ملف

“مملكة التناقضات .. المغرب في مائة سؤال”: لماذا “طبع” المغرب مع الاستعمار الفرنسي عكس الجزائر؟ (ح 12)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 12: لماذا أصبحت فترة الاستعمار الفرنسي مندمجة في تاريخ المغرب؟

بالنسبة لـمن يعرفون الجزائر والمغرب، من الصعب أن نفهم لماذا تختلف العلاقة بين هذين البلدين وبين الاستعمار الفرنسي إلى هذا الحد. في الجزائر العاصمة، أي شيء يمس هذه العلاقة من قريب أو بعيد يصبح موضوع صدام، أما في الرباط والدار البيضاء، لازال الناس يتحدثون بإعجاب بل وباحترام عن ليوطي وسياسته وكأن ليوطي بالنسبة للمغاربة هو نقيض بوجو l’anti-Bugeaud بالنسبة للجزائريين علما أن الرجلين من ضباط الجيش الفرنسي وكل واحد منهما خاض حرباً طويلة من الغزو والتهدئة بين البلدين.

بعد الاستقلال، اقتلع الفرنسيون تمثال المقيم العام ليوطي من وسط الدار البيضاء، لنقله إلى حديقة القنصلية الفرنسية، على مرأى ومسمع من الجميع، وبقيت المدرسة الثانوية الفرنسية في الدار البيضاء “مدرسة ليوطي الثانوية”. أما في الجزائر العاصمة، فقد تم هدم المعالم الأثرية والأماكن الاستعمارية بسرعة وتغيرت أسماءها كما أن ثانوية Bugeaud وتماثيله تم استبدالها باسم الأمير عبد القادر.

في عهد الرئيس جاك شيراك، أقر البرلمان الفرنسي قانوناً في شهر فبراير 2005 يدعو إلى تدريس “الجوانب الإيجابية من الاستعمار” فانتفضت الجزائر لتعبر عن احتجاجها بهذه المناسبة مما أثار جدلاً فرنسياً جزائرياً عنيفاً أعاد إحياء مهاجمة حقبة الاستعمار في فرنسا، وربما هذا الجدل هو الذي كان وراء أعمال الشغب في الضواحي التي وقعت في نوفمبر 2005.

في المغرب، من ناحية أخرى، بادرت مجلة تيل كيل TelQuel إلى استجواب أبرز المؤرخين في البلاد من أجل مقارنة الجوانب الإيجابية والسلبية للاستعمار في بلدهم وهو نقاش لا يمكن تصوره في الجزائر العاصمة.

لنعد إلى المنبع: لقد قام الفرنسيون بإعادة تركيب “فرنسا” جديدة في الجزائر، واستبعدوا الجزائريين وهمشوهم. في المغرب، من ناحية أخرى، اعتمدت فرنسا في المغرب على السلطان وعلى النخب المخزنية من أجل إخضاع البلاد وتهدئتها ثم تحديثها. لم تحدث أبداً قطيعة كاملة بين فرنسا والسلطات المغربية ما عدا فترة منفى السلطان محمد الخامس (20 غشت 1953 إلى 16 نوفمبر 1955) لمعاقبته على تمرده حيث تم استبداله بابن عم طاعن في السن.

وقد حوّلت هذه الأزمة الأخيرة السلطان إلى “شهيد” للوطنية المغربية ولكن النظام الملكي لم ينس أبداً ما قدمت له الحماية من خدمات على الرغم من أن محمد الخامس كان مدافعا شرسا عن جلاء الاستعمار وساعد الأفارقة والجزائريين على تحرير أنفسهم وحرص على الانتقال من الاستعمار إلى التعاون القوي مع فرنسا في جميع المجالات.

أما الملك الحسن الثاني فقد عزز قربه من المعسكر الغربي وفرنسا التي كان يحبها حبّا جمّا ولم يعكر صفو علاقته بها إلا ملف الزعيم المهدي بن بركة الذي خضع للاختطاف والاغتيال في باريس في سنة 1965 ثم توترت العلاقة مرة أخرى في سنة 1990 بعد صدور كتاب “صديقنا الملك” (Notre ami le roi) للكاتب جيل بيرو Gilles Perrault، وهو الحدث الذي اعتبره الملك عدوانا شخصيا عليه. لكن رغم كل هذا فإن المشاجرات لا تدوم طويلا.

في عهد الملك محمد السادس، أصبح غموض الواقع الاستعماري هو المسيطر على العلاقات، على عكس الجزائر مع الرئيس بوتفليقة. وقد تم اعتبار حقبة الاستعمار ناجمة عن قرار مشترك فرنسي مغربي يفترض بموجبه القصر والجيش المغربيان خيار “تهدئة” البلاد من طرف ليوطي ضرورة حتمية ويحتفلان بإنجازات القوات المسلحة الاستعمارية في الحربين العالميتين (ومن رحم هذه القوات المسلحة الفرنسية ولدت القوات المسلحة الملكية المغربية) بل إن المغرب أقدم على تغيير تاريخ الاستقلال الذي حصل في 2 مارس 1956، واستبدله بتاريخ 16 نوفمبر 1955 (يوم عودة السلطان من المنفى) ويردد الخطاب الرسمي أن الاستعمار في المغرب لم يكن سوى حماية قصيرة المدى.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • عبداللطيف
    منذ 4 سنوات

    سلام يجب ان لا ننسا (مدام شرويط) madame charwitt وكذالك