منتدى العمق

خواطر فوسفاطية 4

وصلت الورقة السحرية حاملة معها الفرج، وعانقت أنا وزميلي الحرية من جديد، بعد أن كنا نقبع وراء قضبان القمع والاستنزاف النفسي…قال لي أحد العمال الذي جاور أصحاب الكهف الفوسفاطي ورأى بأم عينيه الكلب وهو باسط ذراعيه بالوصيد؛ إنه بإمكاني التنفيس عما عانيته فترة السجن الاحتياطي بتسجيلي في رحلة ترويحية تنظمها الشركة لفائدة علية القوم ورعاعهم على حد سواء…سألته عما وراء نبرته الميزية تجاه أفراد يساهمون جميعا في إنتاج مشترك، رد علي دون تفكير، نحن العمال الأشقياء الأدنياء نقتات من فتاتهم، في حين هم يصلون المنزلة الرفيعة ويشربون من ينابيع الماء الزلال، إنه الواقع المرير، نحن مجرد كائنات تزحف على بطنها، ولأمعاء بطنها حتى تنتهي المهمة ما بين أكل وزحف.

اليوم هو يوم الرحلة، جميعنا حاضرون في أحسن حلة، يصعب معها التأكيد على أن الواقف أمامك فوسفاطي، غير أن اللجنة المنظمة وأغلبها هم مسؤولون نقابيون، لم يحضروا في الوقت، بل انطلقنا دونهم. سألت صديقي؛ لماذا لم نحس منهم من أحد ولم نسمع لهم ركزا علما أنهم هم من يُفترض فيهم تزعم الموكب؟؟ قال إنهم يزهدون في مثل هذه الرحلات باستثناء رحلة “أكادير”…قلت إنها فعلا مدينة رائعة بامتياز سياحي كبير، قال إن الناس فيما يعشقون مذاهب…قبل أن نغادر المجال الحضري أخذت الإذن من السائق لأذكر بدعاء السفر، ننعم به وجدانيا وروحيا، فرحب بالفكرة وناولني مكبر الصوت حتى ننعم جميعا برحلتنا الوظيفية.

ونحن على مقربة من الفندق انتدبت نفسي لجمع مساهمات مادية لسائق الحافلة على غرار ما تعلمته في الرحلات العائلية منذ أن كنت ناشطا جمعويا. لأول مرة أصطدم برواسب ثقافية تتقعر شوائبها بشكل عميق في دواخل بعض العمال، كانت الحصيلة ستة مائة درهم سنمنحها للسائق الذي لم يزل هاتفه من على أذنه اليسرى حتى أوقفه شرطي المرور بغرامة خمسة مائة درهم، فبقي لصاحبنا مائة درهم مع بعض الصروف.
الفندق كأنه جنة صغيرة في الأرض، أنستني كل ما فعله بي رئيسي المباشر أثناء فترة التدريب، كل شيء على التمام والكمال، باستثناء الإسورة الحمراء التي كثر عليها اللّغط عند بعض الزملاء بشكل غير مفهوم.

الساعة كانت تشير إلى الخامسة مساء، توجهت أنا وصديقي نحو مقهى داخل الفندق، فابتدأت نفسي الضعيفة تشتهي ما لذّ وطاب من الأشربة، قلت للنادلة أريد شرابا وبعضا من المقبلات، فردت عليّ وهي تنظر إلي بشكل غريب، الإسورة الزرقاء لا تعطيك الحق في الشراب، أجبت على مضض، كيف ذلك وهم أخبروني في الاستقبال بأن كل شيء متاح لي بالفندق، فنظرت إلي مجددا وتساءلت عما إن كنت صادقا فعلا في طلب الشراب، مشيرة إلى قارورات مزركشة كنت قد شاهدتها فيما قبل في فيلم “بلود سبور” لبطله “فاندام” الذي كان يحتسي ذات القارورات في مشهد ما قبل المبارزة…أدركت حينها ورطتي وأن الشراب الذي طلبته هو الخمر في عرف النادلة، استدركت فقلت حدّ الله بيني وبين الخمر، فضحكت الفتاة لسذاجتي وناولتني عصير ليمون زهدت فيه هو الآخر لهول الموقف، استفزني فضولي الفطري، فسألت النادلة الطيبة مجددا، لماذا مُنعْنا من الإسورة الحمراء، قالت إن أصحابك الفوسفاطيين جاءوا هنا ذات مرة فأسكرهم النبيذ إلى حد الثمالة، فوسوس لهم في عقولهم بأن السائحات الأجنبيات لهن رغبة جامحة في الرقص معهم، فأجبرنهن على ذلك، فقامت القيامة لفعلتهم هاته، إلى درجة أن أحدكم… فعقبت عليها على الفور؛ أحدهم، فصححت الكلمة معتذرة كون أحدهم رفع كرسيا حديديا في وجه مدير الفندق قائلا بتباه فج؛ أجرتي النصف شهرية أكثر بكثير من أجرك الشهري الزهيد…قلت لها الفوسفاطيون حجر وطوب…فقالت وهي تضحك؛ أكيد…يتبع