وجهة نظر

الاحتفال باليوم العالمي للمدرس يقتضي العمل على تحسين أوضاعهم الاجتماعية والمادية

مع الخامس من أكتوبر من كل سنة، ومنذ سنة 1994 وقف ويقف العالم احتفاءً بالمدرس واعترافا بدوره ومكانته ورسالته النبيلة التي اضطلع بها الأنبياء والرسل على مر التاريخ، رسالة التعليم والتبليغ والتوجيه، وبما قدموه ويقدمونه وسيظلون يقدمونه من خدمات جليلة في سبيل تربية وتعليم و صناعة الأجيال، صناعة الرأسمال البشري الحقيقي الذي من شأنه أن يحرك كل عجلات الاقتصاد والتنمية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ولا شك، من خلال نماذج واقعيه حية، كيف استطاعت دول كانت مصنفة تحت عتبات الفقر (سنغافورة نموذجا ) أن تحقق إقلاعا تنمويا باهرا جعلها تلتحق بمصاف الدول المتقدمة وفي ظرف وجيز جدا وذلك بسبب اهتمامها بالتعليم والمعلم أولا وأخيرا، فلا تقدم و لا ازدهار و لا تنمية في غياب التعليم و غياب المعلم الذي يقود و يحرك عجلة هذا التعليم.

وبهذه المناسبة اليومَ 5 أكتوبر 2020، تتقاطر الرسائل من كل صوب وحدب مهنئة أسرة التعليم رجالها ونساءها بهذا اليوم الذي جاء هذه السنة متزامنا مع ظرفية استثنائية، ظرفية أربكت كل الحسابات وخلخلت كل الموازين وجعلت المواطنين جميعهم بمن فيهم أجهزة القيادة يبحثون جميعا عن الطريقة التي تمكن من تمدرس الأبناء وتلقيهم تعليما جيدا في ظل إكراهات الجائحة، وهذا ما جعل الدولة المغربية تضع الأسر المغربية بين خيارين لتدريس أبنائهم : خيار التعليم الحضوري داخل الفصول الدراسية، و خيار التعليم عن بعد، مع بذل جهود جبارة لتوفير إمكانياته بتصوير الدروس وبثها عبر عدد من القنوات المغربية.

غير أن المغاربة و أكثر من 80 بالمئة منهم، كما صرحت بذلك الوزارة نفسها، اختاروا توجيه أبنائهم إلى التعليم الحضوري رغم علمهم بأنهم قد يعرضونهم لخطر الإصابة بعدوى ״كوفيد״، ورغم ذلك فضلوا هذا النوع من التعليم مؤكدين من خلال قرارهم ذلك أنه لا شيء يمكن أن يعوض المدرس في حضوره بالرغم من كل الظروف والإمكانيات التي قد تكون متوفرة لديهم ليتابع أبناؤهم دروسهم داخل منازلهم، وبالرغم من أن شبكة الأنترنيت ،مثلا، تعج بالدروس التي يمكن أن يقبل عليها المتعلم بكل سهولة ويسر وإعادة تلقيها ومشاهدتها مرات ومرات، ورغم ذلك فلن تعوض حصة حضورية واحده مع المعلم .

فإذا كانت رسائل التهنئة والشكر والتقدير تلك المتقاطرة على المدرسين من كل جانب، بما فيها الرسالة الموجهة من لدن وزير التربية الوطنية ״سعيد أمزازي״ بخصوص هذه المناسبة فإن كل ذلك غير كاف للتعبير عن الشكر لهذا المدرس والاعتراف بدوره الذي لا يعوضه أي شيء آخر خاصة وأن عددا كبيرا جدا من المدرسين يعيشون أوضاعا اجتماعيا ومادية صعبة، ونسبة كبيرة جدا منهم لا يمتلكون مساكن خاصة بهم ولا وسائل خاصة للتنقل إلى العمل فتجدهم يسيرون إلى مقررات عملهم مشيا على الأقدام أو من خلال دراجات هوائية أو نارية، وحتى اذا تمكن بعضهم من توفير سكن خاص به ووسيلة نقل خاصة ومريحة فإن ذلك يكون بعد سنوات طوال من العمل وبعد اللجوء الى الاقتراض من الأبناك ليجد نفسه غارقا في ديونه طيلة مسار عمله، ورغم ذلك لا يتردد ولا يتوانى في أداء مهمته النبيلة ليتخرج على يديه المهندسون والأطباء ورجال الدرك والشرطة والقياد والباشاوات وغيرهم من رجال الدولة وكبارها كلهم دون استثناء قد تتلمذوا وتخرجوا على يديه .

أفلا يستحق هؤلاء المدرسون التفاتة حقيقية تتجاوز الكلمات ورسائل التهنئة والشكر، والعمل على تحسين أوضاعهم الاجتماعية والمادية والصحية أيضا لأن ذلك من شأنه أن ينعكس إيجابا على عطائهم ومردوديتهم، ومن شأنه أن يحقق هذه الجودة التي ننشدها جميعا في هذا التعليم و الدفع من خلاله ببلادنا نحو الرقي والازدهار؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *