد من طاقمه إثنان من أهم المقربين منه، و يتعلق الأمر بكل من ريد كورديش و جوش رفائيل.

قصة فشل قمة البحرين و تحفظ الدول من مجاراة امىريكا في نقل سفاراتها للقدس و خصوصاً استقالة/إقالة جون بولتن من منصب مستشار الأمن القومي وانتقام الأخير من ترامب بإصدار كتاب يفضح فيه أسراره … كل هذا معروف و معروفة آثاره على كوشنير و اهميته، او على الأصح على عدم أهميته السابقة بالبيت الأبيض.

و من الأمور التي يثيرها وولف في كتابه عن العوامل التي بددت رصيد كوشنير و خفضت أسهمه في مربع سيد البيت الأبيض ما قال عنه أن هذا الأخير اكتشف أن صهره الصغير اصبح ألعوبة بين يد جهتين؛ وهي جهة واحدة بوجهين في الحقيقة تلعب على الحبلين و يقصد ؛ ” إسرائيل” و الإمارات، أو بالأحرى حاكم الإمارات.

كل هذا اصبح معروفا عن احتراق ورقة كوشنير .. بل إن سيد كوشنير و البيت الأبيض نفسه محروق، لاسيما منذ مأساة المغدور جورج فلويد و ما اعقبها و مازال يتفاعل من أحداث اصبحت تهدد كيان الولايات المتحده الأمريكية كلها و تضعها إزاء خطر وجودي وسط الاصطدامات و المواجهات، في أفق الانتخابات الرئاسيه التي لا يفصلنا عنها غير أسابيع محدودات .

من هنا سؤال الكوشنيريون المغاربة.
الكوشنيريون المغاربة و بؤس المصير

الجميع يعلم، بطبيعة الحال، سياق و اهداف زيارة الغر كوشنير المرتقبة لنا . فهي تأتي بعد امتثال حاكم الإمارات لما أملي عليه من اللوبي الصهيوني و كوشنير بتوقيع ما سمي “اتفاق سلام” بينه و بين الكيان الصهيوني .

قرار حاكم الإمارات جاء في سياق أجندة تمرير صفقة القرن و تمت فيه محاولات كثيره لجر المغرب ليكون قاطرة تزكية هذه الطبخة المرفوضة و المدانة فلسطينيا و عربيا و عالميا . و جاء في هذا الإطار كوشنير و بومبيو، بل و حاولوا الإتيان بنتانياهو للمغرب لتمهيد الإنجرار .. لكنهم خابوا في كل محاولاتهم .
حاول جانب من الجانب الرسمي لعب لعبة كوشنير و الصهاينة، لكن الهبة الشعبية و المسيرات الحاشدة و وحدة القوى الحية حول مبدأ القضية الفلسطينية قضية وطنية أفشل كل التسللات التي حاولها جناح الخنوع في الموقف الرسمي ..

و اليوم، أمام الفشل الذريع لما يسمى “صفقة القرن” أمام صمود و وحدة الشعب الفلسطيني و الدعم العربي و كل أحرار العالم، لم تجد الإدارة الأمريكية المترنحة غير حاكم الإمارات لمحاولتها الأخيرة لعلها تنقذ نفسها و حليفها نتانياهو من السقوط المدوي الذي لا يفصلنا معه إلا أسابيع أو ربما أيام معدودة .
في هذا السياق سجل المتتبعون الموقف الرسمي الذي أعلن عنه رئيس الحكومة و عبر فيه عن نبض الشارع المغربي . أما الموقف الشعبي فتعبر عنه العريضة الشعبية التي تعدها كل القوى الحية بالبلاد من هيآت سياسية و نقابية و مدنية عبرت فيها عن ان زيارة المسؤول الأمريكي المرتقبة مرفوضة و ان كوشنيرر شخص غير مرغوب فيه .

و يبقى في هذا المشهد، الواضح الفاضح، ” أيتام كوشنير” و “قدماء مكتب الاتصال الصهيوني بالرباط “وحدهم من يتباكون, تائهين في نحيبهم لا يدرون ما ينشدون لمناحاتهم البئيسة .

فهذا سيمون سكيرا، ضابط في جيش الحرب الصهيوني، و مدع للمسؤولية في أكثر من حزب سياسي ؟؟ يكتب و يهذي : إن 800 ألف من مغاربة إسرائيل !!! غير راضين عن موقف العثماني الذي يتدخل في شؤون المغاربة !!!

و يرجع إليه صدى هذيانه من موظفة لدى الحاخام الصهيوني أبراهم غولن، إسمها سميرة بار، تحيي الخطوة الخيانية لحاكم الإمارات و تدعو نتانياهو، بالصوت و الصورة، للإسراع في بناء الهيكل، أي بالإسراع بهدم المسجد الأقصى .

و بعد هذيان سكيرا ياتي الصوت المبحوح لصديق كوشنير وأحد ورثة تركة و ” تريكة” مكتب الاتصال الصهيوني المدعو أحمد الشرعي يبارك خيانة حاكم الإمارات و يتدخل، من موقع المتعاون مع جهات أجنبية معادية، في مؤسسة دستورية بقراءاته الصهيونية للدستور .

و بإشارة سكيرا و الشرعي تنطلق مندبة الذباب الإلكتروني للتنظيم السري ل ” محبي إسرائيل في المغرب الكبير” على الوحدة الترابية و خسران دعم؟ اللوبي الصهيوني !… و … و… ما إلى ذلك من خطاب القاذورات و نفايات ارشيف وكر مكتب الاتصال .

هذا و آخر دعوانا أن الحمد لله على نعمة الخيانة أحياناً .. لأنها تكون فرصة للفرز الحقيقي . و رحم الله الإمام الغزالي حين دعا يوما :
اللهم افضحنا و لا تسترنا !

و عندما قيل له، ما هذا يا إمام؟! أجاب سائله :
حتى يظهر الخبيث من الطيب ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *