وجهة نظر

“التعايش” مع كورونا

اعتقد البعض أن موجة ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا”كوفيد-19″ بعد عيد الأضحى لن تتجاوز أسبوعين وتعود الحالة للاستقرار، لكن الأرقام تواصل-للأسف-الارتفاع لأسابيع، وتجاوزنا 2200 إصابة و40 وفاة فضلا عن ارتفاع عدد الحالات الحرجة والخطرة.

والمقلق، وربما المخيف هو أن عدد الوفيات يكاد لا ينزل عن 30 وفاة يوميا منذ أسابيع وارتفاع الحالات الحراجة لأكثر من 180 حالة، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر ويسائل كل واحد منا، ويفرض علينا استعادة روح التعبئة الفردية والجماعية التي سادت المرحلة الأولى من مواجهة الوباء، ومقاومة حالة التراخي والاستخفاف بالإجراءات المطلوبة لمحاصرته، حتى لا تحشرنا الجائحة في الزاوية، وتعيدنا للحجر الصحي الشامل ربما أكثر شدة، كما أشار لذلك جلالة الملك في خطاب 20 غشت.

ولايمكن التراخي والتعويل على قرب إيجاد لقاح وعلاج للوباء، لأن النجاح في الوصول إليه،قد يستغرق سنتين على الأقل، وربما يتطلبسنوات عديدة. ولأجل ذلك كله لم يعد أمامنا إلا خيار التعايش مع الوباء؛ تعايش ليس بالمعنى والدلالة اللغوية المتداولة للمصطلح، أي القبول بالمختلف معك في الدين والعرق الفكر بألفة ومودة، والعيش في نفس المكان والزمان، بل الوعي بخطورة الوباء كواقع وقدر، يعيش معنا وإلى جانبنا وخارج إرادتنا، مما يستدعي أخذ كل الاحتياطات اللازمة الصحية والطبية منها والاجتماعية، حتى لا تتعطل مناشط ومصالح حياتنا الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لتفادي الوقوع في الأزمة أو تفاقمها.

ويفرض ضرورة التعايش مع الوباء غير معلوم الهوية وطريقة الانتشار على وجه الدقة، إعادة النظر في كثير من سلوكياتنا وعاداتنا الاجتماعية، وبذل مجهودات كبيرة لتغييرها، من قبيل الإقبال على التبضع في فترات الازدحام وخاصة في المناسبات، وكثرة المصافحات، والسلام بالوجه والعناق، وبشكل يومي أحيانا ومبالغ فيه، فالسلام بالإشارة والابتسامة يكفي، وقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم ” تبسمك في وجه أخيك صدقة”.

ويعد ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي سلاح مهم ضد الفيروس، وكذلك التعاون مع السلطات العمومية المكلفة بالسهر على تطبيق الإجراءات والقرارات المتعلقة بمحاصرة الوباء، والتفاعل الإيجابي مع تلك القرارات لأنها في مصلحة الأفراد والمجتمع والدولة أيضا حتى تتفادى الرجوع للخيار الصعب والقاسي؛ العودة للحجر الصحي الشامل. ولأجل ذلك نحتاج أن نعيش ونتصرف بمنطق “نحن” وليس بالمنطق الفرداني، بما يعني أن سلوكنا الفردي وتعاملنا غير الراشد والمسؤول في هذه الأزمة الصحية كأشخاص، قد يؤذى الأسرة والحي والمجتمع بكامله، وبالتالي فإننا غير أحرار في أن نخرج كما نشاء بدون كمامة، ولا احترام للإجراءات الاحترازية من المرض، والتباعد الجسدي، لأن الظرفية استثنائية بكل معنى الكلمة.

إن العيش بمنطق “نحن” والتغلب على الأنانية الفردية بمراعاة مصلحة الأسرة والعائلة والمجتمع، من شأنه أن يساهم بشكل مقدر في محاصرة الوباء، مع مواصلة مناشط الحياة واستمرار مصالح البلاد والعباد، لأن كلفة التراخي وعدم المسؤولية باهضة وغير متحملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *