وجهة نظر

مع الفن لكن ضد الفنان!

فرقة موسيقة

في البدء لا بد من التأكيد على بديهية أساسية وهي أن الفن جزء من الوجود الإنساني، وشرط جوهري يحقق الاكتمال والكمال في عالم تُنغسّه تطاحنات سياسية وإيديولوجية مقيتة، وينخره انحدار ذوقي رديئ، ولأن الأمر على هذا النحو فإن الفن المرغوب فيه، بصرف النظر عن طبيعته، هو ذلك النابع من عمق الاختيار، والمزداد في حضن العلاقة التفاعلية بين الواقع واللغة المعبرة عنه، وبالتأكيد بعيدا عن مطامع الكسب التي باتت توجه الاختيارات الفنية.

لا أحد ينبغي عليه أن يكون ضد الفن، لأن الفن إحساس، لغة، ترجمة للمسكوت عنه في واقع البؤس، أو بؤس العالم بلغة بيير بورديو، حيث يرتقي بنا الفن إلى عوالم تحقق الكثير من المتعة؛ متعة الجمال في النص او الصورة.. ومتعة محاورة المنطوق الذي تكشف عنه هذه الصورة أو هذه الكلمات، وفي ذلك إحياء لعمق الارتباط بين الفن والفنان، بل بين الوجود والموجود الذي يسكنه.

لكن إقرارنا بأهمية الفن، وسمو الذوق، لا يعني تحويل مفهومه إلى مجرد إطار عاكس لممارسة غير موجودة، وشعار لتجربة لا تحاكي في العمق رهانات الواقع الحقيقية، ولا تعبر عنه كما هو، بقدر ما توظف هذا الواقع لشرعنة الريع، وتبرير أشكال الاغتناء غير المشروع.

إذا كان الفنان يعيش لأجل الفن، وما يجنيه منه يكون نتاج الأثر الذي يحدثه فيه، فإنه يحق له أن يدافع عن فنه، وأن يبحث عن سبل النهوض به، وتطوير ممكنات تألقه، أما إذا كان ” الفنان” يعيش من الفن، ويتخذه مدخلا لمراكمة الثروة، وضمان انتقال طبقي سلس، فإنه لا يستحق لقب الفنان، لأن ما يقدمه لا يخدم الفن كقيمة ذوقية، وإنما يساهم في ترسيخ ” الإنتهازية الفنية”، وينزل بالفن إلى مرتبة دونية تُحيِّده عما يجري في المجتمع.

جدل الفن والفنان، وشروط التجربة الفنية، باعتبارها تجربة فلسفية وإنسانية، تروم ترسيخ المعنى في الفعل، والارتقاء بمستوى الذوق الفني، ” جدل” بمثابة مغامرة حقيقية، في ضوء عدم اعتماد المعايير الحقيقية لممارسة الفن، وتحديد الرهانات المنتظرة من كل تجربة فنية، أما وقد بات الاتجار موجها فعليا في العملية، ومنطلقا لتأكيد الاختيار.. فإننا سنكون أمام جمهور من الفنانين، لكننا لن نكون أمام تجربة فنية ذوقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *