وجهة نظر

سياسة دونالد ترامب غير التقليدية‎

إن الولايات المتحدة الأمريكية تحكمها مصالحها المسطرة بتدقيق من طرف الكونغرس و البنتاغون و الأمن القومي بمخابراته المختلفة، وغيرها من المؤسسات و اللوبيات الإقتصادية و السياسية و الإعلام ، و ليس على الرئيس المنتخب إلا قيادة هذا الروبوط المؤسساتي أو السيستيم (systéme ) العملاق بكل انسجام مع ما يتوافق مع المصالح الأمريكية ، لكن وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة رغم تعرضه منذ بداية الإنتخابات إلى معارضة قوية من طرف الديمقراطيين و كذلك الجمهوريين ، وبموقف إعلامي شبه إجمالي بمساندة المؤسسات النافذة في الولايات الأمريكية المتحدة ، فاجأ الجميع سواء داخل أمريكا أو خارجها ، مما سيربك شيئا ما السياسة الأمريكية ، حيث استغلت اللوبيات المعادية للإسلام الشخصية العنصرية و المندفعة لدونالد ترامب للضغط على المؤسسات الأمريكية الحساسة ، مما نتج عنه ميل مسؤولي الأمن القومي الأمريكي إلى تصنيف كل التيارات و الحركات الإسلامية في خانة الإرهاب ، مما من شأنه زعزعة علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بمعظم الدول الإسلامية ، من توركيا كدولة نافذة في منطقتها ، لا تستجيب للإبتزاز و لا تركن للإضغان بقدر ما تعرف كيف تستغل أزماتها في اتجاه القوة و النفوذ، و حادثة إسقاط الطائرة الروسية بالأراضي التوركية ليست ببعيد ، إلى تونس كدولة تحاول أن تبرهن على أن التيارات أو الأحزاب السياسية يمكن أن تتعايش و تستوعب المكونات السياسية الأخرى ، أو على الأقل أن تشارك في الحياة السياسية بكل مرونة عكس ما تقوم به المذهبية التي تستغل كوقود للإرهاب و عدم الإستقرار ( العراق سوريا و ليبيا و اليمن ) بتجييش من قوى انتهازية داخلية و خارجية .

و لا يمكن تفسير قرار دونالد ترامب المتعلق بمنع مواطني السبع الدول المسلمة ( إيران ، العراق و سوريا ، ليبيا ، الصومال و السودان و اليمن ) من دخول الولايات الأمريكية المتحدة إلا بأن هذه الدول دول مارقة لتعميق الهوة بينها و بين الدول الخليجية ، بهدف الابتزاز و تحريك مصانع الأسلحة الأمريكية ، عكس محللين سياسيين آخرين يتوقعون تأثيرات إيجابية للمهاجرين المسلمين على السياسات و العلاقات الدولية بعد اندماجهم في المجتمعات الغربية ،

 إن دونالد ترامب لم يهاجم مواطني الدول السبع المسلمة فحسب ، بل سبق أن هاجم بعض الدول الخليجية بوصفها دولا لا تملك إلا المال ، و ذلك عند تطرقه مؤخرا إلى إعادة بناء مناطق بسوريا ” آمنة ” للمدنيين السوريين .

فهل سيتساءل الرئيس دونالد ترامب عن مدى مصالح أو خسائر الشعب الأمريكي في حالة غلوه في العنصرية و إضغانه لتوجهات اللوبيات المناهضة للإسلام ؟ وهل سيعرف بأن الإسلام ليس هو الإرهاب و أن الإرهابيين و غيرهم من المتمردين في كل مكان و زمان يتحركون تحث مسميات إيديولوجية و دينية و مذهبية و عرقية لكسب ما يعتقدونه ” شرعية ” ؟ أم أن هذا الوافد الجديد للبيت الأبيض مقتنع بأن اللوبيات الإقتصادية و السياسية العالمية المعادية للإسلام أقوى و أكثر تأثيرا من الدول الإسلامية المستهدفة ، و أن العلاقات الدولية ترتكز على القوة و التنفيذ و ليس الإحتجاج و التنديد ، و رفع التظلمات إلى الأمم المتحدة، بدليل أن حق النقض الدولي ” الفيتو ” منح للدول الخمس ( الولايات المتحدة الأمريكية ، روسيا و إنجلترا ، فرنسا و الصين ) باعتبارها دولا منتصرة ، أو قوية بعد الحرب العالمية الثانية .

كما أنه يمكن لدونالد ترامب أن يتخد صيغة معينة للتخفيف من سياسته العنصرية ليس بسبب التنديد و الإحتجاج و قلق الأمين العام للأمم المتحدة ، و لكن بسبب الخوف من جر الولايات المتحدة الأمريكية إلى بعض الإنقسامات الداخلية و العزلة ، بسبب الضغوطات الأمريكية الداخلية (المنظمات الحقوقية ، و الهيئات القانونية و الأقليات و الأمريكيون من أصول إفريقيية ) ، بالإضافة إلى ضغوطات الدول الوازنة مثل كندا ، ألمانيا ، فرنسا و الصين التي أقدمت على تحريك صواريخها الباليستية النووية نحو الحدود الشمالية الشرقية للبلاد للرد على ما وصفته ب “العدوانية” في خطاب ترامب ضد الصين . كما أن أكبر ردع لسياسة ترامب يكمن في مبدأ المعاملة بالمثل للمسافرين الأمريكيين نحو الدول الإسلامية ، فولاية الرئيس الأمريكي الجديد حبلى بالمفاجآت .