مجتمع

كيف تحولت مراكش من السياسة إلى السياحة؟

المدينة الحمراء، مدينة البهجة، عاصمة النخيل، مدينة “سبعة رجال”، ألقاب اشتهرت بها مدينة مراكش المغربية التي تأسست سنة 1062 ميلادية، على يد أبي بكر بن عمر اللمتوني، ابن عم الملك المرابطي يوسف بن تاشفين.

وتقع مراكش حاليا بجنوب المغرب عند سفوح جبال الأطلسي على بعد ثلاثين كيلومترا منها، وترتفع 450 مترا عن سطح البحر، وتبعد عن عاصمة المملكة الرباط 327 كيلومترا. وتقدر مساحتها الحالية بنحو 230 كيلومترا مربعا.

تاريخ المدينة

تختلف الروايات في تفسير اسم المدينة؛ فيرى بعضها أن مراكش كلمة أمازيغية تعني “مرّ بسرعة”، ويرى آخرون أن “أكش” اسم إله قديم. وهناك من يرى أن اسم “مراكش” يرجع إلى الكلمة الأمازيغية “أمور ن اكوش”، وتنطق بالأمازيغية أموراكش، وتعني بلاد الله أو أرض الله، وهي دلالة لها بُعد عالمي، والانتماء إلى الإنسانية جمعاء.

وكان اسم مراكش يطلق على كل المغرب قديما، منذ أن تأسست كعاصمة للمرابطين إلى عهد الاحتلال الفرنسي في العصر الحديث، ولا زالت هذه التسمية متداولة في كل اللغات، كالفارسية (مراكش)، والإسبانية (مارويكوس) والإنجليزية (موروكو).

“الحاضرة المراكشية أو المدينة الحمراء أو مدينة البهجة كانت عاصمة للامبراطورية المرابطية الكبيرة التي امتدت حدودها الشمالية إلى شمال الأندلس والجنوبية إلى موريتانيا والشرقية إلى إفريقية”، هكذا بدأ الأستاذ الجامعي مولاي المامون مريني حديثه مع جريدة “العمق” حول مراكش.

وقال مريني في حديث مطول مع الجريدة إن مراكش، التي اكتمل بناؤها سنة 1123 وأخذت فيها الصورة العمرانية البديعة على يد علي بن يوسف، من المدن المغربية القليلة التي لها أسوار على النموذج السومري، والتي كان الهدف منها حماية المدينة باعتبارها مركزا علميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا.

وأضاف الفاعل الجمعوي مولاي المامون “وللمدينة موقع استراتيجي ومتميز محاط بسلسلة جبال الأطلس بالجنوب وما يعرف بالجبيلات في الشمال وتقع بجانب بعض الأنهار، وكانت منطقة زراعية بامتياز مما جعلها تحقق الاكتفاء الذاتي في كل الأمور المعيشية، ولم تتأثر بالحصار الذي فرض عليها في فترات متفرقة من تاريخها خاصة في فترة “بن تومرت” وآواخر الفترة المرابطية”.

تعايش سلمي وتميز فريد

جسدت مراكش نموذجا للتعايش السلمي بين الديانات والثقافات المختلفة، يضيف مريني، فرغم أن السكان الأصليين بالمدينة هم أمازيغ إلا أنها عرفت توافد العديد من الأجناس الأخرى منها اليهودية والعربية و الإفريقية، حتى أن بعض الحرف بمراكش لا زالت تحتفظ بأسماء توحي بأصل ممتهنيها، ولم يسجل التاريخ حروبا بين هذه الأجناس.

وأشار الفاعل الجمعوي ذاته إلى أن خروج العرب والمسلمين من الأندلس ونزوحهم نحو المغرب وخصوصا نحو مراكش أعطى المدينة طابعا عمرانيا فريدا، إذ بإمكان أي زائر أن يتعرف على فترة بناء حي بمراكش انطلاقا من عمرانه، فكل حضارة تركت بصمات بارزة بالمدينة الحمراء.

وباعتزاز قال ابن المدينة الحمراء في تصريح لجريدة “العمق” إن ما تركه السعديون في مجال العمران يضاهي ما هو موجود في مدينة فاس المغربية عاصمة الأدارسة وفي شمال المغرب، مشيرا إلى التأثير “الأندلسي الغريب” في النمط المعماري لمراكش، حيث امتزج بتصاميم الصحراء وجنوب الصحراء وغرب افريقيا.

أما اللباس والأكل، يوضح “مريني”، فقد جعلا من مراكش أيقونة تلاقح ثقافي وحضاري بامتياز، فهما مزيج فريد بين عادات جنوب الصحراء والعادات العربية والأمازيغية والأوروبية.

وأكد المتحدث على أن الأكل المراكشي خليط بين المالح والحلو وهي خاصية نادرا ما تجدها في مدينة مغربية أخرى؛ كاللحم والبرقوق” و”المروزية” و”قمامة” و”الكسكس بالزبيب والبصل والعسل”.

مراكش تصنع كل شيء

ولأن مراكش عاصمة امبراطورية بحجم الإمبراطورية المرابطية، فقد كان لزاما على الدولة توفير الحاجيات المتزايدة التي فرضها التوسع الجغرافي للدولة من جهة ولرمزية مراكش العاصمة التي كانت مركزا للحكم ومستقرا لرجال الدولة والطبقة “البورجوازية”، وفق ما جاء في كلام الأستاذ الجامعي مولاي المامون مريني.

