وجهة نظر

إلى السيد بوعيدة.. بين النقد والانتقاد خيط رفيع‎

ليس عيبا أن يتوقف الأعضاء والقيادات والنخب في الحياة الحزبية لتقييم نموذجهم التنظيمي تثمينا للمكتسبات واستباقا لتحديات المرحلة في ظل المتغيرات السياسية والاجتماعية،وفي اطار الجهد الجماعي لبلورة تصورات تقوي موقع الحزب لمواجهة العوائق والتحديات في المستقبل القريب والبعيد.

مرد هذا الكلام مادعا اليه عبد الرحيم بوعيدة في مقال له عبر صفحته بالفيسبوك داعيا من خلاله الى ماسماه بعملية “التصحيح” داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، معنونا إياه باعترافات على هامش أزمة …! دون أن يحدد نوع الأزمة التي يقصد بذلك اللهم ان كان تعبيرا لا اراديا عن أزمة مخلفات فقدان رئاسة جهة كان يرأسها الى وقت قريب ،وماتركه ذلك من أثار نفسية تفسر المواقف الجديدة التي ظهرت بعد ذلك الحدث…

لكن عموما وجب الإشارة الى أن الدعوة الى التصحيح داخل الحزب السياسي في حد ذاتها لا يمكن أن تعتبر جريمة متى كانت الدوافع من خلالها تروم تأهيل الذات الحزبية فكريا ومنهجيا وتنظيميا،ومتى كان ذلك يتم داخل قنوات ومؤسسات الحزب ،أو حتى بمقالات علمية رصينة تناقش بشكل مسؤول وموضوعي ومنهجي مكامن الخلل مع تقديم اقتراحات ومبادرات في اتجاه تطوير أداء الحزب،وليس بمقالات انفعالية مبنية على أحكام قيمة جاهزة ومتسرعة وتستعير في ذلك تشبيهات وتوصيفات قدحية ، وبدون أية اقتراحات واقعية وعملية.

فالسيد عبد الرحيم بوعيدة يعرف أكثر من غيره وهو المثقف والجامعي أن الفرق بين النقد والانتقاد خيط رفيع،فهناك تضاد واضح بين الإيجابية والسلبية بين التصحيح والتسفيل وبين البناء والهدم،فالتصحيح لأي فعل أو فكرة أو قرار يكون بهدف الارتقاء والبناء وتحويل الجانب في أمر أو فعل ما الى أمر إيجابي من خلال المساهمة في اقتراح الحلول المناسبة التي تهدف الى الارتقاء بالفعل التنظيمي داخل الحزب السياسي،أما الانتقاد فغالبا مايحمل صفة السلبية ساعيا نحو الهدم ونسف البناء معتمدا في ذلك على تحقير الفكرة واستعمال الصفات القدحية وهو ما ذهب اليه السيد بوعيدة في مقدمة مقاله الذي افتتحه بتشبيه حزبه بكونه “أوهن من بيت العنكبوت” وكأن الرجل يخاطب دولة معادية، وهو مايعكس حجم التسرع في استصدار أحكام جاهزة حتى قبل الاسترسال في المقال،كما يعكس كمية الانفعال التي أفرغت المقال من النقاش الموضوعي والهادئ،وجعلته ينتقد هياكل الحزب التي لم يكن لها وجود يذكر قبل الدينامية الجديدة في عهد الرئيس المجدد عزيز أخنوش،وهو مايعكس حجم التحامل الكبير في المقال، الأمر الذي جعل البوصلة تبدو مفقودة لما يدعو اليه من “تصحيح”كما تبدو مفقودة في تحديد موقعه داخل الحزب أو خارجه وهو ماعبر عنه في مقاله بالتردد “بين الرغبة في البقاء أو المغادرة” ،مايفسر حجم الارتباك والتناقض الواضح في كتابة المقال الذي يبدو أن الدوافع التي تؤطره لا تتجاوز حدود تصفية الحسابات أو رد الصرف بعبارة أخرى ،وهو ماتعكسه حتى الأفعال على أرض الواقع، اذ كيف يعقل لمن كان يكيل المدح والتنويه لدينامية وعمل الحزب قبل سنتين فقط عندما كان في المسؤولية أن يتحول بين عشية وضحاها الى منتقد لذلك دون أن يطرأ على مسار وتوجه وقيادة الحزب أي تغيير … ! سوى التغيير في رئاسة جهة كلميم واد نون التي استقال منها السيد بوعيدة بمحض ارادته بعد أن فشل في تدبير الأغلبية داخل المجلس…

لكن يبقى المقال رغم حجم التحامل والتناقض مناسبة للتفاعل مع بعض الأفكار ومناقشتها وتوضيح مجموعة من المغالطات،فنقاش الفكرة لايمكن أن يكون الا بفكرة تماثلها، أما النقاش المؤسساتي فلا يمكن التفاعل والتجاوب معه الا داخل القنوات الرسمية للمؤسسة متى كان ذلك بمذكرات أو مراسلات تحمل أسماء وصفات أصحابها أما البلاغات المجهولة والحسابات الوهمية فلا يمكن الا أن يتم تجاهلها على اعتبار أن التفاعل معها يؤسس لمنطق الفوضى واللامؤسسة.

كما أنه لايمكن لفكرة تصحيحية أن تصل أو تجد صدى لها استنادا على الفوضى والتقوقع في مواقع التواصل الاجتماعي بالحسابات الوهمية،وغياب الوضوح والجمع بين خليط من المتناقضات، بين من يصفي الحساب وقدماه في حزب أخر، وبين من يسعى الى تقوية موقعه التنظيمي،وبين من جعلته الدينامية التنظيمية والمؤسساتية خارج المسؤولية لفترة معينة بعدما عمر فيها لسنوات طوال،هذا التناقض في الدوافع والخلفيات طبيعي أن ينعكس على طبيعة الأهداف والأولويات ليختزل عملية “التصحيح” داخل الحزب في “الانقلاب” وتغيير المواقع عوض المساهمة في تطوير الأفكار والأداء…

* عضو المكتب الوطني للشبيبة التجمعية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *