منتدى العمق

العلاقات المغربية العثمانية خلال الفترة الإسماعلية (1672م/1727م)

تعتبر علاقات الدولة العلوية مع العثمانيين قديمة حيث لم تكن بدايتها مع السلطان مولاي إسماعيل بل هي استمرار للعلاقات التي ربطت البلدين خلال حكم المولى محمد والسلطان المولى الرشيد، ففي أعقاب وفاة المولى محمد بن الشريف وجلوس أخيه المولى الرشيد على كرسي العرش كانت تصل رسائل عثمانية لدى المولى الرشيد تطالبه أن لا يسمح لجيشه بالتوغل في الأراضي التي توجد تحت نفوذ العثمانيين على أن يقلعوا بدورهم عن كل محاولة للتوسع ورغبة من المولى الرشيد في استقرار الأحوال استجاب لمطلب الترك، وضمن ذلك في كتاب منه إلى الوالي التركي بالجزائر، وكان الكتاب يحتوي على رسم الحدود التي تفصل الأراضي المغربية عن الإيالة العثمانية وهكذا ثم الاتفاق بين الطرفان بجعل “وادي تافنة” كحد بين البلدين(1)، وبعد ذلك تحسنت العلاقات بين البلدين في عهد المولى إسماعيل بل كانت الروابط الدينية أقوى من ذلك من أن تتأثر بما حصل بين الجانبين، فقد كانت تلك الروابط أقوى في التمكين العلاقة بين الدولتين(2 )، فقد تميزت فترة السلطان إسماعيل بعدة مناوشات بينه وبين الأتراك الجزائر ظهرت آثارها سواء في الوثائق المغربية أو التركية أو الفرنسية وغيرها، بالرغم من اتفاق منذ بداية ايام السلطان مولى إسماعيل على إقرار ما تم بين أخويه محمد والرشيد وبين أتراك الجزائر من جعل الحد هو “وادي تافنا”(3 ).

ظل السلطان إسماعيل رغم علمه بما انتهى إليه أخويه محمد والرشيد كما سبقت الإشارة إلى ذلك حول اتفاق الذي تم مع الأول وأكده الثاني، لكنه عاد لمهاجمة الأتراك فبمجرد ما استطاع أن يفعل ذلك الأمر سنة 1089هـ/1678م، على أنه ما كان ليقوم بذلك لولا أن الأتراك اختاروا وقت انشغاله بحرب ابن أخيه “أحمد بن محرز” في سوس ثم أخذوا يناوشون سكان مناطق الحدود الشرقية من المغرب، ومع ذلك عاد الاتفاق الذي التزم به مع السلطان مصطفى حان الثاني 1106هـ/1694م(4)  وفي تلك الأثناء كان السلطان يعتقد أن أمر ابن محرز قد انتهى بعد طرده من منطقة لاسيما بعد عقد هدنة مع أتراك الجزائر إلا أن أخبار وردت من سوس سنة 1092هـ/1681م، أكدت أن أتراك الجزائر الذين فتحوا ضده واجهة في الشرق المغربي كانوا أيضا وراء تمرد “ابن محرز” في الجنوب حيث ضبطت بعثات متبادلة ومراسلات منتظمة انتهت إلى عقد حلف سري بين أولئك وبين عناصر التمرد (5).

 فقد شهد عام 1103ﻫ في يومه السابع عشر من شهر شعبان قدوم على “الغرناطي” رفقة “الزيتوني” و” ابن صالح ” بمكناس بالعدة ودفع الراتب للرماة، وخلال يوم الأربعاء رابع رمضان نزل “مولاي زيدان” بوادي فاس وبالغد نزل بسبو، ونزلت محلة فاس هنالك معه، ومن الغد وهو يوم السبت سابع رمضان تم الرحيل من سبو، ثم في يوم السابع والعشرين منه وقع قتال بينهم وبين الترك ومات القائد العربي “بن صالح” وغيره وهرب بعض رماة فاس ووصل بعضهم لفاس يوم الاثنين وهو يوم العيد وخرج حاكم المدينة يجمعهم، وكان يوم الاثنين ثامن شوال العام حدثا لخروج السلطان الذي بات بسبو وأيضا يوم الاثنين خامس عشر منه جاء الخبر بأن السلطان عمل مع الترك صلحا وفي يوم الاثنين الثاني والعشرين منه رجع الرماة وفي السابع والعشرين منه خرج ابن السلطان مع فقهاء للجزائر(6).

وفي سنة 1106 هـ،  خرج “مولاي زيدان” من فاس بمحلته للترك بعد أن قتل الخليفة “أحمد السلاوي” بفاس وحاربها ونهب ما وجد ورجع في العام سبعة ومائة وألف ورد كتاب السلطان العثماني على مولانا إسماعيل يأمره بالصلح مع أهل الجزائر(7).

ومن بين الرسائل التي نجدها بين الدولتين، نجد أن الباب العالي يبعث في السنة الموالية 1107ﻫ/1696م سفارة إلى البلاط المولى إسماعيل الذي كان بدوره قد أرسل بوفادة التهنئة للسلطان مصطفى الثاني بمناسبة تقلده الحكم فقد وصلت السفارة ومعها رسالتان من اسطنبول كانتا ضمن ما عثر عليه في أرشيف اسطنبول، الأولى ولو أنها لا تحمل تاريخا إلا أن مضمونها يكشف على أنها كانت بعد تولي مصطفى الثاني الحكم، ونقل ملخصها إلى العربي :” لقد ورد علينا كتابكم الذي يعبر عن الود والصداقة المتوارثين فيما بين الأمتين وإنه من حين جلوسنا على العرش ونحن نقوم بأنفسنا على تقرير قواعد الملة خدمة لمصالح الأمة ورفعا لراية الجهاد وحماية الثغور الإسلامية وأننا لن نسمح بقيام المحظورات الشرعية في بلادنا…”، أما الرسالة الثانية فتتناول موضوع شكاية الجزائر إلى اسطنبول من مولاي إسماعيل حيث نجد أن الداي يوهم الباب العالي بأن الوجود التركي في الجزائر مهدد من طرف المغرب، وبهذا نفسر خطاب السلطان مصطفى الثاني باللغة العربية وهو ينتدب  “الجليل بن الجليل” للصلح مع الجزائر ولكن الخطاب، إضافة إلى هذا يحمل بين سطوره معاني التهديد والتعامل”(8).

تحمل الرسالة الأخيرة تحرشات ضد المغرب وهذا ما احتج عليه السلطان المولى إسماعيل لدى السلطان مصطفى الذي نراه يغضب فيبعث برسالة مطولة بتاريخ 22 شوال 1120 باللسان التركي “إن الجزائر ضمن ممالكنا المحروسة المسالك…و إن سكان البلاد وأهلها وحكامها (…) وجندها منقادة من بعد أجدادنا لنا ..وبعد هذا يذكر بأنه بقرب دار السكان المغرب ما تزال توجد مليلة والبريجة وسبتة وبادس هي بيد الكفار…وأنتم تمدون يدكم إلى مدينة بعيدة عن دياركم تقع جوار تلمسان ألا وهي (وهران) تريدون أن تحوزوها بأعذار واهية على عكس ما تشير به الآية القرآنية :(يأيها الذين أمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار)” (9).

فقد قام السلطان مولاي إسماعيل بمحاولات من أجل الاستعيانة  ببعض أعراب من إيالة تونس في شغل أذهان أتراك وكذا أتراك الجزائر، وكان “المولى زيدان” ابن السلطان وليا على تازة ويترأس قيادة جيش لمواجهة الدولة العثمانية، فتجرأ على مهاجمة مدينة تلمسان وأخذها حتى وقف عندها، ولم يكتفي بذلك بل دفع بقوته حتى “نهر شلف”، وهناك دارت معركة عنيفة بين الجيش السلطاني والجيش العثماني كاد أن يصاب فيها “المولى زيدان”، فكان السلطان إسماعيل أمينا على بلاده من الجهة الشرقية بفضل سلسلة من الحصون، و من تم لم يجد بأسا في محاولة تمديد المجال نحو الشرق، فترك فكرة التوسع شرقا عن طريق تلمسان وأخذ الطريق للجنوب فترك أحد أبنائه يحتل المنطقة “عين مهدي” غربي الأغواط، كما استطاع أحد أبناء إخوته أن يضع حامية  بسمجون في منتصف الطريق إلى عين صفرو (1710-1712م)، وساد الاضطراب في ذلك الحين والفرصة سانحة، لكن السلطان مولاي إسماعيل لم يتمكن من ذلك بسبب انشغاله بثورات داخلية(10).

وقد  تجدد الصدام بين الطرفين في سنة 1112ﻫ/1701م، حيث نجد رسالة من القنصل الفرنسي “مانيي” بسلا مرفوعة إلى الوزير الفرنسي يتحدث عن اشتباك مغربي جزائري  كما توجد رسالة أخرى من الجزائر إلى نفس الوزير الفرنسي بتاريخ 20 ماي1701 تخبر بتغلب الداي مصطفى على الجيش الإسماعيلي في وادي الجديروة من فروع شلف بتاريخ   20 ذي القعدة 1112 هـ الموافق 28 أبريل  1701م، فإذا كانت هذه الوثائق تتحدث عن هزيمة الجيش المغربي هذه المرة فإنها ذكرت انتصار السلطان المولى إسماعيل على العثمانيين في حملة مضادة لاحقة، إذ كتب القنصل الفرنسي في تطوان “Pierre Estelle” إلى وزير الخارجية الفرنسي بتاريخ 29 يونيو 1701 يخبره بأن حاكم المدينة أعطى أمرا بإقامة الأفراح وإظهار معالم الزينة بمناسبة انتصار الجيش المغربي على الجيش العثماني(11)  .

عرفت الفترة التي كان الجيش المغربي يتصدى لوقف التحرشات من أتراك الجزائر، إرسال السلطان المولى إسماعيل سفارة إلى السلطان العثماني أحمد الثالث يخبره بما يقوم به ولاته من تحرشات ضد بلاد المغرب، فكان الرد العثماني من أحمد الثالث، وورد في الخطاب كما يلي: “أعلم أيها السيد الولي أنه قبل أن يصل إلينا كتابكم الأسمى وخطابكم لأنمى كنا لا نعرف ما هم عليه أهل الجزائر ولا أنهى إلينا فعلهم أحد كما أنهيتموه لنا ولا عرفنا ما صار عندهم ولا ما هم عليه، وبالجملة أهل الجزائر ما هم على شيء لكونهم أخلاط الناس فيهم البراني وفيهم الأخلاق له ولم تكن عمارتها بذوي الحساب والأنساب كل هذا لا يخفانا قبل، نعرفه ونتحقق منهم، وقد بلغنا أنهم خرجوا من البلاد بمحلتهم و أرادوا الشر معك وإنا لا نرضى منهم ذلك، وهذه الذخائر والأموال والخزائن التي خبرتنا بها قطعا خبرنا بها غيرك والآن إن شاء الله نرد لهم البال ونشتغل بهم ولا نتركهم في حيز الإهمال، وتلك الخرجة التي خرجوا لبلادك نطلب من كمال فعلك وحسبك أن تسمح لهم لوجهنا وإن عادوا يراجعونك ولو بكلمة بمحي جرتهم”(12)

وأخيرا يمكن القول بأن هذه  العلاقة قد شهدت عدة توترات نتيجة أطماع التوسع لدى الطرفين فكانت لدى السلطان مولاي إسماعيل رغبة في التوسع نحو الشرق، فبسبب ذلك وقعت عدة حروب بين الجيشين، كما وقعت عدة مناوشات من طرف أتراك الجزائر حول الحدود المغربية وكذا مساندتهم لثورة ابن محرز، فقد مشت بينهم عدة سفارات وتم عقد عدة اتفاقيات صلح كما كانت مساندة بعض عناصر من أتراك الجزائر للجيش الإسماعيلي عند تحرير ثغوره فقد لعب رابط الدين دوار كبير في هذه العلاقات وقد ظل التعاون بين البلدين فيما يخص الجهاد وكذا التجارة .

هوامش
 

1. التازي،عبد الهادي، التاريخ الديبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم، المجلد التاسع، الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية، مطبعة فضالة، المحمدية،  1988م، ج 1، ص. 12-13.

2.الفيلالي، عبد الكريم، التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير، ناس للطباعة، القاهرة، ج 4 ،الطبعة  الأولى، 2006، ص. 220.

3.التازي، عبد الهادي، التاريخ الديبلوماسي للمغرب…، م.س.، ص. 13.

4.الفيلالي، عبد الكريم،  التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير، م.س.، ص. 220.

5. التازي، عبد الهادي، التاريخ الديبلوماسي للمغرب…، م.س.، ص.13

6.الرباطي، الضعيف، محمد بن عبد السلام،  تاريخ الضعيف(تاريخ الدولة السعيدة)، تحقيق وتعليق وتقديم أحمد العماري، نشر دار المأثورات،الرباط، ط 1، 1989م، ص. 76.

7. الكنسوسي، أبي عبدالله محمد بن أحمد، الجيش العرمرم الخماسي في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي، تقديم وتحقيق وتعليق الأستاذ أحمد العماري، نشر دار المأثورات، الرباط، ط 1، 1986م، ص. 143.

8. التازي، عبد الهادي، التاريخ الديبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم، المجلد التاسع، الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية، مطبعة فضالة، المحمدية، ج 1، 1988م، ص. 18.

9.  التازي، عبد الهادي، التاريخ الديبلوماسي للمغرب…، المجلد التاسع، م.س.، ص. 18-20.

10. -حسين مؤنس، تاريخ المغرب وحضارته: من قبيل الفتح الإسلامي إلى الغزو الأوربي، المجلد الثاني،العصر الحديث( دار النشر  ) النشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1992 م، ص. 273

المجلد التاسع، م.س.، ص.22-23

11.  التازي، عبد الهادي، التاريخ الديبلوماسي للمغرب…، المجلد التاسع، م.س.، ص. 21.

 12.   التازي، عبد الهادي، التاريخ الديبلوماسي للمغرب…، المجلد التاسع، م.س.، ص.22-23

بقلم لحرش رضوان