وقال المتحدث إن مراكش كانت تصنع كل شيء، فأنتجت السكر في معمل السكر و”الشعرية” في سوق الشعرية، فضلا عن صناعة السروج والسيوف وكل ما يرتبط بالجيش، فحققت بذلك اكتفاء ذاتيا، مشيرا إلى أن مراكش لا زالت تحتفظ بأسماء هذه المعامل وأماكن ممارسة هذه الصناعات.

وزاد المتحدث أن صناعات أخرى كثيرة عرفتها مراكش كصناعة “الحايك” وهو لباس من القماش أبيض اللون تلتحف به المرأة لتستر سائر جسدها مع إضافة العجار وهو قطعة صغيرة من القماش تضعها المرأة لتغطي وجهها، فضلا عن الصناعة الجلدية.

وقال إن بعض هذه الصناعات استطاعت الصمود إلى اليوم وبعضها الآخر اندثر ولم يبق منها إلا أسماء أماكنها، ومنها ما أصبح يستعمل كأدوات للتزيين داخل البيوت وتجلب مداخيل عبر السياحة.

مدينة “سبعة رجال“

مولاي المامون مريني قال إن أصل حكاية “سبعة رجال” بدأت من منطقة أمازيغية “الشياظمة وحاحا” بين إقليمي الصويرة وآسفي حاليا، عندما سافر سبعة من رجالها الصالحين إلى شبه الجزيرة العربية، والتقوا الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في عز دعوته، وتحدث إليهم، فمكثوا هناك زمنا أخذوا منه الإسلام، وأدخلوه إلى المغرب.

ولهؤلاء الرجال السبعة أضرحة معروفة إلى الآن على الضفة الجنوبية لنهر تانسيفت ولكل واحد منهم اسم خاص به وذرية معروفة بانتسابها إليه.

ومع مرور الوقت تشكل لدى اتباع هؤلاء السبعة “الرجراجيين” اعتقاد راسخ بأسبقيتهم لتلقي الدين الجديد وهو المعطى الذي استمدت منه زوايا رجراجة مكانتها السياسية والاجتماعية عبر التاريخ وهو ما أرخى بظلاله على علاقة الرجراجيين” بالدول المتعاقبة على حكم المغرب التي كانت متوترة إزاء المرابطين والموحدين الشيء الذي أدى بالرجراجيين إلى أخذ مسافة بينهم وبين دعوتهم.

وخلال مرحلة حكم العلويين ستدخل علاقة رجراجة منعطفا حاسما وبدا متوترا مع السلطان المولى إسماعيل الذي دخل في صراع مع العديد من الزوايا المنتشرة عبر ربوع المغرب خلال مرحلة تثبيت حكمه وسعى بكل الوسائل إلى إخضاعها.

ومن بين الأساليب التي لجأ إليها لكسر شوكة زوايا الرجراجيين التي كانت تشكل بؤرة توتر للعلويين، يضيف مولاي المامون مريني لجريدة العمق، الانتقال بفكرة سبعة رجال من الشياظمة إلى مراكش واختيار أشخاص آخرين لا تربطهم برجال الشياظمة أي علاقة، كما أنهم ليسوا أمازيغ.

من السياسة إلى السياحة

انتقلت مراكش بعد قرون من الأدوار السياسية والاقتصادية والعلمية التي لعبتها عبر التاريخ، إلى لعب دور سياحي أعطى للمدينة لقب الواجهة السياحية للمغرب، فأصبحت تستقطب ملايين الزائرين كل سنة من كل بقاع العالم.

مولاي المامون مريني قال: “تسمح المدينة الحمراء لزائريها باكتشاف ما تزخر به من المعالم الأثرية التاريخية والحضارية الشاهدة على تاريخ عريق، منها أسوار مراكش التي يقدر طولها بنحو تسعة كيلومترات”.

كما تمكن الزائر من الوقوف على الدور العلمي الذي كانت تلعبه مراكش، ففي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تستورد الصابون من المغرب، كانت مراكش تحتضن أول جامعة إسلامية أنشأتها دولة إسلامية أمازيغية في العالم وهي جامع بن يوسف، الذي كانت تخرج أطر الدولة ونخبها وكانت مركزا لنشر العلم وتكوين العلماء، وفق ما جاء على لسان المريني.

وفي مراكش أيضا القبة المرابطية، وهي شاهد حي يبرز جمال الفن المعماري المرابطي، وتحمل نقوشا فنية فيها أقواس وأشكال تشبه نجمة سباعية، والقصر البديع الذي يعتبره بعض المؤرخين والجغرافيين القدامى من عجائب الدنيا لاحتوائه على أربع حدائق، وزخارف ورخام وتيجان وأعمدة مكسوة بأوراق الذهب والزليج متعدد الألوان.

ومن معالمها أيضا مسجد الكتبية، وساحة جامع الفنا، التي يحج إليها الزوار من داخل المغرب وخارجه، واعتبرتها منظمة اليونيسكو عام 1997 تراثا شفويا إنسانيا، فضلا عن معالم ومآثر تاريخية أخرى جعلت منها مدينة سياحية بامتياز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *