منتدى العمق

الرشيدية والنضال

الفقر! دعونا نتفق على أن تاريخ الإنسان هو تاريخ البحث عن الطعام، وبذلك فالجائع لا يبحث إلا عن الخبز، لكن وأيضا، نتفق على أن منطقة الرشيدية، المعروفة بالمغرب غير النافع، على أنها عانت من سطو السلطة على جميع المجالات، السياسة، الثقافة، الفكرية… وأكاد أجزم أن الأطفال، الشباب والشيوخ يشعرون بقهر كبير،واحتقار شديد وظلم أشد، حتى أنهم أصبحوا ينتقصون من قيمتهم، لكن ما السبب وراء ذلك!إضافة، وللأسف الشديد، لازالت المنطقة لاتعرف وجود ولامنعى الاستثمار، لازالت بعيدة عن الفن والسينما، لازالت تعاني من عدم وجود جامعة مستقلة رغم توفر كل شروط إحداثها… هناك الكثير ثم الكثير من حرمان هذه الجهة التي تتصف في كثير من الأحيان بالجهة الطيبة، أي أنساها صادقين ومحترمين، إلا أن في المقابل كل أحلامهاتبقى مجرد أحلام،فلطالما حلم أبناؤها برقي مجتمعي، لكن دائما يجهض،وأيضا، لا أرى وجود لشيء اسمه الدفاع عن “الحقوق” إلا من رحم ربك، وهذه النقطة الأولى” نراه الفقر لكنه إستسلام للظلم”.

الثقة! أبناء الجهة على مر الزمان يثقون في المخزن أكثر من أي انتخابات، هل تعلمون أن المقدم يحترم بطريقة رهيبة أوساط الشعب، فما بالكم بالقايد والباشا والعامل! أما الوالي فتلك قصة أخرى، لكن السؤال الأكثر دقة هو هل فعلا ثقة في المخزن حقيقة أم مزيفة؟ تاريخيا عانت تافيلالت من الاستعمار والتحالفات والخيانات كباقي مناطق المغرب، إضافة إلى قتل في قبيلة أمام أعين أخرى، بالتالي عدم تحقيق أي شيء، ومع تكرار البؤس في المنطقة، لابد إلا وأن تستسلم للظلم لتكسب قوت يومها، اعتقادا أنه سينتهي وستنعش بالراحة والهناء، لكن في الحقيقة ذلك خوف مركب؛ عندما يخاف شخص معين من الظلام فهذا خوف بسيط، لكن عندما ينام في الظلام ويستيقظ على كابوس ويربط هذا بذاك، فيصبح خوف مركب، والخطير في الأمر أن هذا الأخير معقد، ومن الصعب تجاوزه، ومن نتائجه:الفقر،البؤس، انعدام الثقة بين المواطنين أي عدم الإتحاد فيما بينهم، الظلم،التحطيم…كل هذا نتاج زمن طويل من الانتهاكات والاعتداءات حتى أصبحت الجهة تلد عاهات على المجتمع، عكس العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا هم قادرين على “التشرميل” ولا هم قادرين على ” النضال ” ولا هم قادرين على “أي شيء”، ذلك الخوف المركب أنتج العقم المعرفي، والفني… بالمنطقة، وهذه النقطة الثانية ” نراها ثقة لكنها خوف مركب”.

سلميون! أما حاليا، ليس لنا جرائد بالمنطقة ولا صحف إلكترونية لتنقل معاناة الشعب، أو على الأقل لتعرف بمدينة “الرشيدية” وقد التقيت بعدد من الناس لا يعرفونها وهي عاصمة الجهة، أيضا،ليس لنا مستشفيات مجهزة، وحتى المستشفى الجهوي مولاي علي الشريف لا يفي بالغرض، كل الأقاليم تنكب عليه، ليس لنا طريق وطنية مجهزة أما ” لوطوروط” فذلك حلم. لكن في المقابل لنا “البركاكا” ناقلين الأخبار حتى وإن لم يحصلوا على دريهمات هزيلة قبح الله مسعاهم، لنا جمعيات تستحوذ على ضروريات عيش الساكنة حتى تبتزهم بها، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لنا أطفال يعملون ب 10 دراهم في اليوم عسى يحفظوا لهم ضروريات العيش (الطعام)، يلزمنا مرطون للحصول على “بون خنشةفارينة” وطبعا لا تكن إلا من النوع الرديء، لنا مستشفيات مختصة في تمريض وارهاق  السليم والصحيح، عندنا أرض وفلاحة يقتلهما الجفاف سنة بعد سنة، وأيضا، نسمع أن مسؤولين كبار يستحوذون على هكتارات بطريق بوذنيب وغيرها، ويستفيدون من تصدير المجهول، نسمع عن وجود الذهب بزاكورة لكن لا نعلم أين يتم تصديره،… الخلاصة وهي انعدام الجمعيات الفكرية، الثقافية… وأوضاع عيش جد مزرية…نتج عنه تخريب البنية الفوقية والتحتية بشكل رهيب حتى تلاشى الفكر والوعي بالمنطقة، وهذه النقطة الثالثة ” نرى أننا سلميون لكنه جهل وأمية”

كسب الرهان

فتح المحلات! رجوعا إلى الأول وقد ذكرت أن الجائع لا يبحث إلا عن الخبز، وقد أوضحت من خلال التعتيم الصحفي، والخوف المركب أنه من المستحيل الخروج في مظاهرات، إلا أننا نرى البارحة واليوم عكس ذلك! قبل أشهر خرج رئيس الجهة أكثر من مرة ليحدثنا عن البلوكاج، وبعده وقبل أسابيع خرج رئيس المجلس الجماعي لإقليم الرشيدية ليشرح الوضع بدقة أكثر، ومن خلالها بين الأمور والحدود اللازمة احترامها من طرف عون السلطة، ومباشرة بعدها انتشر شعار ” الشكوى لله ثم لصاحب الجلالة ” في أوساط الأسر والعائلات بالجهة، وتفاعل معها الكثير من الشباب والحقوقيون… مما أحدث الشرخ بين دور المنتخبين والسلطة والمجتمع، فبدأ ينتزع بذلك الخوف شيئا فشيئا، وهو لازال موجودا بحدة، لكن ليس بتلك الدرجة قبل الخرجة الإعلامية للرئيس، وبالتالي استطاع أبناء المنطقة بنزع ذلك الجزء الصغير من الخوف، أن يخرجوا للدفاع عن شيء ما ! في الحقيقة خرجوا للدفاع عن الخبز! خرجوا ليفتحوا محلاتهم لا أكثر، لم يطالبوا بالعدالة المجالية ويعلمون أن المغرب متجه إلى الإستثمار لاستدراك ماخلفته كورونا من عجز، لم يطالبوا بتوفير الماء والفلاحة مصدر لقمة عيش نسبة مهمة… لذلك لو تحقق أمر فتح المحالات لعادت الأمور لعادتها، وهو مطلب جد سهل تحقيقه فعليا، لكن مكلف للدولة فكريا، نظرا لشعور المناضلين بقوتهم، أي نسبة الخوف ستنقص أكثر، مما قد يولد مستقبلا نضالا حقيقيا عن الحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية، وهذا مكسب للمنطقة، ” نراه نضال من أجل فتح المحلات وفقط، وليس المطالبة بالرفع من القدرة الشرائية لكنه مكسب لفتح الباب أمام نضالات أخرى بالجهة”

البلوكاج!رب ضارة نافعة”فذلك البلوكاج الذي تحدث عنه رئيس الجهة” أو “الشكوى لله ثم لصاحب الجلالة” الذي رفعها رئيس المجلس الجماعي للرشيدية، رغم التأسف الذي يعترينا على تسيير منطقتنا، إلا أنه يدعوا للتفاؤل، ليس للخروج إلى الشارع أو رفع شعارات قوية ضد ” الوالي” كما رأيناها اليوم، لكن من أجل فك ارتباط الإصلاح المطلق بالمخزن، وإعادة الاعتبار للمنتخبين من طرف المجتمع، ووعي هذا الأخير بدوره المهم جدا لتحقيق التوازنات في مختلف المجالات، وأيضا من أجل تقليل نسبة الخوف تجاه الدفاع عن الحقوق، وأيضا من أجل زيادة منسوب الوعي عند الساكنة، عن طريق جمعيات المجتمع المدني باستغلال هذه الحماسية، عكس المزايدات التي رأيتها في كتابات البعض، فنسبة الوعي (بمفهوم ماركس عندما تحدث عن الوعي بالفقر) الذي وصلت لها الجهة هي الدفاع عن الخبز بعدما كانوا يموتون في صمت، لابد إذن من كسب هذا الرهان والدعوة أكثر إلى التكوين ثم التكوين ولو لفئة قليلة من أجل النهضة (سيكولوجية الجماهير)، وهذا مكسب اخر “نراه بلوكاج و/أو مزايدات سياسية يعرقلان كل شيء، لكنه مكسب لفتح ندوات ومحاضرات تزيد من منسوب فهم دور النضال النقابي والمدني”

في الأخير، الخوف، أوعدم وجود جمعيات ثقافية، أو الجوع، أو النزول إلى الشارع، أو احتقار الذات أو الفقر أو كل ما ذكرته، ليس هو المشكل الوحيد للمنطقة، لكنه مدخلا مهما للوعي ب “اللحمة” أي التضامن من أجل الدفاع عن الحق والإعتراف بقوة الإتحاد، وبعدها مستقبلا، يمكن الحديث عن إقامة عدالة الله في الأرض.

طالب اقتصاد سياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *