منتدى العمق

“المعرض الدولي للكتاب بين رهان الإرتقاء….وغياب القراء “

مما لا شك فيه أن الكتاب كان ولا زال هو أساس تطور الحضارات وتنمية المجتمعات عبر التاريخ، وهو لبنة لكل نهضة فكرية، نظرا لدوره في التأثير على جل المفاهيم الإنسانية سواء منها الإجتماعية ،الدينية، الثقافية وأيضاً السياسية. فلا يمكن نفي أن القراءة والكتاب متلازمان ومتداخلان فيما بينهما منذ البدء، ولا يتعايش أحدهما دون الآخر. فبدون إلمام بمبادئ القراءة لن تكون للكتاب جدوى والعكس صحيح .إلى أن التطور الذي شهدته البشرية في كل الميادين وطغيان الجوانب التكنولوجية التي أتت بها العولمة على حساب الجانب الثقافي للإنسان، أسهم بشكل كبير في تقلص حجم الاهتمام بالكتاب على الأقل في الدول العربية التي غررت بمظاهر الحداثة الغربية في وقتنا الحاضر ، أما الدول الغربية نفسها التي صنعت هذه الحداثة و التي لها صيت شاسع في التنمية البشرية، استمسكت بالكتاب وقدسته ، واتخذته منهاجا لها في تطور مجتمعاتها وإثراء المخزون الثقافي لأفرادها .

وبما أننا نعيش في قارة إفريقية تشهد اليوم ( نهضة تنموية) ، فإن المغرب باعتباره الآن مثالا يحتدى به إفريقيا على الصعيد السياسي والإقتصادي ، فهو يدأب منذ سنوات التسعينيات على تنظيم معرض دولي ووطني للكتاب بعاصمته الإقتصادية الدار البيضاء، يصل هذه السنة لدورته 23 ، تحت تنظيم وإشراف المندوبية العامة للمعارض وبشراكة مع وزارة الثقافة المغربية ، فهو يهدف إلى إلتقاء جميع الفعاليات الثقافية والإجتماعية بمختلف توجهاتها الفكرية والأدبية من كتاب ؛ وإعلاميين ؛ والنخب المثقفة ؛ ودور النشر؛ وفنانين، و أيضاً يهدف إلى انفتاح فكري على جميع الثقافات العالمية ، وإعادة صلة الرحم بين الكتاب والإنسان المغربي ومحاولة السمو بذوقه الذي يذهب في غالبيته إلى الإنحطاط.

ففي الظاهر، كل أهداف هذا المعرض وطموحاته مشروعة في مجملها ، بل ويجب تطبيقها ومن حقنا كأفراد هذا الوطن أن نلامس نتائجها في المجتمع. إلا أن في باطنها توجد تناقضات واختلالات تضعنا أمام أكثر من نقطة استفهام.

فإذا قمنا بالإطلاع على الإحصاءات الخاصة بمعدلات القراءة في الوطن العربي، فهي تعطي مؤشراً عن حجم تدهور الواقع الثقافي الذي تواجهه دولنا العربية، خاصة عند مقارنة هذه الإحصاءات والمؤشرات بمثيلاتها في الدول الغربية. فسنجد متوسط معدل القراءة في العالم العربي لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنوياً، وذلك بحسب نتائج الصادرة عن منظمة اليونسكو.
ويعتبر هذا المعدل منخفضاً ومتراجعاً عن السنوات الماضية، ففي عام 2003، وبحسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن اليونسكو نفسها ، كان كل 80 عربياً يقرأ كتاباً واحداً سنوياً ، بينما كان كل مواطن أوروبي يقرأ 35 كتاباً في السنة، والمواطن الإسرائيلي يقرأ 40 كتاباً، ورغم الفارق الكبير في نصيب القراءة للمواطن العربي مقارنة بالأوروبي، إلا أنه يعتبر أفضل من الوقت الحالي، حيث تراجع إلى ربع صفحة فقط، وهو معدل كارثي.

تقرير التنمية البشرية عام 2011، الصادر عن “مؤسسة الفكر العربي” يشير أيضاً إلى أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً، بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً، وهذا يوضح لنا مدى الكارثة الثقافية والعلمية التي يعيشها المواطن العربي، مقارنة بمواطنين في الدول الأوروبية، كما يؤكد وجود هوة ثقافية شاسعة بين ثقافة المواطن العربي وثقافة المواطن الأوروبي.

أما على المستوى الوطني الذي يحتضن ترابه معرضا دوليا ،فمن المفترض خصوصاً أن يكون أفراده يشهد لهم معدل عالي في الإرتباط بالقراءة. غير أننا نصطدم بواقع مرير ، حيث أن القراءة بالمغرب وعلى لسان بعض المهتمين بموضوعها تعرف وضعا مزريا ،حيث ثبت أن المغاربة لا يمارسون القراءة ومعدل هذه الأخيرة بالمغرب هو 5 أسطر سنويا لكل مواطن “.
وترجع أسباب هذا الوضع المُزري حسب نفس المعنيين إلى ما تعيشه أغلب شرائح المجتمع المغربي من أمية مرتفعة تصل إلى نسبة 68 % في العالم القروى و52% في المدن و عدم تشجيع التعليم على القراءة، إضافة إلى ثورة البدائل “الصحافة الالكترونية” وتدني القدرة الشرائية على اقتناء الكتاب. وفي هذا السياق، يؤكد باحث جامعي أن أزمة الكتاب والقراءة، في بلد تجاوزت ساكنته الثلاثين مليون نسمة جعلت نسبة المقروئية فيه متدنية للغاية، هي أزمة منظومية، بمعنى أن كل أطراف العملية مسؤول بنصيب محدد، وكل واحد منهم قد يدفع بمسوغ ليدرأ المسؤولية عن نفسه. ويلاحظ نفس المصدر أن لكل المسوغات نصيب من الحقيقة، إذ أن تردي واقع القراءة والكتاب يحول دون مجازفة الناشر والموزع، وغياب المحفزات(مهرجانات وجوائز ولقاءات دورية..) يطال جودة المنتوج، فلا يقبل عليه سوى القلة القليلة التي تقرأ، وضعف ميزانية دعم الكتاب رسميا يدفعها للاشتغال وفق منطق الانتقائية.

ففي ظل كل هذه المعطيات ، نجد أنفسنا عند عتبة هذا الموضوع نتسائل بحرقة :
-هل المعرض الدولي للكتاب يحقق الهدف المطلوب منه ؟ أم هو ملتقى تجاري نفعي ومصلحي أكثر منه ثقافي يخدم فقط الراغبين في الإستثمار المصلحي ؟؟
– هل فعلا نحتاج فقط لمهرجان وطني وحيد يتجدد كل سنة لتذكيرنا بأهدافه المبتدلة دون سياسة رشيدة تعرف حقا طريقا للمصالحة الإنسان مع الكتاب؟؟
– أم يجب علينا تكريس وتضافر جهود الوزارات والأجهزة المعنية عبر خلق زوبعة من طرف المؤسسات الإعلامية عبر توعية هادفة وتكوين ورشات في مناهجنا التعليمية تكون أكثر نفعا لعقول ناشئتنا من معرض للكتاب ؟؟